1- شعرْت بالحنق وأنا أشاهد الممثلة المغربية عائشة مناف، في نشرة الأخبار على شاشة القناة الثانية وهي تستجدي المحسنين من أجل مساعدتها على توفير المصاريف الكفيلة بالسماح لها لمواصلة العلاج من مرض السرطان الذي ينخر جسدها النحيل في صمت. شعرت بالحنق وأنا أرى مواطنة مغربية تذرف دموعا حارة علّها تحظى برأفة المحسنين من أجل إنقاذها من الموت، رغم أن دستور المملكة ينص على أن التطبيب حقّ من حقوق أي مواطن مغربي. 2- عائشة مناف، ليست حالة فريدة، وليست وحدها التي تعاني من المرض ولا تجد من يعينها على العلاج. فلولا أنها لم تكن ممثلة تلعب دورا في مسلسل تلفزيوني يعرض حاليا على شاشة القناة الثانية لما سمع أحد بمعاناتها، ولظلت تعاني في صمت وعذاب، وهذا هو حال آلاف المواطنين والمواطنات المغاربة، الذين سُدّت أبواب المستشفيات "العمومية" في وجوههم، ولا يملكون مالا لولوج مصحات القطاع الخاص التي تحولت إلى "باطوارات" حقيقية، في الوقت الذي نرى فيه مسؤولي البلاد بمجرد أن يصاب أحدهم بنزلة برد طفيفة يتم نقله على وجه السرعة والاستعجال إلى فرنسا كي يتعالج في مستشفياتها ومصحاتها الخاصة. 3- فأيّ دولة هذه التي لا توفّر لمواطنيها حتى الرعاية الصحية، وهي كما أشرنا إلى ذلك سابقا واحدة من الحقوق التي ينص عليها الدستور لكافة المغاربة. أيّ دولة هذه التي يموت أبناؤها وبناتها أمام أبواب المستشفيات كالقطط الضالة، والمحظوظون منهم ينتظرون أشهرا طويلة يفترشون خلالها عشب الحدائق العمومية قبل الحصول على موعد لإجراء عملية جراحية تافهة، وطبعا بعد أن يتعرضوا لكافة أشكال الاحتقار والإهانة والابتزاز، وبعد أن تكون كرامتهم الآدمية قد مرّغت في وحل الذلّ. أيّ دولة هذه التي تتكدّس فيها عشرون امرأة رفقة مواليدهن داخل غرفة واحدة من خمسة أسرّة في جناح الولادة. إن المغرب الذي يضعون على وجهه مساحيق التجميل كل مساء من خلال نشرات الأخبار على التلفزيون الرسمي ليس جميلا كما يريدون أن يصوّروه لنا. المغرب الحقيقي ليس هو الذي يظهر على شاشة التلفزة، المغرب الحقيقي مغرب سيء للغاية، قاس إلى حدّ لا يوصف، لا يعرف الشفقة ولا الرحمة. هذا هو المغرب الحقيقي الذي يبذلون جهودا جبارة لإخفاء وجهه البشع. 4- إنه لمن العار أن نطالع صباح كل يوم عبر صفحات الجرائد الوطنية نداءات استغاثة يطلقها مواطنون معوزون ومقهورون لعل وعسى أن يرأف قلب أحد المحسنين ويعينهم على إجراء عملية جراحية أو شراء دواء. حتى أننا أصبحنا نطالع نداءات استغاثة للمساعدة على إزالة "الجلالة" من العين، رغم أن مثل هذه العمليات سهلة للغاية، ولا تتطلب إمكانيات وتقنيات طبية متطورة، ومع ذلك لا يستطيع كثير من المواطنين إجراءها، بعدما أغلقت الدولة أبواب مستشفياتها في وجوههم، وألغت حتى شهادة الضعف الحقيرة التي كانت تخول لهم الدخول إلى المستشفيات، على الرغم من كل الذل والحقارة التي يشعر بهما حاملها. 5- من يريد أن يعرف الوجه الحقيقي للمغرب إذن، يجب عليه أن يتفقّد أحوال مواطنيه البسطاء. من يريد أن يعرف الوجه الحقيقي للمغرب يكفيه أن يزور أحد مستشفياته "العمومية"، هناك حيث يجتمع البؤس والقسوة والذل والحرمان، سيكتشف أن المغرب الحقيقي لا يشبه المغرب الذي نسمع عنه في الخطابات الرنانة التي يتلفظ بها المسؤولون، أو المغرب الذي نشاهده على شاشة التلفزيون. إنه لمن العار والمخجل أن يمرّ نصف قرن كامل على حصول المغرب على الاستقلال، وما يزال المواطنون يستجْدون الصدقات من المحسنين لعلاج أمراضهم، وهو الأمر الذي لم يكن موجودا حتى في عهد الاستعمار. إن الرعاية الصحية حق مقدس وليس منّة أو صدقة. ويجب أن يتوفر لكل مواطن. لكن هذا الحلم سيظل بعيد المنال، ما دام أن أول مريض يحتاج إلى رعاية صحية مكثفة هو هذا البلد بنفسه الذي يعاني من أمراض معضلة ومزمنة لا يبدو أنه سيتعافى منها على المدى القريب وربما حتى البعيد. [email protected]