خلّف قرارُ هيأة المحكمة الابتدائية بالرباط، عصر الجمعة، تأجيل البثّ في ملف موظفيْ وزارة المالية، عبد المجيد الويز ومحمد رضا، المتابعيْن في ملف ما يعرف ب"تسريب وثائق علاوات مزوار وبنسودة" إلى الصحافة، استياء شديدا لدى هيأة دفاع المتابعين. فما أنْ أعلن رئيس الجلسة عن تأجيل البث في الملف إلى يوم 7 مارس من السنة القادمة، حتّى انتفض النقيب عبد الرحمان بنعمرو، قائلا بلهجة غاضبة، مخاطبا الحضور داخل قاعة المحكمة "هذا دليل جديد على أنّ القضاء المغربي غير مستقلّ، وأنّ القضاء في خطر"، مضيفا "لن نحضرَ الجلسة القادمة، وسنصدر بلاغا في هذا الموضوع"، قبل أن ينسحب رفقة أعضاء هيأة الدفاع، والمتابعيْن في الملف، إلى فناء المحكمة، من أجل التشاور حول الردّ على قرار المحكمة. من ناحيته، اعتبر النقيب عبد الرحيم الجامعي في تصريح لهسبريس، أنّ قرار المحكمة تأجيل البث في الملف إلى يوم 7 مارس القادم، يعتبر تعسّفا، وينزل منزلةَ إنكار العدالة، على حدّ تعبيره، مضيفا أنّ القرار جاء لأسباب مجهولة، لكون ملف المتابعين استكمل جميع الإجراءات، بما في ذلك إجراءات المرافعة، منذ شهر ماي الماضي، "لذلك، نعتبر، نحن هيأة الدفاع، أنّ قرار التأجيل الذي نجهل أسبابه يشكّل مسّا بمصداقية القضاء"، واصفا القرار ب"العبث". ومضى النقيب الجامعي قائلا "السؤال الذي نطرحه اليوم، هو هل هناك ضغوط خارجيّة، وما هو مصدر هذه الضغوطات والتعليمات؟ ولصالح من تتمّ ممارسة الضغط من أجل تأجيل البثّ في الملف؟"، مستدركا "هذا ليس في صالح الشخصين المتابعيْن ولا في صالح هيأة الدفاع ولا في صالح العدالة". الجامعي، الذي كان يتحدّث بغضب واضح من قرار المحكمة قال، جوابا على سؤال حول ما إن كانت هيأة الدفاع ستمتنع عن حضور جلسة المحاكمة القادمة، كما لوّح بذلك النقيب بنعمرو، "نحن أعلنّا أن مهمّتنا انتهت، بعدما استكمل الملف جميع الإجراءات القانونية، وحضورنا الجلسة القادمة معناه أنّنا نساهم في تأخير البث في الملف، والمحامون لا يمكن أن يشاركوا في هذا التلاعب، لذلك فلن نحضر الجلسة، وإلا فنحن أيضا سنكون مساهمين في هذا التلاعب، غير أنّ هذا لا يعني أننا سننسحب من الملف، فنحن لم ننسحب، ولن ننسحب أبدا". ولم يتردّد النقيب الجامعي في وصف قرار المحكمة ب"اللعب" أكثر من مرّة، إذ قال إنّ هيأة الدفاع حضرت جميع الجلسات، "وأدّينا واجبنا بقناعة وبصبْر وبمسؤولية، واليوم لا يمكن أن ننتقل من محامين مسؤولين إلى محامين مشاركين في اللعب، هذا ممنوع علينا، وضميرنا لا يسمح لنا أن نستمر في هذا اللعب"، وأضاف "تأجيل القضية أربعة شهور أخرى، دون أن نعرف السبب، يشكّل مظهرا من مظاهر العبث". وفيما كانت هيأة الدفاع تتداول في فناء المحكمة، رفقة المتابعيْن في الملف، سُبُل الردّ على قرار التأجيل، وصياغة بيان في الموضوع، كانت حناجر عدد من الحقوقيين تصدح أمام المحكمة، من بينهم النائب البرلماني عبد العزيز أفتاتي، عن حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة ويتولّى وزارة العدل والحريات، في شخص مصطفى الرميد، مطالبة بوقف محاكمة عبد المجيد الوزير ومحمد رضا، فيما كان رئيس فريق العدالة والتنمية، عبد الله بوانو، حاضرا داخل قاعة المحكمة. الحقوقيون المحتجّون أمام المحكمة ارتدوا قمصانا بيضاء وزرقاء، تحمل رقم 27، في إحالة على الفصل السابع والعشرين من الدستور، الذي ينصّ على الحق في الوصول إلى المعلومة، فيما تصدّرت الوقفةَ لافتة تطالب بوقف المحاكمة، وفتح تحقيق في جوهر القضية. في غضون ذلك، قال رئيس الهيأة الوطنية لحماية المال العامّ بالمغرب، طارق السباعي، في تصريح لهسبريس، إنّ متابعة عبد المجيد الويز ومحمد رضا فيه إحراج للحكومة، وأضاف "لو كانت للحكومة إرادة سياسية في طيّ هذا الملف المُحرج، فعليها، بمبادرة من رئيس الحكومة، أن تتنازل عن المطالبة بالحقّ المدني، طبقا لمقتضيات الفصل 372 من قانون المسطرة الجنائية، الذي يحيل على الفصل 41، حيث يمكن إذّاك أن يضع التنازل حدّا لإجراءات الدعوى العمومية". وحمّل السباعي الحكومة مسؤولية المتابعة قائلا إنّ على الحكومة أن تعترف بخطئها في هذه المتابعة، وأن تعلن ذلك صراحة، وتبادر إلى التنازل عن الدعوى العمومية "التي نعتبرها كيْديّة". ولم ينتهِ طلب السباعي إلى الحكومة عند الدعوة إلى سحب الدعوى العمومية ضدّ عبد المجيد الويز ومحمد رضا، بل طالبها بوضع الرأي العامّ في صورة ما آل إليه التحقيق الذي كان قد أمر وزير العدل والحرّيات بفتحه حول العلاوات المالية المتبادلة بين صلاح الدين مزوار، يوم كان وزيرا للمالية في الحكومة السابقة، والخازن العامّ للمملكة نور الدين بنسودة. وقال السباعي "لا يُعقل أن يُبرّأ الجميع، ولا يُعقل ألاّ تتمّ متابعة مزوار وبنسودة، فيما يتابع الويز ورضا، لذلك يجب على الحكومة أن تحرّك الدعوى ضدّ المسؤوليْن، وتتنازل عن الدعوى المرفوعة ضدّ كل من عبد المجيد الويز ومحمد رضا، لأنّ متابعتهما كانت قرارا خاطئا، ومن اعترف بخطئه فلا ذنب عليه".