عبرت المملكة المغربية في بلاغ رسمي صادر عن وزارة الخارجية المغربية، عن استنكارها "الشديد" للتفجير الذي اغتيل على إثره الوزير اللبناني الأسبق محمد شطح وسط العاصمة بيروت" وهو الحادث الذي خلف عددا من الضحايا والمصابين من اللبنانيين " خمسة قتلى وسبعون جريحا" حسب ما نشرته الصحف والوكالات الدولية للأنباء. ووصف نفس البلاغ، الحادث ب"العمل الإرهابي المقيت الذي يستهدف زعزعة استقرار وأمن لبنان وجره إلى أتون الفتنة والفوضى" كما عبر "عن تعاطف (المملكة) وتضامنها الكاملين مع الجمهورية اللبنانية ضد كل التهديدات الأمنية والإرهابية"، وجدد موقف المملكة "الرافض للعنف والإرهاب بمختلف أشكاله" التفجير الدي استهدف موكب الوزير اللبناني الأسبق محمد شطح، المعروف بقربه من زعيم تيار المستقبل، سعد الدين الحريري، ومن فريق 14 آدار، عمل إرهابي مدان، وموقف التنديد به، أيا كانت الجهة التي تقف ورائه، موقف دبلوماسي رزين وشجاع، لا يمكن إلا تثمينه والإشادة به، بالنظر إلى خطورة الأفعال الإرهابية على استقرار لبنان، وعلى أمنه وسلمه الأهلي. لكن، هذا الموقف يستوقفنا للتساؤل عن ما الدي منع المملكة المغربية في وقت سابق، من إدانة التفجيرات التي استهدفت محيط السفارة الإيرانية في ضاحية لبنانالجنوبية، قبل أيام فقط، وهي التفجيرات التي أودت بحياة أكثر من 23 شخصا، من ضمنهم المستشار الثقافي للسفارة الإيرانية ابراهيم الأنصاري، وإصابة العشرات من المواطنين اللبنانيين، الدين كانوا متواجدين لحظتها بمكان التفجير بجروح متفاوتة الخطورة؟ ما هو التفسير الدي يمكن إعطائه لهذه الإزدواجية في التعامل الدبلوماسي مع الأعمال الإرهابية، التي تودي بحياة الأبرياء، بغض النظر، عن جنسية أو دين أو انتماء الضحايا الطائفي؟ ما وقع في لبنان، سواء تعلق الأمر، بتفجير محيط السفارة الإيرانية في ضاحية لبنانالجنوبية، أو باستهداف موكب وزير المالية اللبناني الأسبق، محمد شطح، أعمال ارهابية مدانة، ولا ينبغي التعامل معها بانتقائية، للاعتبار الإنساني، الدي يرتبط بحق الإنسان في الحياة وفي السلامة البدنية، بصرف النظر عن الاعتبارات الدبلوماسية، لا سيما، وأن التفجير الدي استهدف محيط البعثة الدبلوماسية الإيرانية، وأودى بحياة ملحقها الثقافي وعشرات اللبنانيين، عمل ارهابي قوبل برفض عواصم غربية وعربية ومغاربية " باريس، واشنطن، موسكو، مدريد، لندن، برلين، الرياض، القاهرة، عمان، تونس، قطر..."؟ عندما شنت اسرائيل حربا عدوانية في سنة 2006، وفي عز الانقسام اللبناني الداخلي، بين فريق 8 آدار الذي ترتبط مكوناته السياسية بمحور ما يسمى بدول الممانعة، وفريق 14 آدار، الدي ترتبط مكوناته السياسية بدول غربية وأخرى اقليمية على رأسها المملكة العربية السعودية، سارعت المملكة المغربية إلى إدانة العدوان، وأجرى العاهل المغربي محمد السادس بوصفه رئيسا للدولة، اتصالا هاتفيا مع رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق " فؤاد السنيورة" عبر فيه بكل وضوح، عن تضامن المملكة المغربية ملكا وشعبا وحكومة مع الشعب اللبناني الشقيق، وعن استنكارها الشديد للعدوان ولما نتج عنه من تدمير لبنيات لبنان التحتية ومن ازهاق لأرواح الأبرياء، دون أي تمييز يذكر، بين السني أو الشيعي أو