ينتقد الخبير في الإعلام والاتصال يحيى اليحياوي، ضمن هذا الحوار مع هسبريس، عدم إشراك الرأي العام في نقاش مشروع مدونة الصحافة والنشر، مسجلا تحفظه على عدد من أعضاء اللجنة التي أشرفت على إعداد المشروع، معتبرا في الوقت ذاته، أن خلوّ المدونة من قانون سالب للحريات "قول حق أريد به باطل"، داعيا إلى رفع الهالة والقدسية عن الصحفي، "لأنه يبقى مواطنا كباقي المواطنين". وعلاقة بإعلان وزارة الاتصال إعداد دفاتر تحملات خاص بشركة "ميدي 1 سات"، قال اليحياوي إن وزير الاتصال مصطفى لخلفي لم يتوصل بعد إلى القناعة بأن مثل تلك الملفات تتجاوزه لكونها جد حساسة ومرتبطة بمصالح وجهات عليا، معتبرا إياه وزيرا يشتغل بدون حدود، بل يجب أن ينتظر الضوء الأخضر من أصحاب القول الفصل داخل الشركات الثلاث للقطب العمومي، الذين يرفضون وصاية الحكومة بشكل من الأشكال. كيف تقرأ تأخّر صدور مشروع مدونة الصحافة، كأحد الأوراش الإعلامية المهمة؟ الجميع ينتظر صدور المدونة، وسيتم تقييمها بعد الاطلاع على محاورها الكبرى، لكن وجبت الإشارة هنا إلى أن وزارة الاتصال واللجنة التي كلفت بصياغة المسودة ليست هي الجهات الوحيدة المتدخلة في صياغة مدونة الصحافة والنشر. المشروع، لأهميته، يتدخل في صلبه ما هو سياسي بالإيديولوجي وجهات عليا من الدولة، كما تتقاطع فيها المصالح، إذا لا يمكن أن تأخذ المسودة مسارها من الوزارة إلى النقاش بالبرلمان دون المرور بهذا المسار الطبيعي الذي ذكرته. وأنا أزعم أن المسودة أحيلت إما على الأمانة العامة للحكومة أو على خبراء وجهات محايدة من أجل الاستئناس بآرائهم. هل لديك ملاحظات على مشرُوع المُدوّنة؟ الإشكال الحاصل هو لماذا لم يتم طرح مسودة المشروع للنقاش في الفضاء العمومي، لا يهمني أن تذهب للأمانة العامة للحكومة أو لمجلس الشيوخ الفرنسي، بل يجب أن تطرح للنقاش العمومي في الندوات واللقاءات، لأن الذين صاغوها أشخاص غير مقدّسين. لدي تحفظ أيضا على جزء كبير من أعضاء اللجنة، وما يتعلق بالشق الالكتروني من المدونة، فصراحة لا أعرف الصيغة التي سيظهر بها هذا النوع من الصحافة. ثم إن الادعاء بأن المدونة لن تحوي قوانين سالبة للحرية، فهذا قول حق أريد به باطل، لأن علي أنوزلا لا يتابَع بقانون الصحافة، بل بقانون مكافحة الإرهاب، وهذا يعني أن الصحفي سيتم إحالته على قوانين أخرى خارج قانون الصحافة. وهل معناه أن الصحفي يجب أن يتابع فقط بقانون الصحافة؟ الصحفي قبل كل شيء مواطن كباقي المواطنين، وليس فوق القانون، والقول بإمكانه أن يتصرف كيف يشاء أمر غير سليم، كما أن الادعاء بأنه لا يجب على كل صحفي أن يدخل السجن أمر لامعنى له. يجب أن نعلم أن الصحفي يتحمل مسؤولية أكبر من المواطن العادي، من التثبت من الخبر والتحري ونقل الخبر بمصداقية.. إذاً، ماذا تقترح أنت في هذا الشأن؟ هناك حد أدنى من أخلاقيات المهنة يجب على المشتغل في الصحافة احترامها، وإذا ما تم تجاوزها ووصل إلى مرحلة السب والشتم والكذب والزور، فلا يمكن السماح له بارتكاب تجاوزات ويجب متابعته وفقا لقانون الصحافة. أما خارج إطار اخلاقيات المهنة، فيجب متابعة الصحفي كباقي المواطنين، وفقا لقوانين جاري بها العمل، وما دمنا نتحدث عن دولة الحق القانون، فيجب على الجميع أن يخضع لها، وأدعو إلى تقليص الهالة والقدسية التي يصنعها البعض حول الصحفي. وإذا لاحظت، فلم أصدر قط موقفا حول اعتقال الصحفي علي أنوزلا، ولم أطالب بدخوله للسجن أو بالإفراج عنه وعدم متابعته، قضية أنوزلا تحتاج إلى حوار ونقاش حول الحدود بين الإرهاب والإعلام. إجمالا، لا يمكن التغاضي عن أخطاء الصحفيين بداعي أنهم "صحفيون"، يجب محاسبة الجميع بشكل سوي. أعلنت وزارة الاتصال أنها ستعدّ دفتر تحملات الخاص بشركة "ميدي 1 سات"، في خطوة تذكرنا بمعركة دفاتر شركتي صورياد 2M وSNRT، هل هو دق لطبول معركة أخرى طرفاها الحكومة وجبهة جديدة؟ للأسف لم يصل بعد الخلفي وفريقه إلى القناعة بأن الإعلام في المغرب قطاع حساس وليس كباقي القطاعات، دفتر التحملات ملف يتداخل فيه ما هو ايديولوجي بما هو سياسي وديني ورمزي.. كما تتقاطع فيه المصالح.. إذا لا يمكن تقنينه ببساطة، والعبرة عندي بالتنفيذ وليس الإكثار من الكلام والتصريحات.. ونتذكر جميعا، في الجولة الأولى من دفاتر التحملات، كيف رمت بها سميرة سيطايل على وجه الخلفي ورفض تنفيذها فيصل العرايشي ولم يتم السماح للخلفي بتجاوز المركز السينمائي المغربي.. ثم كيف أخذ الملف جملة وتفصيلا من الوزير ووضع بين يدي نبيل بن عبد الله.. وكل تلك إشارات بأن دفاتر التحملات تتجاوز الخلفي وبنكيران والحكومة، الملف تتداخل فيه أطراف أخرى لها الكلمة الفصل فيما يخص مسار الإعلام بالمغرب، وخاصة التلفزيون. ولا تنسى أن المدير العام لشركة "ميدي 1 سات"، عباس عزوزي، لا يقبل أن تكون القناة تحت أية وصاية حكومية، وهو لا يأخذ رأيه من الخلفي بل من جهة أخرى، وما يصدر عن الخلفي لا يعنيه بالمرّة. لماذا في نظرك هذا التخوف من أن تضع الحكومة يدها على دفاتر تحملات شركات القطب العمومي؟ هناك سؤال آخر أيضا ذو علاقة بسؤالك، وهو لماذا لم يتم لحد الآن إنشاء قنوات خاصة بالمغرب، خصوصا وأن دفتر تحملات تلك القنوات سهل جدا ويمكن أن يجهز في أسبوع؛ السبب بسيط لأن التلفزيون من المستويات التي من الصعب تحريكها في المغرب، وإذا ما حاولتَ ذلك فوِفْقَ إرادة الجهات العليا، المخول لها إعطاء الضوء الأخضر ورسم المسار الذي يجب اتباعه. هل سنشهد إذا السيناريو ذاته مع دفاتر تحملات "ميدي 1 سات"؟ التلفزيون في المغرب مثل الفلاحة، "إيلا طاحت الشتا غيجيب الله التّيسير، وإيلا ما طاحتش بقيتي تما"، وعلى العموم لأكون متفائلا أتمنى من القصر أن يفتح الصنبور قليلا، "وإلا بقيتي تما". وإذا فكر الخلفي في الاشتغال بالطريقة ذاتها في الجولة الأولى من دفاتر التحملات، فستكون النتائج ذاتها لا محالة، فيجب إذا إحضار المتدخلين الذين لهم القول الفصل في الملف. بمعنى إشراكهم؟ لا، بل يجب أن ينتظر منهم الضوء الأخضر ويرسموا له الحدود والمساحة التي يجب أن يشتغل في إطارها، لأن وزير الاتصال يشتغل بدون حدود. أصحاب القول الفصل داخل الشركات الثلاث للقطب العمومي (صورياد دوزيم وSNRT وميدي 1 سات) يطالبون الخلفي والحكومة بعدم المجازفة وتخطي الحدود في التعامل مع دفاتر تحملاتهم.. في غياب تحرير التلفزيون بالمغرب، كيف تقرأ توجه العديد من المغاربة إلى الشبكة العنكبوتية عبر تأسيس مواقع وقنوات على اليوتوب؟ الطبيعة لا تقبل الفراغ، فحين تمنع شخصاً فإنه يذهب صوب البديل، ولما نُعمّم سياسة المنع، فإن الشخص الممنوع يبتدع طرقا أقوى من تلك الممنوعة.. فعدم تحرير التلفزيون يدفع الناس إلى التوجه إلى فضاءات أخرى. كما أن التضييق على الصحفيين دفعهم لإنشاء مواقع الكترونية، لأن الإعلام المكتوب يواجه ضغوطات وإكراهات القوانين والرقابة.. خصوصا وأن الفضاء الالكتروني متحرر من تلك الضغوط والقيود. يجب المعايرة بين تقنين المجال وتنظيمه، فلا يمكن جعل التقنين هو الأصل بوضع خطوط حمراء أمام الناس ومنعهم من ممارسة النشاط، كما يجب وضع حدود دنيا من القوانين لتنظيم المجال، حتى لا تكون هناك عشوائية. لماذا في نظرك التأخر في تحرير التلفزيون المغربي؟ لا زلت أطالب بتحرير التلفزة المغربية، لأنه لا يعقل أن تمر 12 سنة على إنشاء الهيئة العليا للسمعي البصري ولا نرى أية نتيجة في الأمر، لأنه وللأسف هناك لوبيات ومصالح أكبر مما نتصور تقف أمام هذا التحرير. خصوصا وأن المشكل ليس تقنيا، لكنه أكبر من ذلك. إلى أي حد يحترم التلفزيون المغربي التعددية والهوية واللغة.. بمعنى آخر، هل التلفزة المغربية مرآة للمجتمع؟ دائما أنطلق من ثلاثية الإخبار - التثقيف – الترفيه من أجل قياس جودة ومهنية التلفزيون المغربي ومدى احترامه للمشاهد. على مستوى الإخبار، فأنت ترى كيف أن الأخبار راتبة ومقززة ورسمية وفوقية تنزل من الفوق وكأنها كتاب مقدس، نشرات إخبارية ليس لها مدة زمنية للبداية ولا للنهاية، كما أنها باترة للأحداث.. بصفة عامة، فالتلفزيون لا يوصل المعلومات للمواطنين كما ينبغي.. وأنا شخصيا يئست من هذا الجانب، لأني طالبت لأكثر من 15 سنة بضرورة تسوية وضعية الأخبار، لكني لم ألمس تغييرا وتوقفت عن ذلك المطلب. في التثقيف، نقطة الضوء الوحيدة طيلة المدة الماضية كانت استضافة المفكر عبد الله العروي على قناة دوزيم أخيراً، أما ما سوى ذلك فالأمر كارثي. أما علاقة بالترفيه، فحدّث ولا حرج، فبمقياس التلفزيون فإننا نعيش في تركيا أو الهند، فالأمر فظيع ببث مسلسلات تركية وهندية مدبلجة في كل الأوقات من الصباح وحتى الليل.. ناهيك عن غياب المسرح والفن الهادف.. إذا، استنادا على تلك المعايير الثلاثة، فالتلفزيون المغربي لا يعكس مايجري في الواقع ولا يعبر عن تطلعات المغاربة، وبلُغة المواطن البسيط "التلفزيون ماصدقش في المغرب".