يرى زويريق فؤاد، كاتب وناقد سينمائي مغربي مقيم بهولندا، أنه "عوض البحث والتنقيب بين ثنايا جسد الفنانة، لطيفة أحرار، بالتفصيل في كل مشهد تظهر فيه، يتعين البحث بين فنها وإبداعها"، واصفا أحرار بأنها "فنانة صادقة في أحاسيسها، ومغرمة بفنها". وانتقد زويريق، في مقال خص به هسبريس، محاصرة الكثيرين لكل "فنانة أو مثقفة أرادت أن تخترق بإبداعها جدار الخوف المفزع الذي تعيشه داخل مجتمعها"، ليتساءل بعد ذلك بالقول "هل لنا الحق في اتهامها، ورميها بأفظع الأوصاف، وخلع رداء الشرف عنها.. فقط لأنها فنانة؟". وفيما يلي نص مقال فؤاد زويريق كما توصلت به هسبريس: مازالت المرأة تتغيأ إيقاظ كوامن الإبداع والثقافة في مجتمعنا، وتفعيل دورها كاملا مكتملا دون نقص أو عجز، حتى أننا استشعرنا في السنوات الاخيرة حراكا يصب في هذا المنحى طمعا في اكتمال المعادلة، وبناء زواياها بما يتناسب ولغة العصر، فلا تقدم ولا رقي في أي ميدان كيفما كان دون مشاركة المرأة مشاركة فعالة، ووفق حقوق وواجبات تتساوى فيها مع الرجل، هذا الأخير الذي يسعى بكل الوسائل إلى تهميش دور المرأة، وطمس آثارها باعتباره المشرع والمنفذ لكل ما يشرعه، فكيف يعدل وهو الخصم والحكم في آن. من أصعب الأدوار الواقعية التي تؤدى في مجتمعنا، دور المرأة، دور يُمثِّل بكل شرف المجتمع بأكمله وليس نصفه كما يدعون، ورغم ذلك تجد من يشير اليه وكأنه سبب البلاء، بل يتبرأ منه وكأنه وصمة عار على جبينه، هذا بالنسبة للمرأة العادية، المرأة الام والاخت والخالة والعمة والجدة...فما بالك بالفنانة والمثقفة، ضحالة في التفكير، وقصور في الوعي بتغير الزمن واستشراق المستقبل، كلها عناصر أدت بنا إلى عدم تقبل ممارسة المرأة للفن، ورجمها بأقدح العبارات، وكأنها شيطان مارد وجب سحقه تحت نعالنا البالية. هل أتينا على كل شيء، حتى نتفرغ لمحاصرة كل فنانة أو مثقفة أرادت أن تخترق بإبداعها جدار الخوف المفزع الذي تعيشه داخل مجتمعها؟ هل لنا الحق في اتهامها ورميها بأفظع الأوصاف، وخلع رداء الشرف عنها، فقط لأنها فنانة؟ بل هل لنا الحق في تكفيرها؟ للأسف هذا ما يحدث في مجتمع يسير بثبات نحو أفق يدعي أنه مشرق، ونحو مستقبل يتشدق بكونه حر وديمقراطي. أين الحرية والديمقراطية والمساواة، ونحن نقتفي أثرا غير ظاهر للعيان، أثرا وراءه حمولة كره غير طبيعية للمرأة الفنانة والمثقفة، فعوض حملها بشرف بين ظهرانينا، والافتخار بها كأنموذج مثالي للمرأة المعاصرة، نغلق عليها كافة الأبواب، وننزل الستائر على ماتبقى من النوافذ، علنا نرجعها الى عصر العنصرية والعبودية. في الحقيقة لن أجد أحسن وأفضل من الفنانة والمبدعة لطيفة احرار كأنموذج لتحامل جزء من هذا المجتمع على إبداعها وفنها الذي اخترق الحدود وجال العالم بقسميه العربي والغربي بل الأسيوي كذلك، هي فنانة مغربية - وأؤكد على هذه الصفة - أعطت لفنها ووطنها الكثير، فرغم ما تعرضت له