سقط القناع عن القناع .... لما يحدث في الاراضي المحتلة ، طعم الحياة ... و طعم الموت ايضا، ما يحدث هناك له لون حياتنا وأيامنا الغارقة في بؤسنا، كما أن له لون عجزنا عن فعل أي شيء ، لون الهزيمة ( الرسمية ) إذ تأخذ شكل الضربة التي لاقدرة بعدها على الحركة أو المواجهة، هي هزيمة نفسية اخذت شكل كرة الثلج، بعد أن ترك لها مكان فسيح و بارد للنمو و الزيادة في الحجم . نكبة، فنكسة ، فسلام شجعان فنكبة ثانية أشد وقعا و هولا في النكبة الأولى كانت الأسحلة فاسدة في الثانية ليس السلاح فاسدا بل هو فقط مركون في المخازن أو مسخر في غير وجهته. ما يحدث في فلسطين له أيضا ما يوازيه على صعيد الكلام لذلك صار على أشياء كثيرة أن تأخذ أحجامها الحقيقة أو أن تعود الى حقيقة أحجامها. لن أتحدث عن نسائنا و رجالاتنا فقط أغانينا، و بعض شعرنا صار المواطن العربي يلهت صباح مساء عن معنى أو تذوق عادي لأغاني ننسي عرجم ، هيفاء وهبي، و البقية تأتي ، من نجوم الغناء و الطرب، ممن يملؤون أذاننا و أعيننا بالأغاني \"الشبابية الخفيفة\" و الصور الجميلة لفتياتنا في نصف لباس يتمايلن في غنج على نغمات مليئة بالحيوية و النشاط . ترجعت آهات كاظم الساهر، واختفت نساؤه اللواتي تعودنا على مشاهدته برفقتهن وهن في لباسهن الملائكي يغنون لنا من إحدى المدن الايطالية، اليد في اليد و الصف طويل فيما الايقاع يتبع كلمات \" قولي أحبك كي تزيد وسامتي \"، كلهم افسحوا المجال لسماحة الشيخ حسن نصر الله و كل الكلام بصدد شبعا و صواريخ الكاتيوشا . عادت الأشياء الى طيبعتها تماما مثلما غادر محمود درويش صمته نزولا عند رغبة الشهيد، أجل محمود درويش فترة النقاهة فعانق القصيدة \" اصدقائي يعدون لي دائما حفلة للوداع ، و قبرا مريحا يظلله السينديان ، وشهادة في رخام الزمن فأسبقهم دائما في الجنازة من مات من؟؟. عاد محمود درويش الى عادته القديمة، فكتب عن الشهيد في زمن الحصار : الشهيد يحاصرني كلما عشت يوما جديدا و يسألني : اين كنت؟ أعد للقواميس كل الكلام ... خفف عن النائمين ظنين الصدى... يحتفي محمود درويش بالشهيد ... يصغي الى نصائحه ة يتعلم منه: \" الشهيد يحاصرني : لاتسر في الجنازة إلا إذا كنت تعرفني ، لا أريد مجاملة من احد.... الشهيد يحذرني لاتصدق زغاريدهن و صدق أبي حين ينظر في صورتي باكيا كيف بدلت أدوارنا يا بني، و سرت أمامي أنا أولا ، و أنا أولا... تحدث محمود درويش عن الحصار في عز الحصار ... و في الحصار ، يصير الزمن مكانا تحجر في أبته .... في الحصار ، يصير المكان زمانا تخلف عن أمسه و غده ... صار على محمود درويش أن يتناسى شعر \" سرير الغريبة\" و الجدارية\" ليحترق بالحصار ، فيما يحتفي بالشهيد و يستضيف \"سونيكا\" و \"خون عويتصولو \" و سارراماغو\" و آخرين . اما نحن فسرنا من واقعنا و من انفسنا .. في انتظار من يذكر نا بما كنا عنه غافلين. في حياتنا هناك كثير ما يستحق الرثاء أو البكاء أو أغاني فيروز و مارسيل خليفة و أميمة الخليل و شعر محمود درويش و رافاقه الشعراء. صار علينا ان نتذكر قصيدة لتوفيق زياد ، من خلال الاداء الحماسي و المؤثر لأحمد قعبور . موسيقى، دموع و دم ساخن في العروق و جرح غائر عبر الزمن : \" أناديكم .. أشد على أياديكم .. و أبوس الأرض تحت نعالكم ... و أقول أفديكم فمأساتي التي أحيا نصيبي من مأساتكم . مات الشاعر توفيق زياد و عاشت القصيدة يرددها الآلاف عبر الفضائيات مصاحبة بصور حية للجرحى و الشهداء في فلسطينالمحتلة، إذ يزفون إلى متواهم الأخير. النار و الحجارة إذ يقدف بها صوب العدو الصهيوني غضبا و تحديا. \" أرخ شعراؤنا العرب للقضية الفلسطينية ألامها و آمالها . من بين شعرائنا العرب \"أرخ\" محمود درويش عن الذي يبحث عن وردة ضيعها في البحر. مفجرا حالة العابرين في الكلام العابر. ومستحضرا أسطورة \" إيليس\" و متداخلا نصيا مع قصة النبي يوسف بصدد الشمس و القمر و الأحد عشر كوكبا. محمود درويش هذا العائد من برودة باريس و مصحاتها بعملية جراحية على القبلب ضمنها شعرا يتحدث عن العين اذ تمتد في الفراغ بياضا طاهرا. شعر إلى جانب قرائته في الامسيات و اللقاءات، أو تضمينه في الدواوين و صفحات الصحف و المجلات، ليس رداء الاغنية التي عانقنا من خلالها رموز امتلا قلبها بحب الأرض و الانسان من هؤلاء مارسيل خليفة لحنينه الى خبز أمه و قهوتها.. و كما غنى لعيون رثا و أجمل الامهات غنى لأحمد العربي و مخيم انصاريا. طالت سنوات الجرح الفلسطيني، جرح رافقته أحداث هنا و هناك كل القضايا الشائكة تركت مكانها لقضايا شائكة أخرى، محن تترك مكانها لمحن اخرى، إلا محنة الشعب الفلسطيني ظلت تراوح مكانها خاضعة لمزايدات أهل السياسة و الاقتصاد مانحة لنشرات الأخبار عبر العالم مشاهد يومية مليئة بالدم و النار و الدخان المتطاير في أحياء الخليل، رام الله، القدس، بيت لحم، بيت جالا و حصار غزة الذي حرق الأخضرواليابس يتم الاطفال شرد العائلات مزق الأجساد، غيرها من القرى و المدن الفلسطينيةالمحتلة . استبدت بنا دوخة غريبة، لذلك عشنا أيامنا نردد أغاني بعض مغينا الشباب فيما نغرق أعيننا في الأغاني المصورة للمغنية \" شاكيرا \" و \"نرتاد محلات الماكدونالز \" و نستمتع ب \" الكوكاكولا \" فيما نضع ربطات عنق حريرية كمن امتلك الكون وراحة البال ... فيما نحن لا نستطيع حتى التحذيق في نشرات الاخبار الدامية من دون أن يرتاد علينا الهواء رصاصا كاشفا تخلياتنا و هزائمنا و اللامعنى لحياتنا و مواقفنا . أبو أسماء