لقد ظل التشريع اشكالية من حيث تنظيمه و مصادره و ضبط العلاقة بين المتدخلين فيه.وقبل تناول اشكالاته التدبيرية ،لابد من الاشارة الى كون تعقيد المسطرة التشريعية و بطئها ليس اشكالية مغربية حصرية ،و انما هي اشكالية قائمة في عدة دول و انظمة سياسية رغم اختلافها، ذلك ان العملية التشريعية ظلت اشكالية تستدعي تساؤلات مقلقة تدعو الى غير قليل من التأمل الهادئ: - هل يجب ان يكون تعديل نص تشريعي قائم او انشاء نص جديد عملية تدبيرية سهلة و سلسة؟و اذا اجبنا بالإيجاب،في يد من سنضع سلطة القرار التشريعي الفعلية؟ - هل يترك التشريع كمدخل لتغيير المجتمعات في يد النخب السياسية المتداولة على السلطة ام نرهنه بتدخل جهات لا تخضع بالضرورة لتقلبات العملية السياسية و اكراهاتها؟ - اذا كان البرلمان بوصفه السلطة التشريعية هو مصدر التشريع،هل نترك سلطة الفعل التشريعي في يد الأغلبيات توجه خارطة القوانين بقوتها العددية بناء على منطق التصويت؟في مقابل ذلك،ألا يجب تمكين من هو في موقع التدبير من امكانية التشريع لتنفيذ برنامجه المتعاقد عليه مع من منحوه مشروعية تمثيلهم ديمقراطيا؟ذ - كيف تنجح مشاريع التغيير في اطار العملية الديمقراطية، اذا كانت كوابح التشريع القوية توجد خارج دائرة القرار السياسي المعلن؟ قد تبدو الكثير من هذه التساؤلات منكرة و مستفزة باعتبار ان الدستور قد حسم هذا النقاش ،غير اننا يجب ان نعترف ان جزء من هذه الاسئلة لا زال يعتمل، فينتج في كل مرة توترات عجزت الوثيقة الدستورية المكتوبة عن تبديدها،مما يدعونا الى معاودة التفكير جماعيا بصوت مرتفع في حيثيات العملية التشريعية برمتها.المناسبة القائمة هي سياق صياغة القوانين التنظيمية المكملة للوثيقة الدستورية اضافة الى القوانين الاخرى الهامة و المفصلية. لقد اتضح جليا ان تعقيد المسار التشريعي خلف ارتباكات على مستوى اجندات الاصلاح،فرغم القول الرائج بكون الاصلاح لا يتحقق بالضرورة عبر تشريع القوانين غير ان الثابت ان النص القانوني سلاح ضروري في معارك التغيير.و لا ادل على ذلك من نضالات الشعوب المريرة لانتزاع دساتير ديمقراطية و عادلة. لقد عدل المغرب دستوره في اتجاه مراكمة المزيد من المكاسب الديمقراطية و الحقوقية بطريقته الخاصة،غير ان استكمال الترسانة التشريعية المرتبطة بهذا الدستور،لازالت في حاجة الى نقاش عميق،فضلا عن المجهود المنتظر بذله لملاءمة المنظومة القانونية مع مقتضيات الدستور الجديد،علما ان بعض القوانين التي تحكمنا،تعود الى الحقبة الاستعمارية بحمولاتها الرمزية على مستوى الصياغة و المضمون. نحن في حاجة اليوم الى نقاش وطني هادئ يغنيه الفقهاء و المختصون و تشارك فيه مختلف السلط و المؤسسات و الفاعلين،هذا النقاش تفرضه اعتبارات متعددة: • وجود دستور جديد لا يمكن تحرير روحه و عمقه الديمقراطيين إلا من خلال قوانين تنظيمية و قوانين تصاغ بنفس ديمقراطي و رهانات اصلاحية. • تمكين البرلمان حصريا من اختصاص التشريع في ظل الامكانات المتواضعة التي يمتلكها للاضطلاع بهذا الدور كاملا. • ظهور دينامية برلمانية جديدة تحاول التغلب على الاكراهات القائمة لإنتاج نصوص تشريعية جديدة مما يطرح اشكال الجودة التشريعية و اشكال تدبير العلاقة مع مبادرة الحكومة التشريعية في ظل وجود مخطط تشريعي حكومي لأول مرة في المغرب،علما ان الحكومة حاولت معالجة هذه الاشكالات باقراها في مشروع القانون المنظم لسير اشغالها بعقد اجتماعات خاصة لتدارس مقترحات القوانين قيد المصادقة لتحديد موقفها منها،تفاديا للاحتكاكات التي يمكن ان يخلفها الامر بين السلطتين،اضافة الى الاجراءات التي حرص مجلس النواب على تضمينها بهذا الخصوص في نظامه الداخلي الجديد. • سؤال جودة القوانين المنتجة و ضرورة دراسة الجدوى منها و الاثر المتوقع احداثه من تطبيقها،و هو المطلب القديم الذي ظل يراوح مكانه في المغرب، الى ان اقر مشروع القانون التنظيمي لتنظيم سير اشغال الحكومة بضرورة استباق مشاريع القوانين بهذا النوع من الدراسات،مع استثناءات خص رئيس الحكومة بتحديدها وفق السياق و الظروف المحيطة. • وجود اجتهادات قضائية في مجال القانون تعكس الاختلالات المرصودة في المجال الحيوي لتطبيقه دون ان تؤخذ بعين الاعتبار لحظة انتاج الفعل التشريعي. • وجود معطى جديد و هام لابد من اخذه بعين الاعتبار و فتح نقاش وطني عميق بشأنه، و هو فتح المجال امام الاطراف المعنية للدفع بعدم دستورية القوانين طبقا لاحكام الفصل 133 و هو اجراء دستوري متقدم بالنسبة لواقع المنظومة القانونية المغربية التي تحتاج الى تصفية عملية على ضوء الدستور الجديد، قبل تفعيل المقتضى الجديد الذي يستلزم اجراء دراسات مقارنة و استقراء موضوعي و عميق للتجارب الدولية المتباينة في هذا السياق.فما بين التجربة الاسبانية و مثيلتها الالمانية،و بين التجربة الفرنسية الناشئة في هذا المجال رغم عراقة مسارها الديمقراطي،تبقى الاختلافات و التباينات كبيرة،مما يستدعي التريث و تعميق التشاور و التشارك لإيجاد نموذج مغربي ملائم يغني القانون التنظيمي المنتظر بهذا الخصوص. نائبة برلمانية