الأربعاء 17 شتنبر 2014 منذ أحداث 11 من سبتمبر وإلى الآن يمكن اعتبار مصطلح محاربة "الإرهاب" من أكثر المصطلحات الغربية غموضا وازدواجية في الممارسة والتطبيق، فمنذ ابتداع هذا المصطلح وحتى الآن لا يوجد تعريف واضح له -رغم مطالبة الدول العربية و الإسلامية و الأممالمتحدة بإيجاد هذا التعريف- وبالتالي فليس هناك أي حدود أو ضوابط أو قيود للتمييز بين الإرهاب والدفاع عن النفس أو المقاومة. ولعل من أهم نتائج عدم وجود تعريف دولي "للإرهاب"، هو الانتقائية في توجيه الاتهامات، حيث توجه أصابع الاتهام دائما لفئة معينة من المسلمين بهذا المصطلح -هم أهل السنة- بينما يتم غض الطرف عن فئات أخرى تمارس الإرهاب بكل أشكاله وألوانه، دون أن تتهم بالإرهاب أو تصنف ضمن لوائحه الغربية السوداء. ولم يتوقف الأمر عند الانتقائية في توجيه الاتهامات بالإرهاب، والتي لا تستند إلى أي مقياس أو ميزان – اللهم إلا ميزان القوي الذي يفرض وجهة نظره على الضعيف – بل تعداه إلى الازدواجية الفاضحة في التعامل مع ذلك المصطلح عسكريا، فبينما تحشد الحشود وتشكل التحالفات الدولية لشن الحروب ضد تنظيمات أهل السنة المتهمة بالإرهاب "القاعدة سابقا والآن تنظيم الدولة"، لا يتخذ أي إجراء عسكري مع من يمارس الإرهاب على شعبه والمسلمين منذ سنوات. فعلى الرغم من ممارسة النظام السوري أبشع أنواع الإرهاب مع شعبه منذ أكثر من ثلاث سنوات، وعلى الرغم من التدخل العسكري الرافضي السافر في هذا البلد، من خلال المليشيات الشيعية التي تشارك النظام السوري في ممارسة الإرهاب – حزب الله اللبناني والعراقي وغيرها من الأحزاب والمليشيات الشيعية – إلا أن المجتمع الدولي الغربي لم يصنف هذه النظام ومليشياته ضمن لوائح الإرهاب، بل له أن يشكل تحالفا دوليا لمواجهته أو القضاء عليه. وأمام هذه الازدواجية الغربية المقيتة في التعامل مع إرهاب دون إرهاب، ومحاربة واحد منهما دون الآخر، تخشى الدول العربية المشاركة في التحالف الدولي لمواجهة "تنظيم الدولة"، من تبعات وآثار هذه الازدواجية، وتطالب بمواجهة ومحاربة جميع أنواع الإرهاب في المنطقة، بما فيها إرهاب النظام السوري وحزب الله اللبناني. وفي هذا الإطار دعا وزير الخارجية البحريني إلى القضاء على جميع المجموعات الإرهابية في المنطقة التي تشكل خطرا لا يقل عن خطر ما يسمى ب"داعش" كحزب الله الإرهابي وغيرها من منظمات إرهابية بالمنطقة. وأعلن الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة – وزير الخارجية البحريني – عن استعداد بلاده لاستضافة مؤتمر دولي لمكافحة تمويل الإرهاب يشارك فيه ممثلو الدول المتخصصين في هذا المجال. جاء ذلك خلال كلمته في المؤتمر الدولي من أجل الأمن والسلام في العراق الذي يعقد في العاصمة الفرنسية باريس، ونشرت نصها وكالة الأنباء البحرينية. وأشار وزير الخارجية البحرينية إلى "أهمية القضاء على جميع المجموعات الإرهابية في المنطقة التي تشكل خطرا لا يقل عن خطر ما يسمى "بداعش" كحزب الله الإرهابي وغيرها من منظمات إرهابية بالمنطقة". وأكد على "ضرورة التصدي لها بكل حزم والقضاء عليها وإيجاد السبل الكفيلة بضمان عودة الأمن والاستقرار في المنطقة". والحقيقة أن إرهاب المليشيات الرافضية -ومنها حزب الله وغيره- المنتشرة في كل مكان في المنطقة، بدءا بالبحرين من خلال ما يسمى جمعية "الوفاق" الشيعية المعارضة، والتي تقف وراء الاحتجاجات والاضطرابات التي تشهدها البحرين منذ عام 2011م وحتى الآن، وصولا إلى بعض دول الخليج، وليس انتهاء بسورية ولبنان والعراق، يعتبر بلا شك أشد خطرا من إرهاب "داعش"، بل يمكن القول أن جميع الحركات الإرهابية التي ظهرت في المنطقة، إنما انبثقت من المنظومة الإرهابية الإيرانية الرافضية وحلفائها، الأمر الذي يؤكد أن الأخيرة هي رأس الأفعى فيما يسمى "الإرهاب". فلماذا تشكل التحالفات الدولية لمحاربة "تنظيم الدولة الإسلامية"، ولا يتخذ أي إجراء عسكري تجاه إرهاب النظام السوري والرافضي في المنطقة؟! إفريقيا الوسطى؛ الإرهاب الحقيقي المسكوت عنه عالميا ربما لم تصل إلى مسامع الأممالمتحدة وأمينها العام الأنباء بأن هناك مذابح مستمرة وممنهجة تجري في كل يوم في مكان آخر غير المكان الذي حرك إليه الجيوش حاليا، إن تجاهلهم التام لهذه المجازر من ناحية وتسارعهم التام في العراق من ناحية أخرى ليؤكد أن تباكيهم الشديد على الصحفي الأمريكي لم يكن