قتل صحافي أثناء القيام بعمله هو دليل على العجز وعلى عدم تقدير الأمور بشكل صحيح. اغتيال شيرين أبو عاقلة، وبتلك الطريقة الغادرة، يوضح، إذا تأكد ضلوع اليد الإسرائيلية، أن تل أبيب غير واعية إلى حد الآن بخطورة ما تقوم به بسبب عبثيته. التحولات التي شهدتها المنطقة خلال العقود الأخيرة، والتي تصب كلها في صالح الدولة العبرية، يتم نسفها بتصرفات طائشة تقضي على إمكانية الوصول إلى حلول سلمية في صراع دام طويلا. فخلال السنوات الأخيرة، بدا واضحا التشتت الفلسطيني والعربي الذي يصب في صالح إسرائيل التي أصبحت تصول وتجول كما يحلو لها في سياق إقليمي تنخره الاضطرابات التي تضرب المنطقة بأسرها. فمن العراق إلى سوريا فاليمن، مرورا بلبنان، وصولا إلى ليبيا، نحن أمام دول متفككة أنهكتها الصراعات الداخلية. ثم هناك الخطر الإيراني وتهديده لأمن دول الخليج، مما حدا ببعضها إلى البحث عن تحالفات تبدو للوهلة الأولى غير طبيعية، وربما غير مفهومة لجزء كبير من الرأي العام العربي. كل هذه التحولات الجذرية خلال العقود الأخيرة تبدو كما لو كانت غير واضحة بالنسبة لجزء كبير من الطبقة السياسية بإسرائيل، التي مازالت تمارس منطق القوة والعنف في حق مواطنين عزل يحاولون الدفاع عما تبقى من أراضيهم وكرامتهم. في إسرائيل كانت هناك دائما أصوات من أقصى اليمين تعتقد أن العرب لا يفهمون سوى لغة القوة ولا يحترمون سوى من يهينهم. هذه العقلية تبدو كما لو كانت هي المهيمنة لدى السلطات الإسرائيلية منذ وصول نتنياهو إلى الحكم إلى يومنا هذا. ما حصل مع صحافية الجزيرة هو مجرد حلقة من حلقات الاضطهاد الممارس في حق الفلسطينيين ككل، الذي يجب التنديد به بكل قوة، وذلك أضعف الإيمان. هذا التنديد لا يمكنه صدنا في الوقت نفسه عن شجب تصرفات بعض القادة السياسيين الفلسطينيين الذين لم يستوعبوا إلى حد الآن أن موازين القوة كلَّها في صالح من ينعتونه ب"العدو الصهيوني"، الذي يريدون دحره بشعارات جوفاء عوض بناء تصور عملي يأخذ بعين الاعتبار كل التحولات العميقة التي شهدها العالم خلال السنوات الأخيرة. إن الطريق الذي تم اتباعه إلى حد اليوم من طرف الزعماء الفلسطينيين قد أبان عن عدم جدواه، بل لقد اتضح اليوم أن كل ما يقومون به، سواء بحسن نية أو بسوئها، يصب في النهاية في صالح تل أبيب. المقاومة المبنية على إيديولوجية حالمة باندثار إسرائيل استجابة لوعود إلهية ليست سوى عملية انتحار جماعي يدفع ثمنه غاليا أبرياء فلسطين. في الوقت نفسه، لقد آن لإسرائيل أن تتحرر من عقدة الاضطهاد التي تسكنها منذ مذابح النازية المشينة، وتتعامل مع جيرانها الفلسطينيين والعرب بالاحترام الكافي الذي سيكون ضمانها الوحيد للعيش بأمان في محيطها الإقليمي. الدول العربية التي تحلت بالشجاعة الكافية وأرست علاقات طبيعية مع تل أبيب هي دليل على أن العرب في النهاية مستعدون لطي صفحة الماضي والبحث عن حلول تكفل التعايش مع دولة إسرائيل. هذه الحلول تحتاج بداية إلى توقف السلطات الإسرائيلية عن اضطهاد الفلسطينيين، خاصة العزل منهم، كما تستوجب وعيا من طرف صاحب القرار بتل أبيب بأن هذه التصرفات الخرقاء تشكل إحراجا كبيرا لمن يدافع عن حلول عملية في اتجاه الاعتراف بالدولة العبرية. الوعي بالهزيمة، وهو منعدم لدى بعض القادة الفلسطينيين، قد يكون بداية أسلوب جديد في النضال. في المقابل، فإن الوعي بالنصر، وهو ما ينقص بعض القادة الإسرائيليين، قد يدفعهم إلى فهم أن هذا الصراع قد يجد منفذا لإنهائه حينما ستبدأ سلطات تل أبيب باحترام إنسانية من تعتبرهم أعداء لها.