تكلف الجنرال ألفاو (Alfau) الذي عين مندوباً سامياً أول بعد الاستيلاء على تطوان في شهر فبراير من سنة 1913، بتطبيق الحماية على القبائل، فارضاً عليها النظام المخرني. اعتمد في الجهة الغربية على مساعدة الشريف مولاي أحمد الريسوني الذي لم يبد إلا الطاعة، ومد العون في تلك الفترة، يقال إنه من الشرفاء، من أحفاد الرسول عبر شجرة جده إدريس ابن عبد الله، ابن الحسن ابن علي وفاطمة ابنة النبي ص، فر إدريس الأول من مجزرة ذهب ضحيتها كل أفراد أسرته، ليستقر ويقيم ملكه بفاس في المغرب » . ينحدر الريسوني بدوره من سلالة مولاي عبد السلام بن مشيش، ولي صالح معروف في تلك المنطقة، يوجد ضريحه بجبل العلم، يرتاده مئات الزوار والحجاج. كانت الهدايا والنقود التي يتركها هؤلاء في صندوق الضريح تؤول إلى خزانة الريسوني. إلا أن تلك المداخيل كانت في نظره غير كافية، مما كان يضطره لاختطاف بعض الضحايا من أشهرهم المليونير الأمريكي إيون بيرديكاريس (Ion perdicaris) وصهره سنة 1904. وقد طلب كفدية لهما تقدر ب 350 ألف بسيطة كما اختطف القائد البريطاني هاري ماكلين (Harry ma clean) مدرب عسكري لجيوش السلطان في يوليوز من سنة 1907، وقد حدد كفدية له في 200 ألف جنيه استرليني. وإلى جانب هذا كان يطلب امتيازات أخرى، مثل إطلاق سراح بعض أصحابه من سكان القبائل المعتقلين، ممن وقع الحجز على بعض أملاكهم، إلى غير ذلك من الممارسات. كان السلطان عبد العزيز وبعده مولاي حفيظ يبعثان أحياناًَ حملات لمحاربته، وفي أغلب الأحيان يضطران للخضوع لطلباته، مع العلم أنه قلد مناصب هامة، من بينها باشا مدينة أصيلة. كانت علاقة الريسوني في البداية بالإسبان جيدة، كان يطمع من وراء ذلك إلى تحقيق أهداف شخصية. كانت علاقة سوغاستي (Zugasti) قنصل إسبانيا بطنجة جد متينة مع سيلفيستري (Silvestre)، لكن سرعان ما ساءت بعد ذلك. مع هذا الأخير كان يمكن لإسبانيا أن تستغل الريسوني للتواصل معه وإبرام علاقة جيدة، نظراً لتأثيره القوي على عدة قبائل قريبة من طنجة وأصيلة والعرائش والقصر الكبير، الأمر الذي يمكنهم من السيطرة على الجهة الشرقية، إلا أن الشريف لم يكن بالمرء الذي يرضى باقتسام السلطة مع الإسبان أو تركهم يتدخلون في شؤونه. كانت القبائل تخضع له، إما خوفاً من قوته، أو رعباً من اختطافاته وقرصنته، وكثيراً ما كانت تنتفض ضده. إلا أنه كان ذكياً، وكان يعرف جيداً نوع السياسة التي يجب على إسبانيا أن تنهجها في المغرب. كان على علاقة طيبة مع القنصل سوغاستي (Zugasti) كممثل لوزارة الدولة في الشؤون الخارجية، وفي الوقت نفسه كان يحرض القبائل، ويؤجج نار العداء والكراهية ضد التدخل العسكري المباشر في المنطقة. كان لابد من مواجهة سيلفيستري (Silvestre) الذي قلص من صلاحيته، وأمر بتجريده من بعض الامتيازات، من بينها إطلاق سراح بعض سكان القبائل الذين كان الريسوني يحتجزهم