قال سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، إن التقلبات غير المسبوقة التي تشهدها حالياً أسواق الطاقة في العالم يعود سببها إلى تراجع الاستثمارات طويلة الأمد في قطاع الوقود التقليدي الأحفوري، إلى جانب الاضطرابات الجيو-سياسية العالمية الحالية. وذكر الجابر في كلمة ألقاها في الدورة الخامسة عشرة لمؤتمر الطاقة، المنظم اليوم الاثنين في العاصمة الرباط من طرف فدرالية الطاقة تحت رعاية ملكية، أن تراجع الاستثمارات طويلة الأمد في هذا القطاع، أدى بشكل مباشر ومؤثر إلى نقص المعروض والإمدادات. وأشار المتحدث إلى أن منتدى الطاقة الدولي ذكر في تقرير له أن الإنفاق العالمي على مشاريع النفط والغاز تراجع سنة 2020 بنحو 30 في المائة ليصل إلى 309 مليارات دولار أميركي، قبل أن يتحسن بشكل طفيف سنة 2021، لكنه أكد أن مواكبة الطلب العالمي على الطاقة يتطلب ضخ المزيد من الاستثمارات للعودة إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا البالغة 525 مليار دولار سنويا حتى عام 2030. وأبرز الجابر، رئيس مجلس إدارة شركة أبوظبي لطاقة المستقبل "مصدر" الرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك"، أنه في حالة لم يتم ضخ المزيد من الاستثمارات في قطاع النفط والغاز، سيكون هناك نقص في المعروض والإمداد خلال السنوات المقبلة، وقال: "هذا ما لا نريده أن يحصل في هذا القطاع الحيوي، لسبب بسيط هو أن مصادر الطاقة الجديدة ليست كافية لوحدها لتلبية النمو في الطاقة". وأشار الوزير الإماراتي إلى أن بلاده استمرت في الاستثمار في تطوير السعة الإنتاجية للنفط والتركيز في الوقت ذاته على خفض الانبعاثات تماشياً مع التزامها الدائم لتكون مورداً مسؤولاً وموثوقاً في قطاع الطاقة، وأوضح أن "الإمارات تنظر إلى التحول الطاقي كفرصة حقيقية للنمو الاقتصادي المستدام والتركيز على تبني نظرة واقعية ومنطقية وعملية، وليست عاطفية، لأن هذا المجال مهم وحيوي وله تأثير مباشر على اقتصادات الدول". وشدد على أن "الجميع متفق على أن التحول في قطاع الطاقة العالمي أمر مهم وهو من الأولويات الاستراتيجية، ولكي نجد حلولاً فعالة لضمان أمن الطاقة وتحقيق الانتقال الطاقي السلبي نحو طاقة المستقبل، يجب تبني استراتيجية شاملة متكاملة مدروسة وشاملة". وأورد المتحدث أن "تاريخ التحولات السابقة في قطاع الطاقة يؤكد أن الانتقال لا يمكن أن يحصل في خطوة واحدة أو لمسة زر. وليكون هذا التحول ناجحا، يجب أن يكون مدروساً ومبنياً على أسس علمية وعملية ومنطقية وألا تكون مبنية على عواطف، ويستند إلى خريطة طريقة عملية وخطوات تنفيذية تدريجية". وذكر المسؤول الإماراتي أن التحول الطاقي سيستغرق عشرات السنين، وهي فترة سيستمر فيها الطلب على النفط والغاز، موردا في هذا الصدد أن "الهدف هو تنمية مستدامة تتزامن مع خفض الانبعاثات الكربونية، وليس خفض معدلات النمو أو خفض التقدم، بل تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة". ولفت الجابر أمام حضور من المسؤولين الحكوميين وفاعلين مغاربة وأجانب في مجال الطاقة، إلى أن "هناك حاجة ماسة لمواصلة الاستثمار الذكي لخلق مزيج متنوع من الطاقة يشمل الطاقات الريحية والشمسية والمائية والنووية السلمية والهيدروكربونات الأقل كثافة". وفي حديثه عن تجربة بلاده، قال الوزير إن الإمارات بدأت مسيرة التحول الطاقي قبل أكثر من 15 سنة مع تأسيس شركة أبوظبي لطاقة المستقبل "مصدر"، حيث بدأت كمبادرة استراتيجية متعددة الأوجه للتنمية الاقتصادية المستدامة من خلال الاستثمار في بنيات الطاقة النظيفة والمتجددة والتركيز على التكنولوجيا المتقدمة والفرص الاقتصادية المجدية. وأعرب عن اعتقاده أن هناك فرصة حقيقية لقطاع الطاقة المتجددة عبر العالم، متوقعا في هذا الصدد أن يتم استثمار ما لا يقل عن 3000 تريليون دولار في مجال الطاقة المتجددة في العقد المقبل، كاشفا أن الإمارات تستثمر في مشاريع الطاقة الشمسية والريحية في أربعين دولة عبر العالم من خلال شركة "مصدر". وفي المغرب، أنشأت شركة "مصدر" بشراكة مع المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب مشروع أنظمة طاقة شمسية منزلية لتركيب 20 ألف نظام للطاقة الشمسية المنزلية