هوية بريس – السبت 27 شتنبر 2014 على صفحته الزرقاء كتب الصحفي اللامع حسن أبو عقيل منشورا في شكل نداء إلى المحسنين والمحسنات للمساعدة والتضامن والاستعطاف لحالة شابة مغربية مريضة تحتاج إلى عملية جراحية على وجه السرعة ولا تملك إلى حدود الساعة تكاليفها المادية. وهكذا توجه السيد أبو عقيل إلى السادة البرلمانيين بالبرلمان المغربي موجها كلامه إليهم بعبارة إلى (رسالة إلى المحسنين داخل البرلمان المغربي). لقد ظننت ولوهلة ان السيد أبو عقيل قد كتب هذه العبارة على وجه التهكم من السادة البرلمانيين الكرام ولكن بعد مراجعته تبين أن العبارة كانت مقصودة لعل وعسى أن تتعطف قلوبهم وتتكرم أياديهم الندية بتقديم المساعدة لفتاة تعاني من اجل الحصول على حقها في العلاج والتطبيب في هذا الوطن السعيد. نعم الظروف المادية القاهرة والحالة الصحية العصيبة التي تمر منها تلك الفتاة المغربية تفرض ان نرتفع عن الخوض في الجدال السياسي والاجتماعي وان نسعى بشتى الطرق لكي نجمع لها المساعدات المالية الضرورية حتى تتمكن من إجراء العملية الجراحية وحتى تستعيد صحتها وحتى تتمكن من متابعة حياتها مع الأصحاء وهذا الأمر يوجب علينا جميعا كيفما كان وضعنا الاعتباري والاجتماعي مسؤولية أخلاقية وإنسانية من أجل تقديم يد المساعدة والتضامن كل بحسب استطاعته وقدرته لهذه الفتاة ولغيرها من أمثالها ومثيلاتها ممن يعانون في صمت بمستشفيات المملكة ومصحاتها حيث تفرض الإدارة الطبية سداد الفاتورة كاملة قبل أن يجري الطبيب العملية الجراحية… وللأسف فإن كثيرا من المرضى الذين كانت العملية الجراحية هي الحل الأخير لمعضلتهم المرضية ولإنقاذ حياتهم لم يجدوا اليد الممدودة لهم لأداء تكلفة العملية في الوقت المناسب قضوا نحبهم وهم ينتظرون في متاهات الإهمال وفي تجاهل تام من الإدارة الصحية والحالات الكثيرة والحكايات التي نسمعها من الكثيرين تؤكد ان هذه الوقائع لازالت تحدث وتتكرر بشكل يومي بسبب الترهل والضعف التدبيري والهشاشة التي يعاني منها قطاع الصحة العمومية وغلاء تكاليف التطبيب بالمصحات الخاصة. لكن بالرغم من ذلك علينا أن لا نهمل النقاش الذي فتحه الصديق حسن أبو عقيل بعبارته الى (المحسنين بالبرلمان المغربي) والتي تختصر في معناها البؤس العميق الذي يوجد عليه العمل البرلماني المغربي اليوم والنظرة المأساوية والسوداوية التي ينظر بها المواطن للبرلمانيين المغاربة…وقد صدق الأستاذ أبو عقيل في نداءه لهم بالمحسنين انطلاقا من التصور الشعبي (للمحسن) وتمثلاته في ضمير المجتمع المغربي الذي هو في الحقيقة ليس سوى شخص من ذوي الثراء والجاه يلجا إليه المواطنون وذوي الحاجة والفاقة لكي يتعطف عليهم ويتكرم ويتصدق بما جادت به نفسه مرة من أجل بناء مسجد ومرة من اجل علاج مريض ومرة من أجل شراء العيد للأسر المعوزة كثير منهم من يفعل ذلك انطلاقا من واجب ديني وإنساني بارك الله فيهم وفيما أعطوا وبعضهم يفعلها رياء وادعاء (منين تكون راشقا ليه) فلذلك وانطلاقا من هذا التصور فالبرلمانيون المغاربة والذين اغلبهم من المثرين وأصحاب الأموال التي لم يكدوا أو يكدحوا فيها هم مصنفون في الخانة الثانية من أدعياء البر والإحسان ماداموا لا يقومون بواجبهم الدستوري في تمثيل المواطنين والدفاع عن مصالحهم وضمان ولوجهم إلى الخدمات العمومية كما يقرره الدستور المغربي فهم مثلهم مثل المحسنين المرائين علينا أن نقدم لهم الاستعطاف وأن نوجه لهم النداءات باسم البر والإحسان كي يتدخلوا لكي ينال مواطن مهضوم الحقوق منهك الأدواء حقه في العلاج والتطبيب والدواء. ذلك أن المسؤولية التي على عاتقهم تنفي عنهم صفة القيام بالبر والاحسان عند أدائها أم أنهم غير معنيين بمقتضيات الفصل 31 من الدستور المغربي الذي ينص على أنه (تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: – العلاج والعناية الصحية – والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة…) أم أنهم ليسوا هم المقصودين بمقتضى الفصل 60 من الدستور حين عبر عن أنهم يمثلون الأمة أم أنهم غير معنيين بمفهوم ربط المسؤولية بالمحاسبة… المحاسبة الأخلاقية والإنسانية قبل المحاسبة السياسية والقضائية. البرلمانيون