القائد SIR HARRY MAC-LEANE(1909) تقديم: ETIENNE RICHET مستكشف وصحفي فرنسي (1873-1929) معتمد من طرف الخارجية الفرنسية؛ جاب العديد من أرجاء المعمور، مستكشفا ومتقصيا، تمهيدا لتمدد الأذرع الكولونيالية لبلده. وقد حضر إلى المغرب في مرحلة عصيبة من تاريخه؛ حيث القوى الأجنبية على الأبواب، تتحين فرصا للانقضاض على الإمبراطورية الشريفة، زمن السلطان عبد العزيز، وما عرفه من قلاقل.. المتن: – قبل مواصلة طريقي صوب فاس، وقد أضحت الشارع الخارجي للدبلوماسية الأوروبية؛ بدا لي مهما تقصي آراء الساكنة المحلية، من خلال ممثليهم الأكثر نفاذا. لتحقيق مسعاي هذا لعب الحظ دوره: ففي هذا الصباح، وأنا متوجه صوب "كاب سبارتيل"، عبر الطريق الوحيدة في المغرب، صادفت قائدا على ظهر حصانه؛ بمظهر أنيق، ولحية بيضاء خفيفة؛ في تباين مع شباب عينيه. هذا السيد الجليل، المحاط بحرس مَهيب، لم يكن غير "السير هاري ماكلين"، العقيد الإنجليزي، والقائد العام لقوات السلطان. القائد "ماكلين" الذي يجمع، في الواقع، بين مهام المستشار الأوروبي لصاحب الجلالة مولاي عبد العزيز، والعميل البريطاني؛ يبدو في الخمسين من العمر. بقامته المعتدلة، وسمنته التي لا تحول دون كونه فارسا جيدا؛ يُعد ماكلين "الجنتلمان" الأكثر طلبا والأكثر مجاملة، في المستعمرة الأوروبية (طنجة). حينما لا يكون وسط ضيوفه الكُثر، حول مائدته، فإنه الأوفر سخاء في الأمكنة الأكثر تميزا. باشا متألق، يغازل طورا المخزن وطورا آخر أوروبا؛ وبمنزلين أحدهما بفاس والآخر بطنجة. وما دام لا يحب استقبال الأجانب بسكنه العائلي، حينما يقصد البحر، فإنه يقيم رفقة بنته، الرشيقة "نورة"، بفيلا فرنسا، الشاعرية؛ فوق المرتفع المزهر دوما؛ حيث حللت منذ البارحة جارا لغرفته. حينما تم إدخالي إلى الصالون الخاص، بالطابق الأول؛ رغم عدم انصرام فترة القيلولة، كان القائد قد عاود انتعال حذائه الأحمر الطويل، كما استبدل قفطانه الداخلي ب"الجبادور" الأزرق المُطرز بالذهب؛ وبين يديه مزمار قربة "cornemuse" يصدر منه أنغاما شجية. ما أن رآني حتى وضع المزمار على الطاولة، وتقدم نحوي مبتسما، وفاتحا ذراعيه؛ إذ عرف في الفارس الذي لاحقه في الطريق من أجل التقاط صورة له. دعاني للجلوس على كرسي، وبادرني بالقول: ماذا يمكنني فعله سيدي، خدمة لكم؟ – ستعذرون سيدي الحاكم فضولي المشروع، حين تعلمون أنني أجمع في الوقت نفسه بين المستكشف والصحفي... يتم التأكيد، من جميع الجهات، أنكم إذ غادرتم فاس في الوقت المحدد، حيث يُجري السلطان محادثات مع القوى الأجنبية؛ فما ذاك إلا استجابة لطلب وزير فرنسا المستعجل... ويتم الزعم بأنكم، باعتباركم محل ثقة صاحب الجلالة السلطان مولاي عبد العزيز، وفي الوقت نفسه مندوب الخارجية البريطانية، ستتوجهون إلى بريطانيا لإطلاع "اللورد لانسدوون "LANSDOWNE، على مجريات الأحداث الحالية. – انتفض القائد على وقع هذه الكلمات، قائلا: أمضي إلى فاس، أو أغادر هذه المدينة، متى يحلو لي؛ وإذا كنت أستعد في هذه الأيام للسفر إلى بريطانيا، فمن أجل تسوية بعض أموري الشخصية، لا غير... إن إقامتي الطويلة بالمغرب جعلتني أتشبع بتقاليده، وأكسبتني لغته وسلوكاته؛ وصاحب الجلالة حريص على اعتباري بمثابة صديق مخلص، ومساعد متحمس. من هنا وضعيتي الفريدة. ثم أضاف متفلسفا: لا يجب أبدا إيلاء أي اهتمام لما يحكيه وينشره بعض الطموحين الفاشلين. – حينما سكت واصلت: إن المغرب متروك للفوضى؛ فالسلطان لا يحكم إلا اسميا في أغلب مناطق الإمبراطورية؛ الريسولي الذي عُين قائدا، منذ قضية "بارديكاري" PERDICARIS، يقطع طرقات تطوان والقصر؛ لا يميز في هذا بين القوافل الخاصة، والممثلين الرسميين الذين يشكلون محلة السلطان عبد العزيز. مناطق الأطلس المتوسط، تقطنها قبائل لم تعترف أبدا بسلطته. الروكي هو الآمر الناهي، من وجدة إلى تازة. حتى الأقل تبصرا، من بين الساكنة الأصلية، يطالبون بإصلاحات؛ بصفتكم أدرى من غيركم بالعلة التي تنخر الإمبراطورية الشريفة، أي علاج تصفون؟ – سأكون مسرورا -وأعتقد أن هذا هو الرأي العام لكل الساكنة الأصلية- إذا احترم حياد البلد من طرف القوى الأجنبية. إذا رتبنا هذا جيدا، فلا اعتراض لي على الإصلاحات التي تفرض نفسها: بمعنى تمكين هذا البلد من إدارة منتظمة، توحيد الضرائب، وتنظيم الجيش، بمساهمة راعية ونزيهة للأوروبيين. من أجل هذه الأخيرة سأخصص -مراعاة لمصلحة المغرب لا غير- ما تبقى لي من العمر. – هذه القوات، وأنتم قائدها العام، لا وجود لها حاليا إلا على الورق. – هذا خطأ عليك تصحيحه؛ فإذا كان صحيحا أن أغلب هذه القوات تفتقر إلى هيكلة تنظيمية قارة، يمكن مقارنتها بالجيوش الأوروبية؛ فلا يقل صحة عنه أن أي أمة تفكر في غزو البلد، ستستنهض ستين ألفا من الفرسان، يهبون -تلبية لنداء السلطان- للجهاد المقدس ضد النصارى... إن الدين هو الرباط الوحيد الذي يوحد الساكنة المتنوعة؛ من حيث الأصول ومستوى التحضر؛ وهو كاف لإلهامهم التضامن، معوضا، في نظرهم، الحس الوطني الذي يجهلون. سكت القائد، وعاود وجهُه ملامحَه الصارمة والهادئة، المميزة. انسحبت بعد شكره؛ وأنا نازل عبر الأدراج، مخفورا بالعسكري الحارس، تناهت إلى سمعي من جديد معزوفات رخيمة. لقد عاود "السير هاري ماكلين" هواية العزف المفضلة لديه.