في أكثر من ألف قرية مغربية، وقال الجابر إن هناك اهتماما ورغبة لتطوير محطة "نور ميدلت" التي تبلغ قدرتها 800 ميغاواط، والتي تعد أول مشروع محطة هجينة متطورة للطاقة الشمسية في العالم تستخدم مزيجا من الطاقة الشمسية الكهروضوئية والطاقة الشمسية المركزة. وقال إن ثلاثا من كبرى شركات الطاقة في الإمارات (أبوظبي الوطنية للطاقة ومبادلة للاستثمار وشركة أدنوك)، دخلت في الأشهر الماضية، بتوجيهات من الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، في شراكة استراتيجية طويلة الأمد لتطوير وتقوية وتعزيز وتمكين محفظة "مصدر" الاستثمارية في الطاقة النظيفة، إضافة إلى خلق جهود جديدة في مجال الهيدروجين، وتعتزم تطوير مشاريعها في المغرب. وفي كلمته، ذكر الوزير أن بلاده رسخت ريادتها في الطاقة المتجددة والعمل المناخي منذ استضافتها للوكالة الدولية للطاقة الذرية في سنة 2009، وتعزز هذا الموقع بعد اختيار الإمارات لاستضافة مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأممالمتحدة الإطارية للتغير المناخي سنة 2023. وأكد المسؤول الإماراتي أنه يتطلع ليكون هذا المؤتمر شاملاً لتحقيق نتائج ملموسة للحد من تداعيات التغير المناخي وخلق فرص اقتصادية مستدامة، والتشاور والتنسيق والبناء على خبرات المملكة المغربية بعد استضافتها ل"كوب-22′′ في مراكش. العلاقات المغربية الإماراتية في حديثه عن المغرب، قال الجابر إن اختيار الإمارات ضيف شرف لمؤتمر الطاقة في نسخته ال15، "يعكس قوة ومتانة العلاقات الإماراتية المغربية التي أرسى ركائزها الوالد المؤسس الشيخ زايد وأخوه جلالة الملك الحسن الثاني رحمهما الله"، وأضاف أن هذه العلاقات شهدت نقلات مهمة جداً وتطورات نوعية في مختلف المجالات بتوجيهات سديدة من القيادتين في البلدين ممثلة بالشيخ خليفة بن زايد رئيس دولة الإمارات والملك محمد السادس. وأشاد الجابر بمكانة المغرب في مجال الطاقة المتجددة، قائلا إنه رسخ مكانة رائدة في هذا الصدد، حيث يتم حالياً توفير ما لا يقل عن 38 في المائة من احتياجات المملكة من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، معتبرا أن "هذا إنجاز لا بد البناء عليه وتوفير تشريعات وقوانين لاستقطاب استثمارات جديدة". وعبر المتحدث عن ثقته بأن "السياسات الصحيحة والأطر التنظيمية المناسبة وتوفير التمويل سوف يضع هذا القطاع من ضمن الأولويات الوطنية، ويساعد في خلق قطاع اقتصادي جديد مستدام في هذا البلد العظيم، ويساهم في وضع الاقتصاد على مسار النمو منخفض الكربون". وأشار في كلمته إلى أن المملكة تزخر بفرص استثمارية واعدة في عدد من المجالات والقطاعات، موردا أن الإمارات شريك مهم واستراتيجي وطبيعي للمغرب، ويتجلى ذلك في احتلالها المركز الأول من حجم الاستثمارات العربية منذ 1976؛ حيث تجاوزت ما يزيد عن 20 مليار درهم إماراتي في قطاعات استراتيجية مثل الطاقة والمعادن والبنيات التحتية والزراعة والاتصالات والخدمات والسياحة. وخلال سنة 2020، أفادت المعطيات التي قدمها وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة بأن التبادل التجاري في المنتجات غير النفطية بين البلدين بلغ ما يقارب 2,2 مليار درهم إماراتي، كما ساهم صندوق أبوظبي للتنمية في تمويل 82 مشروعا بقيمة 2,4 مليار دولار أميركي. وذكر ضمن المعطيات أيضاً أن شركة "طاقة" أنشأت محطة الطاقة الحرارية في الجرف الأصفر التي تعد المورد الرئيسي للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب وتغطي أكثر من 50 في المائة من الطلب المحلي على الكهرباء. وقال الجابر إن "هذه أرقام تؤكد بالفعل أن هناك فرصا حقيقية وواعدة وعديدة لفتح آفاق للشراكة"، ووجه في هذا الصدد دعوة مفتوحة إلى الفاعلين في القطاعين العام والخاص في المغرب للبحث في تطوير وتعزيز الشراكات القائمة حالياً مع نظرائهم في الإمارات واستكشاف فرص الشراكة والتعاون في مجالات جديدة. وأشار بهذا الخصوص إلى وجود توجيهات سامية من قيادة الإمارات لتكون شريكاً استراتيجياً للمغرب في التحول الطاقي، وشدد على أنه مستعد لبحث فرص الاستثمار في الطاقة التقليدية الأحفورية والغاز المسال ومحطات التوزيع ومشاريع الطاقة المتجددة وجميع المجالات الواعدة.