المغاربة يتقاضون أجورهم من جيوب دافعي الضرائب المغاربة وهم مكلفون ومسئولون طيلة فترة انتخابهم بالمجلسين أمام المواطنين… مسئولون ومكلفون بالدفاع عن مصالح المواطنين والسعي من اجل حل مشاكلهم والعمل الحثيث على تحسين شروط عيشهم ليس فقط من خلال العمل البرلماني العادي الذي يتضمن مناقشة السياسيات العمومية ومشاريع القوانين والمصادقة عليها أو رفضها بل هم مكلفون بمتابعة الشأن اليومي لمنتخبيهم والاطلاع المستمر على الحالات الاجتماعية الهشة وتقديم العون والمساعدة والدفاع من اجل نيل الحقوق والمطالب المشروعة للمواطنين في مواجهة الإدارة ومن اجل الولوج إلى الخدمات العمومية ومنها الصحة والتعليم والتمكن من ممارسة الحقوق والحريات الأساسية التي يكفلها الدستور المغربي والمواثيق الدولية. البرلمانيون المغاربة ليسوا أصحاب بر ولا إحسان وليس لهذا انتخبناهم بل هم أصحاب واجب ومسؤولية ولو قاموا بواجبهم ومسؤولياتهم كما يجب لما وجدنا مثل تلك الفتاة تستجدي الناس أن يساعدوها ولو قام نظرائهم الوزراء بمهامهم في ضمان تقديم الخدمات العمومية وتوفيرها وتحسين أدائها لجميع المواطنين لما وجدنا تلك الكوارث الإنسانية التي تقع بشكل يومي على أبواب مستشفياتنا ومصحاتنا وداخلها بسبب التسيب والتدبير المتهاوي والمتهاون للمرافق العمومية. البرلمانيون المغاربة ليسوا أصحاب بر وليسوا محسنين لسبب بسيط… وهو أننا لم نأتي بهم لكي يحسنوا إلينا بل أتينا بهم لكي يتحملوا المسؤوليات والأعباء ويدافعوا عن مصالحنا كناخبين…ليسوا محسنين لان ما تمتلئ به جيوبهم اليوم هي الأموال والرواتب التي يتقاضونها بسبب صفة تمثيلهم للأمة. علينا كمواطنين أن نغير نظرتنا للأشياء وان نتعامل بكثير من الوعي مع المشهد السياسي المغربي فما جعل البرلمانيين لا يقومون بواجباتهم كما ينبغي لهم هو تراخينا في متابعة عملهم والرقابة على أدائهم وامتحانهم في مهمتهم… ثم اعتقاد الكثير منا بان مهمة البرلماني ليست سوى الظهور في التلفاز والصياح ومراكمة الثروات وتغيير السيارات والحضور في الحفلات طيلة فترة ولايته البرلمانية وفي الأخير يعاد انتخابه ببساطة ودون أدنى محاسبة عن الفترة السابقة ودون أن يتحمل هو بدوره أي عناء ودون ان يؤنبه ضميره بسبب ما فرط من حقوق ومسؤوليات تماما مثل الوزراء الذين خربوا البلاد وتسببوا بضعف تدبيرهم للقطاعات التي تولوا تسييرها في الحالة المأساوية التي توجد عليها خاصة قطاع الصحة القابع على جبال من الكوارث العمومية لا يظهر منها سوى قممها اليوم بينما ثلثاها مدفون تحت التراب. وفي الأخير أوجه نداء صادقا لكي نرقى بالفعل السياسي في هذا البلد إلى مستوياته المطلوبة والحقيقة ببلد ينشد التقدم والتنمية والديمقراطية… نداء إلى البرلمانيين أن يتحملوا مسؤولياتهم التي من اجلها انتخبوا ونداء من اجل الناخبين أن يمارسوا دورهم المواطن في الرقابة على أداء المنتخبين ومتابعة أعمالهم وتقييمها ونداء إلى الأحزاب أن تقدم لمواقع المسؤولية أصحاب الضمير الأخلاقي المتيقظ والكفاءة المعرفية والعمل والتطبيق بعيدا عن الشعارات الجوفاء والمشاحنات الخرقاء.. أن تقدم لمواقع المسؤولية من يسعى لكي يخدم الوطن والمواطنين ويسهر على ضمان احتياجاتهم وان يكون اكبر همه هو تحقيق الصالح العام… وعلى المجتمع المدني أن يرقى بأدائه ويفهم طبيعة أدواره التي يكفلها له الدستور اليوم وان يقوم بأداء رسالته الاجتماعية والتضامنية والثقافية والحضارية بكل مسؤولية لان المجتمع المغربي اليوم هو في أمس الحاجة إلى كل الجهود من اجل تجاوز مرحلة الأزمة التي نعيشها وتحقيق التنمية المنشودة. وعلى السلطات العمومية أن تكون كذلك في مستوى التطلعات خدمة للمواطن لضمان نيله حقوقه الأساسية في الحياة والصحة والعيش الكريم والتشغيل على قدم المساواة. كما أوجه نداء صادقا لكل من علم بحالة تلك الفتاة وأمثالها ومثيلاتها بهذا الوطن السعيد أن يقدم يد المساعدة كيفما كانت صفته ليس من باب الإحسان والبر بل من باب الواجب الذي يعد فيه المقصر المستطيع القادر أثما إن تركه ولم يسعى إلى القيام به فما بالك بمن يتحمل المسؤولية التمثيلية والمسؤولية الإدارية والمسؤولية التدبيرية بهذا الوطن.