من عقبات خطيرة ومطبات قاسية، إلا أنها واصلت ومازالت تواصل اشعاعها من اجل بث روح التسامح والسلام، أقول هذا وأنا أعرف وأعي ماذا أقول، هي فعلا فنانة صادقة في أحاسيسها، مغرمة بفنها، وهذا يكفيها ويكفينا فخرا، التقيت بمثقفين مغاربة وعرب أغلبهم يشيد بفنها وبشخصها كذلك، لكن كلما تعرضت لحملة مسعورة، غرقوا في صمتهم. كلما استرجعت كل ذلك المداد الذي سال أيام عرض مسرحيتها "كفر ناعوم أوطو – صراط"، أصاب بهستيريا من الضحك، لأننا فعلا أمام مجتمع متناقض، مجتمع لايرى أبعد من أنفه، لم أقرأ يوما قراءة نقدية أو أصادف دراسة معمقة لمسرحيتها أو سطحية حتى، تركوا كل هذا ليشيروا إلى جسدها، الكل تكلم ومازال عن ''فعلها الفاضح''، وقد تناسوا أن ماقامت به تقوم به آلاف بل ملايين النساء في كل شواطئ البلاد على مدار السنة، وبشكل عادي جدا ولا أحد يتكلم، بل يعتبر هذا تحررا، هذا إذا ما أردنا أن نعطي لهذه الآراء السطحية مبررا، رغم أنها لا تحتاج إلى مبرر على الإطلاق، عندما عرضت المسرحية أول مرة تداولت الصحف والجرائد الصفراء جسدها بالتفصيل الممل، ومع ذلك استمرت في استقطاب جمهورها الكثيف، فمامعنى هذا؟ الجميل في هذا كله أن لطيفة أحرار استمرت في طريقها ولم تأبه لمثل هؤلاء أو أولئك، وهذا ما جعلني ومازلت أفتخر بوجود مثل هذه الفنانة في وطننا، لأن رسالتها كانت أقوى من جسدها، ولم تتوقف ولو لحظة، لأنها متأكدة أن هذه الرسالة ستصل يوما ما. لطيفة أحرار، فنانة نشطة، مثقفة، تعجبني حيويتها وتحركاتها، كل يوم تشرق بجديد، تشتغل بذكاء، ولايهمها ما يشاع، هي فنانة بحق، أقول هذا وأنا لم ألتق بها يوما، هي فقط غيرة مني على امرأة تناضل من أجل فنها وكفى، يكفي أنها اشتغلت على فكرة تقريب المسرح من المواطن، فأسست مسرحها في قلب الرباط، حتى تقول للكل بأننا نستطيع، هذا إذا كنا نحمل جينات النضال والصدق، بدل جينات الخنوع والنفاق، أسست مسرحا بسيطا من حاويات البضائع فرغم ضيقه الا انه يضم شساعة الفكرة، ومبدأ الروح القتالية التي تتحلى بها لطيفة. هي مبادرة تستحق التنويه، وتجدر بنا نحن المغاربة الاحتفاء بصاحبتها، خصوصا أنها تسعى لنشرها وتوزيعها في كل أرجاء الوطن إذا استطاعت إلى ذلك سبيلا. أعرف أن ورقتي هذه ستقلق الكثيرين، لكن هذا هو واقعنا المر الذي نعيشه يوميا، وتعيشه المرأة الفنانة والمثقفة بصفة خاصة.. لطيفة أحرار هي أنموذج من عدة نماذج بعضها خبا نوره بفعل الضغط المتواصل، والبعض الآخر مازال مستمرا بصمت ومن خلف الستار، لكن لطيفة آثرت النضال الفني والثقافي جهارا نهارا رغم كل شيء..تابعت المسير بابتسامتها المعهودة، ابتسامة تُخجل الأعداء قبل الأصدقاء..أفلا نتعظ؟ فعوض البحث والتنقيب بين ثنايا جسدها بالتفصيل في كل ظهور تظهره، ابحثوا بين فنها وإبداعها، وامنحونا أملا بأن المجتمع يتغير فعلا. وفي الختام أتساءل: ماذا لو كان من ''تعرى'' فوق المسرح رجلا؟