من منطلق إنساني؛ لكونه إنسانا يقتل وتهتم به لجان حقوق الإنسان، بل لاستغلال الحادثة سياسيا وتحقيق الأهداف من ورائها، وكان محركهم الأول أن القاتل –المزعوم- مسلم، وان القتيل أمريكي، ولهذا السبب فقط تتحرك الأساطيل الحربية والبوارج البحرية وحاملات الطائرات لتقتل آلاف المسلمين وتدمر مدنهم وقراهم، وستترك من تصفهم بالإرهابيين لكي تعاود الكرة عن طريقهم مرة بعد مرة. فهنا في أفريقيا الوسطى وما أدراك ما هنا، حيث الجحيم تستعر نارا على المسلمين، حيث السكاكين والسيوف والخناجر تصقل لذبح الرجال والنساء والأطفال علانية، فلم يقدم لهم مجلس الأمن شيئا فقد افقدهم الأمن، ومحكمة للعدل سلبتهم العدل، والأممالمتحدة متحدة فقط على دمائهم، لم يقتل هنا إنسان فقط ولم يذبح هنا رجل واحد، بل آلاف مؤلفة لازالت تذبح تحت سمع وبصر القوات المسماة بحفظ السلام. فتتوارد الصور والأفلام المرئية التي تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي التي تصور مشهدا من أبشع ما يمكن أن يراه الإنسان، حيث ظهر في مقطع الفيديو أفراد من الجيش الحكومي وهم يقومون بتجميع عدد من المسلمين ويقوم بذبحهم بحد السكين الواحد بعد الاخر في جريمة انسانية يندى لها الجبين، فظهرت مجموعة تُعد الحفر التي سيق إليها مجموعة من المسلمين، حيث نحروا واحد تلو الآخر في مشهد دموي بشع تقشعر له الابدان، وربما لا يتكرر هذه المشاهد إلا في حياة المسلمين فقط سواء في أفريقيا الوسطى أو في بورما أو سوريا أو غيرها من ديار المسلمين. فإذا كان سبب تحريك الجيوش من حلف شمال الأطلسي وبحسب أمينه العام أندرس فوراسموسن هو لوقف حملة "تكاد تكون إبادة جماعية" وفق قوله، فما الذي يمكن قوله عن الإبادة الجماعية الحقيقية التي تحدث في أفريقيا الوسطى قبل وبعد وجود قوات الأممالمتحدة والتي اثبت أنها لا دور لها إن لم تكن معينة للطرف القاتل بحسب ما ذكر عدد من قادة المسلمين هناك. والغريب أن تصريحات الأممالمتحدة تتحدث عما يحدث هناك على انه نزاع بين طائفتين، فطالب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ما اسماهم ب"أطراف النزاع في جمهورية أفريقيا الوسطى بوقف أعمال العنف فورا واستئناف عملية الانتقال السياسي"!! . فتسمية الجانبين ب "أطراف النزاع" تسمية غير حقيقية بل ظالمة، فالواقع يؤكد بان هناك إبادة جماعية طائفية تقوم بها جماعات ومليشيات مسيحية تدعمها قوات الجيش الحكومي دون أن تقدم قوات الأمم لهم أية حماية، ووصف ما يحدث بأنها "أعمال عنف متبادلة" أيضا وصف غير حقيقي، فالعنف والقتل والتهجير من طرف واحد بينما الطرف الآخر إما أن يقتل ويذبح علانية أو يهجر ويطرد خارج بلده. ففي إحصائية نشرتها وكالة الأشوشيتدبرس أظهرت أن أكثر من خمسة آلاف شخص لقوا حتفهم جراء ما أسمته هي أيضا ب"العنف الطائفي الذي يجتاح جمهورية أفريقيا الوسطى" وذلك فقط منذ ديسمبر الماضي، وأكدت الوكالة أن بعثة حفظ السلام الأممية التي تمت الموافقة عليها قبل أشهر قد تأخرت كثيرا مما اثر على حياة ألاف الأشخاص حيث أن القوات المقرر إرسالها -رغم عدم كفايتها- لا تمثل إلا 63 بالمائة فقط ممن تم التفويض بنشرهم في أبريل الماضي وهم لا يكفون إطلاقا لحماية المسلمين فالمساعدات تأتي متأخرة بالنسبة لآلاف الضحايا. واستند إحصاء الوكالة إلى حساب عدد الجثث والأرقام التي تم جمعها عن طريق منظمات الإغاثة في أكثر من خمسين منطقة مأهولة من بين الأكثر تضررا من مناطق المسلمين التي نقلت عنهم الوكالة شهاداتهم على الأحداث، حيث ذكرت على سبيل المثال حادثا اجتاح فيه مقاتلون مسيحيون منزلا لجأ إليه عشرات من الرجال والصبية المسلمين، وأضافت الوكالة أنه تم اقتياد المسلمين إلى حديقة ظليلة وأجبروهم على الاستلقاء على بطونهم وأطلقوا النار عليهم واحدا تلو الآخر. وأضافت السيدة التي نقلت عنها الأشوشيتدبرس: "كنا جميعا في الفناء (في منزل عمدة القرية) وكانت أنتي بالاكا (ميليشيا مسيحية) تناقش أمرا بالخارج. ثم أتوا إلى الداخل، وجمعوا جميع الرجال واقتادوهم وقتلوهم". فإذا كان تحريك الجيوش وإنشاء التحالفات الدولية لمقاومة ما سمته الدول المتحالفة بالإرهاب -المحتمل-، فكيف بما يحدث من إبادة جماعية حقيقية مستمرة منذ أكثر من عام دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكنا، فهل يمكن ان نصدق أنهم بالفعل يتحركون من اجل الإنسان أو الإنسانية؟!!