1. أتذكر أيها القاضي الغبي يوم سألتني في جلسة علانية أقمتها بمحكمة الاستئناف بفاس على شرفنا في إحدى جلسات محاكمتي بمعية رفاقي خلال سنة 1988-1989، عن دوري في تحريض الطلبة بواسطة الأغنية الثورية؟. أتذكر أيها الحاكم البليد يوم وضعت تهمة التحريض بالغناء ضمن التهم السبعة التي واجهتني بها في محاكمة كنت فيها عبدا مأمورا؟ أتذكر أيها القاضي الخنوع حين سألتني عن مدى إعجابي بالأغنية الملتزمة وزغردت إحدى الرفيقات بقاعة المحكمة حتى أصبت بالخجل؟. أتذكر أيها القاضي.. حين سألتني عن مارسيل و الشيخ إمام، وعن أغاني الفنانة فيروز التي أفضلها؟ حيث قلت لك: "سنرجع يوما إلى حينا"..ليحمر و جهك، و لترتبك، و لتظهر ضعفك و انهزامك أمامي. أذكرك أني كنت اللحظة أقوى منك، بل شعرت أني هزمتك إلى ما لا نهاية... أتذكر يا عبد المأمور يوم نطقت ب 30 سنة في حقنا، في ساعة قريبة من الفجر وأجبناك ساعتها جماعة وبصوت شاعري رائع" زغردي يا أمي يا أم الثوار أوطم حابلى بالأحرار"؟ فأردت إخراسنا بالقوة، لكن صوتنا كان أقوى من صوت نطقك بالحكم..ورغم الأصفاد التي أمرت عساكرك بوضعها على معاصمنا. 2. بعد أن أصبح السجن منزلنا الجديد، وبعد مرور أزيد من سنتين على اعتقالنا، فكرت في الرد العملي عليك أيها القاضي المأمور، حين طالبت إدارة السجن بإحضار آلة العود التي تركتها ورائي.. وهو الطلب الذي حققته بدون علمك، رغم قوة رئيس المعقل الذي كان يضرب له ألف حساب وطنيا (الع)...و هكذا صرت أغني و ألف قطعا موسيقية وأتابع عشقي الأبدي لأغاني الثنائي الرائع "إمام و نجم" و التي أحفظها عن دهر قلب. " بارلوار" و زنازن عين قادوس و عنابر السجن المركزي يشهدان على أمسيات خالدة كان فيها الثنائي " نجم-إمام" يشعلان ب" صباح الخير على الورد الي فتح في جناين مصر" شموع الأمل و حماس الطلاب المغاربة الشباب و غيرهم. 3. هكذا إذا جعلتني أيها القاضي.. أعيش أزهى فترات عمري (وهي العبارة التي أرددها دائما منذ خروجي من السجن، و التي لم تتعجب بعض أفراد عائلتي وبعض الرفاق و المناضلين) في السجن، و لم أبال يوما واحدا -في كل سنوات سجني- بحكمك المخزي. كنت أغني صباح مساء، لمن عشقت قصائده و لمن عشقت صوته.. حتى لا أخونه. في الساحة الجامعية –سنوات الثمانينات- حاولت رفقة الأخت "حميدة" أن نقلد "عزة بلبع – و عيسى إمام" في كل الأمسيات والحلقيات بكل وفاء وعفوية. ولم أكن أنتظر محاكمتي بتهم تحريض الطلبة بشعر فؤاد نجم وبأغاني عزة و إمام. و حتى و إن كنت أعرف ذلك، لما تخليت ولو دقيقة عن أداء أغنيتي التي أحببتها حتى العظم " عبد الودود ".. و باقي الروائع الأخرى. في السجن جاءني رفاقي بكل أشعار نجم وأشرطة إمام والمجموعة وأشرطة متنوعة أخرى، حتى جمعت ما يقرب 200 شريط لا زلت أحتفظ بها إلى اليوم، وإذا أراد عبد المأمور أن يطلع عليها فسأكون مسرورا بذلك. 4. مضت أيامي الأولى بعد السجن تكريما واحتفاء، تأبطت خلالها "عودي الرنان" وسرت أتنقل بين المدن وأمسيات الجمعيات الحقوقية والثقافية وتجمعات المعطلين..أنشد الكرامة والعزة و أغني ل"نجم و إمام" و كأني عاشق ولهان، خلقت لأحب هذا الثنائي حتى الثمالة. شاركت الأحبة في أحزانهم و أفراحهم وأمسياتهم ولياليهم بشعر "نجم" ولحن وأغاني "إمام" و لم أتخل يوما عن "عبد الودود" لأثبت للعبد المأمور وأمثاله أن عشقي ل"نجم و إمام" قسم يتجدد في كل زمان و مكان. 5. شاءت الظروف..فشردتني الأحلام ورمتني خلف البحر أبحث عن نفس آخر للحرية..وهناك حملت من جديد "عودي" و سرت تائها، عاشقا، مسكونا بأغاني الثنائي، متنقلا بين العواصم الأوروبية..تارة مع المغنية الشابة "فوزية" و تارة وحدي، أغني في كل أمسيات ومؤتمرات جمعيات المهاجرين والطلبة المغاربة واحتفالاتهم الحقوقية وسهراتهم الودية والتأبينية. 6. و اليوم، بعد رحيل "سفير الفقراء" سيظل الهجاء السياسي والاجتماعي والسخرية سلاحا لا يصدأ.