الحمام التاريخي: على غرار الحمام اللغوي،باعتباره وضعية مثالية لتعلم اللغة-أي لغة- خصوصا بالنسبة للأجنبي عنها؛يبدو الحمام التاريخي ضروريا ،للقادة و للشعوب، لتأطير حاضرها وتوجيهه؛خصوصا حينما تضطرب البوصلة- بزخم الأحداث- وتفقد ذاكرتها ،مما يجعل الأنظمة – كالمنايا- تخبط خبط عشواء. في الحالة الجزائرية، وهي حالة دولتية ودولية مستعصية –فهما وحلا- قبل أن تكون حالة دولة شقيقة وجارة؛ يبدو الحمام التاريخي ليس ترفا فقط ،ولا حتى توجيهيا فقط،بل أوكسجينا لاستمرار الحياة في جسد الدولة، حتى يمكن لجيل الشباب- والشباب فقط- تشخيص كل أمراضها والأخذ بالعلاج الفعال؛وهو يكمن ،بحكم قوة الشيء المقضي به حضاريا ،في التصالح مع التاريخ، وتمثل المنطق الداخلي الدينامي الذي يحكمه. لا يوجد الشعب الجزائري اليوم رغم البترول والغاز، في وضعية اقتصادية أفضل مما كان عليه الأمر تحت الاستعمار الفرنسي. يأخذ هذا الحكم في الاعتبار حجم الثروة الوطنية الحالية ،و درجة الرفاه التي يفترض أن تتحقق للمواطن. يبدو الخلل هنا واضحا ؛وهو دولتي ، تاريخي واقتصادي. على مستوى الحريات الفردية والجماعية ؛وهي شبه منعدمة في الجزائر ،بدليل عشرية الدم ؛وبدليل "الهردة" الخامسة التي ينشط لها مشايعو الرئيس بوتفليقة ؛في الوقت الذي يفكر فيه هو –بحكم مرض الموت- في المشيعين. اللهم لا تشف في بوتفليقة الإنسان،فالشريك في اغتيال التاريخ هو بوتفليقة الرئيس. على مستوى هذه الحريات – وحتى الحقوق-خسر الشعب الجزائري الكثير مما تمتع به تحت سلطة الحكام العامين الفرنسيين ؛وكل من يستفتي الأرشيفين الوطني والاستعماري يقف على تراجعات كثيرة.وكمثال فقط حرية التنقل،والحدود الغربية والشرقية التي لم تغلق قط ،حتى والجيش الفرنسي يواجه القلاقل القبلية. أين منطق التاريخ في كل هذا ؟ وكيف تنشأ عصبية قوية لجبهة التحرير - بكل ما يعنيه التحرير من معنى -وتتقوى بكل الأواصر الدينية ، النضالية واللغوية التي تجمعها بالدول المغاربية والعربية لتنتهي بدولة عسكرية ذات امتداد في الجغرافية فقط لأن التاريخ "ذهب مع الريح "؛كما عنوان الرواية الأمريكية ل"مارغريت ميتشل"،التي خلدت حرب الشمال والجنوب الأمريكيين ،كمأساة فضيعة يجب ألا تتكرر ؛لأنها – بدورها- تعاكس منطق التاريخ الأمريكي و إن فتيا. لعل كل عاقل –بعيدا عن التهافت والسفه الذي لا يرشح إلا بما في الإناء- حينما يستحضر حجم التحول السريع الذي يعرفه العالم، في اتجاه التمثل التدريجي لنفس القيم، لتحقيق نمو معرفي و اقتصادي عولمي يقطع مع التصادم، ويبدأ تاريخا بشريا جديدا بدل إنهائه؛ يقف على حجم الهوة التي تفصل الدول المغاربية عن بعضها البعض ،وعن بقية التكتلات الاقتصادية والسياسية العالمية، التي لم تعد تنظر الى الدولة المنغلقة والمنعزلة –عن جوارها وعن العالم- إلا كما كان الأنثروبولوجيون المؤسسون ينظرون إلى قبائل الأدغال والجزر الهاربة في