ارتفعت أسعار المحروقات في المغرب منذ شهر فبراير المنصرم بشكل كبير، وبات سعر الغازوال متجاوزا سعر البنزين في محطات توزيع الوقود؛ وهي سابقة لم يشهدها المغاربة من قبل. ويرتبط ارتفاع أسعار المحروقات في المغرب بالسوق الدولية بشكل مباشر، على اعتبار أن المملكة مستوردة للمواد البترولية المكررة بشكل كامل من الخارج، وبالتالي أي تطور ينعكس بالضرورة على الأسعار محليا. ويفسر عدد من الخبراء الاقتصاديين الزيادات المتتالية في أسعار المحروقات بالتعافي من الأزمة الصحية المتعلقة بوباء كورونا، والتطورات الجارية على الساحة الدولية؛ على رأسها الحرب الروسية الأوكرانية التي تسببت في ارتفاع الطلب على النفط ببورصة روتردام بهولندا. وتعتبر "بورصة أمستردام" أقدم بورصة في العالم، ويعد ميناء مدينة روتردام الأكثر أهمية في أوروبا، وهو أهم المحاور العالمية لشحن البضائع، لموقعه المتميز على بحر الشمال، الخط البحري الأكثر نشاطا في العالم، وخاصة في نقل النفط والكيماويات والحاويات والحديد الخام والفحم والمعادن. وكرد على التحركات الروسية بأوكرانيا، قررت مجموعة من الدول الغربية فرض عقوبات على نظام بوتين؛ وعلى رأسها مقاطعة المنتجات النفطية القادمة من روسيا، وهو ما جعل عددا كبيرا من الشركات تتجنب اقتناء النفط الروسي، ليتقلص بذلك العرض المتوفر من الذهب الأسود في سوق روتردام. وتعد سوق روتردام المزود الأساسي الذي يسد المغرب عن طريقه احتياجاته من النفط، وبالتالي أصبحت المملكة تخضع كبقية دول العالم لمنافسة شديدة في الوصول إلى كميات نفطية يمكن تأمينها لضمان الإمدادات الطاقية في ظل هذه الوضعية الحرجة. ولا يستبعد أن تواجه دول عديدة، ومن ضمنها المغرب، تحديات مستقبلية على مستوى تأمين مخزونها الإستراتيجي من النفط إذا استمرت الأزمة الروسية الأوكرانية مع ما يرافقها من فرض للعقوبات الدولية وتقلص حجم العرض الدولي من المنتجات النفطية مقابل الارتفاع الشديد للطلب عليها عالميا، بفعل مقاطعة النفط الروسي. أمام هذه الارتفاعات، لجأت الحكومة إلى تقديم دعم مالي قدره ملياريْ درهم لفائدة مهنيي النقل البري لتفادي تداعيات ارتفاع أسعار المحروقات على المواد الأساسية، على اعتبار أن كلفة النقل تمثل نسبة مهمة في الأسعار النهائية. وتعالت عدد من المطالب أمام هذه الارتفاعات الكبيرة في أسعار المحروقات بالعودة إلى دعم أسعار المحروقات عبر صندوق المقاصة، كما كانت عليه قبل سنة 2015؛ لكنه خيار تستبعد الحكومة بمبرر أن هذه الطريقة يتم بموجبها توجيه الدعم إلى الكل وليس إلى الفئات المستحقة كما يفترض. وكان دعم المواد النفطية يكلف ميزانية الدولة قبل سنة 2015 حوالي 49 مليار درهم سنويا، ولا يزال صندوق المقاصة يدعم إلى اليوم أسعار مواد غاز البوتان والسكر والدقيق المدعم وتقدر الحكومة تكلفتها خلال السنة الجارية بحوالي 17 مليار درهم.