رجل سياسة عريق، رجل عاش تحت القبة البرلمانية الجذابة الأخاذة سارقة الألباب ردحا مديدا من الدهر، رجل عمّر طويلا بالحياة السياسية المغربية وتجدّر كما الصُبّار في أرض حزب يُحكى أنه كان كبيرا، رجل يُنتخب قائدا لحزب اشتراكي مع وقف التنفيذ يزعمون أنه العتيد التّليد المجيد السعيد، رجل يبزُّ كل مزاحميه على الكتابة الأولى، رجل بدأ يساريا اشتراكيا معارضا وثوريا وانتهى اليوم إصلاحيا يقبع في عباءة وزارة أنشأت في الأصل لإقامة العدل لكنها استحالت - في عز التدبير الحكومي لليساريين الاشتراكيين الديمقراطيين بين معقوفين – إلى مقصلة لإعدام كل صوت حُرٍّ سوّلت له النفس تجاوز الخطوط الحمراء الراسمة لحدود الكتابة والكلام، رجل جرَعَ من كأس المخزن حتى الثمالة فصار يُحسن لغته الخشبية بإتقان شديد. "" خرج عبد الواحد الراضي مزهوا بفوزه، خرج كاتبا أولا لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ولما سأله أحد الصحافيين حول التزامه بوعده ترك حقيبة وزارة العدل في حال فوزه بمنصب الكاتب الأول، هذا الوعد الذي قطعه على نفسه أمام كل الاتحاديين المؤتمرين بالمؤتمر الثامن، رد الراضي بنبرة حادة خالية من كل لباقة وكياسة ولياقة: "ماشي سوقكم في هذا الأمر..."، بمعنى أن الأمر لا يعنيكم يا معشر الصحافيين. ولعل ردة الفعل هذه تبين بجلاء مُبين مدى الغضب الذي تملكه جراء السؤال المستفز لصحافي عرف كيف يضع أصبعه على أحد مواطن داء رجل السياسة المغربي، والراضي لن يكون غير نموذج لهذا الرجل الذي يتقن فن المخادعة والدجل السياسيين، الرجل المؤمن بالنظرية الميكيافلية القائمة على فكرة انتفاء الوازع الأخلاقي داخل الفعل السياسي، حيث يكون مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة" هو محور اللعبة السياسية، والظاهر أن الكاتب الأول الجديد لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يتبنى المنهج الموضوعي المُجرد من الاهتمامات الأخلاقية الذي أسس له ميكيافلي في كتابه الأمير. فإذا كان الراضي يعتبر الصحافة بعيدة عن سوقه السياسي، فلا أظنه يجرأ على إنكار سوق المغاربة البسطاء في التعرف إلى هوية الزعيم السياسي الجديد للحزب الذي سيحتاجهم إبان انتخابات 2009 للتصويت لصالحه، فمن حق هؤلاء المغاربة أن يعرفوا ما إذا كان القائد الجديد يقيم وزنا ما للالتزام الأخلاقي أم لا، لأن عملية الانتخاب في الأصل تقام على مبدأ الالتزام الأخلاقي من الحزب لفائدة الناخب الذي يفترض أن يصوت لصالحه بحصول الثقة المرجوة، وإذا ما تبين لهذا الناخب انعدام هذا الالتزام اليوم لدى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية فكيف سيُطلب منه غدا أن يمنح له ثقته، لأن الثقة لا يمكن منحها لحزب لا يقيم اعتبارا للعهود والالتزامات. وقد كان الاتحادي عبد الصمد بلكبير صادقا حين اعتبر أن تراجع عبد الواحد الراضي عن الوفاء بالتزامه بالاستقالة من وزارة العدل بعد انتخابه كاتبا أولا للحزب يفسخ العقد أصلا، "لأن التعاقد، برأي بلكبير، حصل في المؤتمر، والإخلال بالشرط يخل بالمشروط، أي إنه إذا تأكد هذا التراجع سيكون واجبا عقد مؤتمر استثنائي، وإعادة انتخاب كاتب أول جديد للحزب، لأنه انتخابه آنذاك سيكون باطلا" (جريدة المساء – العدد:668 – الأربعاء 12 نونبر 2008(. فسُوقْ مَنْ يا سي الراضي؟، إذا كان شأن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لا يعنينا، فلماذا تطلون علينا كل مساء عبر نشرات الأخبار المتابعة لفعاليات مؤتمركم الثامن؟، لماذا تسخرون جريدة حزبكم لنشر تغطيات صحفية للمؤتمر؟، لماذا دعوتم الصحافة لحضور جلساتكم العامة ؟، إذا كان حزب الاتحاد لا يعنينا نحن المغاربة فمن الأجدر بكم أن تقيموا حول اتحادكم حصنا منيعا يصد كل محاولة للتلصص على شؤونكم الداخلية، بل من الأفضل لكم أن تعلنوا أنكم حزب فوق المساءلة الأخلاقية وفوق كل اعتبار للرأي العام المغربي وفوق كل تعاقد أخلاقي يلزمكم باحترام العهود والوفاء بها. إن هذا السلوك القبيح المتفشي داخل الوسط الحزبي المغربي يشكل إحدى العوامل المنتجة لظاهرة العزوف المتزايدة باستمرار، ولعل الأحزاب المغربية لم تعتبر بَعدُ من الدرس العميق الذي أشّرت عليه نسبة التصويت الهزيلة خلال انتخابات 2007 التشريعية. فلو كانت اعتبرت لسعت جاهدة، منذ دق المغاربة ناقوس الخطر المدوي، إلى استرجاع الثقة المفتقدة، ولاجتهدت بكل ما تملك من قوة وجُهد في إقناع الناخب المغربي بخطر العزوف ونتائجه الكارثية على البلاد والعباد. لكن يبدو أن أحزابنا لا تكترث لسوق المغاربة العاجَّة بالأسئلة السياسية والاجتماعية والاقتصادية المقلقة والمُولِّدة للخيبة والشعور بحالة اغتراب سياسي لا يمكن أن تفضي لغير الابتعاد عن المشاركة في لعبة سياسية لا تحترم شروطها وأدواتها الحقيقية وتسمح بتوظيف أخرى محرمة أخلاقيا. http://awraq-com.maktoobblog.com