الدرزي أو الماروني. كما بعث المغرب، مساعدات انسانية عاجلة " أدوية ومواد غذائية" وقام في خطوة إنسانية نبيلة، بترحيل عدد من اللبنانيين إلى المغرب رفقة أشقائهم المغاربة، وآخرين منحدرين من دول افريقية جنوب الصحراء. مبادرة الملك محمد السادس التضامنية، لقيت ترحيبا دبلوماسيا واستحسانا شعبيا واعلاميا، حيث نشرت مجلة لبنانية مقالا عنونته ب " لبنان في قلب العاهل المغربي محمد السادس" توقف فيه عند مبادرة عاهل البلاد، لأن الوازع فيها، بقدر ما كان دبلوماسيا ، كان انسانيا بدرجة أكبر، وروعي فيه، روابط الأخوة ومثانة العلاقات التاريخية التي تجمع بين المغرب ولبنان شعبا وحكومة. لهذا، مهما كانت الاعتبارات الدبلوماسية أو السياسية في العلاقة بين الدول، هناك أمور وقضايا لا يمكن اخضاعها لقاعدة المعاملة بالمثل، لا سيما، عندما يكون الأمر له علاقة بأعمال إرهابية تدميرية ومرعبة، وهنا لابد من الإشارة إلى الموقف الغربي والأوروبي والسعودي تحديدا من تفجيرات الضاحية الجنوبيةلبيروت. فعلى الرغم من علاقة العداء البين، بين طهران وعدد من الدول الخليجية، سارعت كل من الكويتوقطروالرياض ، إلى إدانة التفجير الدي استهدف أمن لبنان واستقراره، مع العلم أن تصريحات الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، المعروف بولائه لإيران، ألمحت إلى الدور السعودي وراء تفجير محيط السفارة الإيرانية في ضاحية بيروتالجنوبية. قطع العلاقات الدبلوماسية بين دولتين، كما هو حاصل مند مدة بين الرباطوطهران، أمر لا يستدعي من وجهة نظري المتواضعة، قطع شعرة معاوية، لأنه في منطق العلاقات الدولية، ليست هناك صداقة دائمة كما ليس هناك عداوة دائمة أيضا. عندما يدين المغرب تفجير وسط بيروت، وهذا موقف حكيم، ويصمت عن تفجيرات الضاحية الجنوبية، وهدا موقف يحتاج إلى توضيح، نكون صراحة أمام موقفين متناقضين يحتمان علينا التساؤل عن خلفية منطق الكيل بمكيالين في تعاطي الدبلوماسية المغربية مع الشأن اللبناني؟ التفجير الأول الذي هز الضاحية الجنوبية استهدف محيط السفارة الإيرانية، وأودى بحياة مواطنين لبنانيين ودبلوماسي إيراني، وهو ما يجعلنا أمام ضحيتان لهدا الفعل الإرهابي الجبان. 1 الضحية الأولى هي الدولة اللبنانية، على اعتبار أن عدد كبير من القتلى، الذين سقطوا في تفجير الضاحية الجنوبية، يحملون جنسية الدولة اللبنانية. كما أن الرقعة الجغرافية التي تم استهدافها تدخل في اطار إقليم هده الدولة 2 الضحية الثانية، هي دولة إيران، حيث أن التفجير تسبب في إحداث أضرار كبيرة، في مقر بعثتها الدبلوماسية التي تخضع لسيادتها بحكم أن مقر البعثة الدبلوماسية، يشكل امتداد لإقليم الدولة كما تشير إلى ذلك مقتضيات اتفاقية فيينا للعمل الدبلوماسي لسنة 1961 من جهة، ولأن المستشار الثقافي الدي توفي بسبب التفجير الإرهابي، يحمل جنسيتها ويعد فردا من طاقمها الدبلوماسي المعتمد في بلاد الأرز من جهة ثانية. من هذا المنطلق، إذا حاولنا تفسير الصمت المغربي تجاه تفجيرات الضاحية الجنوبية، بطبيعة التوتر الدبلوماسي الحاصل في علاقة الرباطبطهران. فما الذي يمنع وزارة الخارجية المغربية من إدانته في التعامل مع الدولة اللبنانية مادام أن العدد الأكبر من الضحايا يحملون الجنسية اللبنانية؟