المحيطات :تجمعات بشرية خارج منطق التاريخ ، وجغرافية الحضارة . لعل الحكم العسكري الجزائري الحالي- المحاصر لدينامية التاريخ وما تولده من حرية- يقود شعب الثورة والتحرر إلى هذه الجزر ،حيث تنتصب مختبرات هؤلاء العلماء ، ليقفوا على آليات الهدم الحضاري التاريخي وهي تشتغل بمسميات لا تبتعد كثيرا عن طلاسم وسحر الشعوب المتوحشة: جبهة تحرير لميلاد دولة الاستبداد في خريطة الجزائر. دولة العسكر لميلاد ديمقراطية الصحراء في خريطة المغرب. إفقار الشعب الجزائري الغني ،لخلق إقطاعيات عسكرية و صحراوية غنية ،من أجل إفقار الشعب المغربي. تجهيل الشباب الجزائري ليقبل بجهل جنرالاته .مصادرة كل الأحذية الخفيفة من أسواق السياسة حتى لا تمشي غير الأحذية الثقيلة. هل فهمتم شيئا ؟ هل يحتكم هذا المنطق الى بوصلة ما ؟ هل يتمثل تاريخا ما؟ هل يحتاج الربيع الجزائري – القادم ،القادم لا محالة- الى أكثر من هذا الارقال و التبغيل السياسيين ليطل بأولى أزهاره؟ لا أنتظر من هذا الربيع شيئا أهم وأنجع من تصحيح التاريخ المشترك بين الشعبين ؛وما تبقى مجرد تفاصيل غير مستعصية على اجتهاد العقلاء وسلام الشجعان. تلمسان غادة التاريخ: لازالت الذهنية المغربية،والى اليوم،حينما تفكر في الجزائر، موطنا آخر ؛كما كان دائما عبر التاريخ- ولن تقدر على تدميره كل مصفحات العسكر،لأن التاريخ قد ينسى ولكنه لا يمحى- تعاود الانطلاق من تلمسان وتعود إليها ؛واحة فيحاء حيث تستحم الروح المغاربية . أما ساكنة تلمسان - ويحضرني هنا مثال ذلك التاجر التلمساني الذي ما أن رآى في يد زبونه المغربي ورقة مالية مغربية ،حتى أخذها منه متلهفا، وقبلها ثم وضعها في جيبه المخصص لحمل نبضات قلبه- فهي لم تنس لا ماضيها الأندلسي ولا جيرانها الاشبيليين الذين ظلوا يرددون في فاس وفي غيرها: "تكشبيلة،توليولا،ما قتلوني ما حياوني،غير الكاس اللي عطاوني،آلعروبي ما يموتشي ،جات اخبارو فلكوتشي.." : تلك اشبيلية ،وسنعود اليها.....(حسن أوريد:المورسكي). تلمسان هذه ؛وحينما واجهت ساكنتها سنة1830 وضع انهيار الحكم العثماني ،وتمدد الآلة الاستعمارية الفرنسية صوب الفراغات التي تسبب فيها حكم الباي الزائل ،لم يظهر لها من مغيث غير جوارها المغربي ،وتاج السلطان مولاي عبد الرحمن. سأنسحب الآن –احتراما لحضور النص التاريخي- وأترك الكاتب ج. رومانييG.ROMAGNY يتحدث عن مرحلة صعبة في تعالق الجوار المغربي الجزائري؛حيث سيتصادم عالمان إسلامي متهالك –لكنه بإغاثة ونجدة- ومسيحي بكل عنفوان الكولونيالية الأوروبية القادمة من القارة العجوز،الباحثة –تحت مسمى التمدين- عن الأسواق والرفاه. يقول: " مع الصعوبات الكثيرة التي واجهتنا في الجزائر غداة الغزو ،أنضاف تدخل السلطات الشريفية في كل شؤوننا. بالفعل كانت تربطنا بالمخزن العديد من معاهدات الصداقة التي تعود الى قرون خلت ،وتم تجديدها ،رسميا، من طرف لويس الثامن عشر، و شارل العاشر في 1821 و1825.