في مطمورة قصره بأصيلة، لكونهم رفضوا تأدية الخراج، وكان ذلك من بين الطرق التي ينهجها، ويفرضها فرضاً. احتج الريسوني لدى السلطات الإسبانية التي أرادت أن تعقد صلحاً بينه وبين سيلفيستري ( silvestre) عندما هيأت لهما ندوة صحافية في أصيلة، حيث ألقى فيها الريسوني عباراته الشهيرة واستعملها لاحقا مانويل أورتيغا ( Manuel Ortega) في السيرة الذاتية للبطل الشريف الجبلي: «أنت الريح العاصف، وأنا البحر الهادئ. حينما تصل تعصف وتجرح، وأنا أزمجر وأهيج وأنفجر كرغاء موج، لديك العاصفة، إلا أنه يوجد فرق بيننا، أنا مثل البحر لا أحيد أبدا عن موطني، أنت كالريح لا مكان لك لتستقر فيه». كان الريسوني بالاضافة إلى ملكته السياسة، يتمتع بملكة شعرية عبر عنها بإيحاءات وتشبيهات تدل على أنه لا يمكنه أن يتفق أبداً مع سيلفيستري (Silvestre)، وبالتالي لا يمكن تلافي الصدام معه. كان الريسوني يسعى أن يكون خليفة السلطان في المنطقة، إلا أن جبروته ضد القبائل، ونهبه لها وقرصنته لم يكن إلا ليعقد عملية تنصيبه، وهذا ما جعله غير مرغوب فيه. كان يرى في العلويين مجرد وصوليين، بينما هو ينحدر من سلالة الأدارسة الشرفاء، وبالتالي من سلالة النبي، إلا أن السلطات الإسبانية مع ذلك عينت مولاي المهدي خليفة في المنطقة، لكونه من أسباط السلطان مولاي محمد الذي حكم المغرب سنة 1860 خلال حرب تطوان، كان شخصاً مسالماً وتسهل السيطرة عليه. أحس الريسوني بخيبة أمل حينما لم يتم تنصيبه خليفة بالمنطقة، مما جعله يتجه إلى تزنات ليؤرق مضجع الإسبان الذين لم ينعموا لمدة سنوات بالأمان في المنطقة بسبب ثوراته ضدهم وانقلاباته. كانت الحالة في الجهة الشرقية على عكس المنطقة الغربية أقل خطورة بعد موت الشريف أمزيان في مايو من سنة 1912، مما ضعف من حجم المقاومة الريفية، ومكن الإسبان من الاتصال بوجهاء القبائل لإدخالهم تحت سيطرتهم، ومحاولة التوغل في أماكن أخرى بطريقة سلمية، دون ضرورة استعمال السلاح. تقدمت في سنتي 1913 1914 الفيالق نحو أحد روافد كرط وتوغلت في اتجاه تستوتين وتراب قبيلة بني بويحيي، حيث وصلوا إلى حدود منطقة كرواو، بينما واجهتهم مقاومة عندما قرروا التوغل في اتجاه تافرسيت الموجودة في الريف الأوسط، وذلك لوجود حركة الحاج عمر الكلوشي (أو المطالسي) الذي قاوم القوات الإسبانية من مركزه بجبل ماورو الذي أصبح مقراً له. قللت إسبانيا من عملياتها العسكرية في المنطقة بطلب من فرنسا خلال سنوات الحرب العالمية الأولى. ونشير هنا إلى أن العمليات القليلة والهادفة التي حدثت، هي عملية عبور نهر كرط في 16 مايو من سنة 1915. وفي سنة 1916 حطت السلطات الإسبانية رحالها على الضفة اليسرى لنهر كرط، وقامت بعمليات توغل في الجنوب الشرقي في اتجاه ملوية، الأمر الذي أدى إلى مواجهات بين أفخاذ القبائل المناهضة للتدخل العسكري الإسباني في المنطقة المؤدية له.