لكن هذه المعاهدات إذا كانت قد منعت السلطان مولاي عبد الرحمن ،الجالس على عرش الشرفاء،من المساندة العلانية للأتراك أثناء احتلال مدينة الجزائر، فانهالم تمنع المسلمين الجزائريين ،الذين لم يكونوا ،بأي حال من الأحوال،على علم بالعلاقات الدبلوماسية لبلاط فاس من الرغبة في حمل السلطان على القيام ،لصالحهم،بعمل سيادي acte de suzerain من خلال إغاثتهم في مواجهتهم مع المسيحيين المنتصرين ،للإلقاء بهم إلى البحر. لم يكن بوسع مولاي عبد الرحمن ،بصفته خليفة للمسلمين ،ووارث النبي successeur du Prophèteرفض هذا التشريف المحفوف بالمخاطر..... في هذه الظروف سعى المخزن ،بكل ازدراء للعهود المقدمة؛وهذا أمر عادي لدى المسلمين ،حينما تكون المواجهة مع المسيحيين، للاستفادة من الفوضى المهيمنة على كل المرافق العامة الخاضعة لتدبير الجزائر العاصمة؛ لحمل الجميع على الاعتراف بالسلطة الشريفية. إن الساكنة العربية لمملكة تلمسان القديمة والتي تحملت ،على مضض ،حكم الأتراك كانت سباقة الى الارتماء في أحضان المخزن لتجنب الهيمنة الفرنسية. وقد اقتدت بها مسكارةMaskara ، مليانة ولَمْديَّة. تبعا لهذا بعث مولاي عبد الرحمن بمندوبين استقروا في كل هذه المدن؛وقد تم الاعتراف بسلطته دون عناء. ربما كان هذا التموقع المهم سيمر دون إثارة الانتباه، لولا طيش مولاي علي ابن أخ السلطان وممثله في تلمسان. لقد فكر،استجابة للنداءات التي كانت ترد عليه من وهران في الاستحواذ على هذه المدينة ؛وفعلا توجه إليها على رأس بعض المئات من الفرسان ،كإجراء استعراضي أمام أسوارها. باءت المحاولة بالفشل البئيس ،إن صح التعبير،دون تدخل من حاميتنا العسكرية.يعود الفضل في هذا إلى الأغا مصطفى بن إسماعيل ،وهو من قيادات المخزن البائد بوهران. برز الآغا الشيخ في شبابه ،خلال الحروب التي كان يشنها الأتراك ضد قبائل جهة تلمسان ،وهران و مسكرة،التي كانت في حالة ثورة مستمرة. إن قوة الأتراك ،وقد كانت مهتزة في سائر البلاد ،كانت أشد ظهورا في هذه المناطق حيث الذكرى الحية للممالك البربرية المستقلة ،التواقة دوما لحلم الانفصال." وبعد أن يسجل الكاتب "رومانيي" انسحاب السلطان مولاي عبد الرحمن ،بفعل الضغط الفرنسي،من جميع المدن والمواقع التي بسط بها نفوذه ،عقب هزيمة الأتراك ،يواصل: " لقد تخلى في نفس الوقت عن جميع مطالبه بخصوص مملكة تلمسان القديمة ،التي لم يكف أسلافه وهو عن إثارتها في وجه الأتراك. بهذا التخلي وجدت فرنسا نفسها،ضمنيا، مُثَبَّتة في ما حازته. ان اتفاقية الجزائر التي جعلت منا ،في بلاد البربر،الورثة الشرعيين ،بحكم قانون الغزو ،للقادة الأتراك- الغزاة بدورهم - جعلتنا نتسلم من الإمام الأكبر لاسلاموية islamisme شمال إفريقيا نوعا من التكريس consécration لم يتمكن الأتراك أنفسهم من الحصول عليه أبدا. عن كتابه: LE ROLE DE LA France AU MAROC ORAN 1908 ramdane3.ahlablog.com