مشاهد من حياة بولندا في زمن الحكم الشيوعي، وماضي اضطهاد الأقليات بها في عهد الغزو النازي، عرضها الفيلم بولندي "آيدا" أمام جمهور المهرجان الدولي للفيلم بمدينة مراكش، خلال مشاركته في المسابقة الرئيسية للمهرجان والتي يتنافس على نجمتها الذهبية 15 فيلما. وحضر عرض الفيلم أعضاء لجنة تحكيم دورته الحالية في مقدمتهم المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي إلى جانب عدد من أبطال الفيلم و مخرجه البولندي المقيم في بريطانيا "بافيل بافليكوسكي"والذي اختار تصوير فيلمه "آيدا" بتقنية الأبيض الأسود. وتبدأ أحداث الفيلم حين تشرع بطلته "آيدا" التي لم يتجاوز عمرها ثمانية عشر سنة في اكتشاف أسرار عائلتها لدى زيارتها لخالتها "أوندا"، بعد أن طلبت منها الأم "رئيسة دير الكنيسة" أن تقوم زيارة الخالة قبل أن تقرر "آيدا" بشكل حاسم الإلتحاق بالكنيسة الكاثوليكية ك"راهبة". وعلى عكس الفتاة "آيدا" تعيش خالتها "أوندا" حياة صاخبة، يغيب فيها التدين بشكل كامل، هذه الأخيرة تخبر "الراهبة الصغيرة" بأنها ولدت لأبوين يهوديين قتلا من قبل متطرفين، لتعيش يتيمة بأحدى الأديرة المسيحية. ورفقة خالتها، تنطلق أيدا في رحلة التعرف على ماضيها، وتبدأ في البحث عن قاتل والديها، وعن مكان دفنهما، وتقف على حقائق صادمة تعيد من خلالها ترتيب ذاتها واستعابها لوجودها. حياة "آيدا" وعزمها على دخول في عالم حياة الراهبات ستتغير بعد تعرفها على موسيقي شاب، حيث ستتخلى "أيدا" عن التزامها الديني بتعاليم الكنيسة الصارمة التي تفرضها على الراهبات، وتستبد بها الحيرة بين تعاليم الكنيسة واندفاعها لتعيش حياة طبيعية، وبين انتمائها الكاثوليكي وأصولها اليهودية، لتقرر في نهاية الفيلم، أن تنسى الماضي وتعود إلى الدير ك"راهبة". السياق التاريخي والسياسي الذي تدور في إطاره أحداث الفيلم يعود إلى خمسنيات القرن الماضي، حيث كانت بولندا تعيش فترة الحكم الشيوعي ولم تتعافى بعد من آثار الغزو النازي لها، والذي خلف مآسي واضطهادا للأقليات في البلاد، خاصة اليهود، وهو ما يحاول الفيلم استعادته من خلال قصة آيدا الفتاة اليهودية التي قتل والداها وعاشت يتيمة في دير مسيحي، وبعد بلوغها سن الثامنة عشر وبداية إحساسها بكينونتها تستحضر تفاصيل هذا التاريخ وتعيد اكتشافه. وفي حديث للأناضول قال "بافيل بافليكوفسكي" مخرج الفيلم إنه سعى من خلال قصة الفيلم إلى طرح سؤال الوجود الإنساني، والعوامل الفاعل فيه، كالدين والتاريخ والهوية، ذلك من خلال استدعاء فترة زمنية من تاريخ بولندا كان يرزح خلالها هذا البلد (الموطن الأصلي للمخرج) في ظل الحكم الشيوعي، مبديا أمله أن يلقى الفيلم استحسان الجمهور وأن يكون منافسا قويا في المهرجان. كما يعكس الفيلم، حسب "بافليكوفسكي"، بعضا من جوانب الحياة الثقافية التي عرفتها بولندا خلال زمن الخمسينات، حيث بدأت مظاهر الموسيقى الغربية تنتشر في أوساط هذا المجتمع الشيوعي المغلق حينها، وبدأ المجتمع البولندي يعيد طرح سؤال الهوية من أجل المصالحة مع الماضي. يقول نقاد سينمائيون إن المخرج البولندي سلط ضوء على مرحلة مهمة من التاريخي البولندي والتي اشتدت فيها قبضت الحكم الشيوعي، كما أنه "عالج ببراعة وجرأة، تناقضات الهوية داخل هذا المجتمع وسعيه للملمة جراح الماضي"، فعبر شخصية الفتاة "آيدا" يحاول المخرج "بافليكوفسكي" توضيح العلاقة بين الانتماء العرقي والانتماء الديني، وبين تعاليم الكنيسة ورغبات الإنسان. وكان هذا الفيلم قبل أن يتم عرضه ضمن لائحة أفلام المسابقة الرئيسية خلال الدورة الحالية لمهرجان مراكش، قد نال أيضا عدة جوائز دولية في مهرجانات سينمائية عالمية من بينها جائزة " أفضل فيلم" في مهرجان لندن السينمائي، وجائزة أفضل فيلم في مهرجان وارسو السينمائي. واختار المخرج البولندي " بافليكوفسكي" أن يقوم بتصوير فليمه بتقنية "الأبيض والأسود" ليتناسب مع السياق التاريخي الذي تدور فيه أحداث الفيلم، وهو ما اعتبر نقاد مغامرة استطاع "بافليكوفسكي" النجاح فيها إلى حد بعيد من خلال الاستعانة بموسيقى ومؤثرات أضفت على الفيلم طابعا دراميا مؤثرا"، في المقابل شارك في أداء أدوار الفيلم ممثلون غير معروفون من خارج بولندا من أمثال الممثلة "أغاطا ترزبوشووسكا " و والممثل داويد أوغروديك" و"هالينا سكوكزينسكا" وآخرون. المخرج البولندي "بافل بافليكوفسكي" المقيم في بريطاني بدأ مشواره الفني بإخراج أفلام وثائقية للشبكة البريطانية "بي بي سي" ، حيث حصل سنة 2001على جائزة الأكاديمية البريطانية لفنون الأفلام والتلفزيون، كأفضل مخرج شاب عن فيلمه بعنوان "الملاذ الأخير"، كما حاز فيلمه "موسمي الصيفي للحب" سنة 2005 على جائزة أفضل فيلم بريطاني الذي تمنحه الأكاديمية البريطانية لفنون الأفلام والتلفزيون، وسنة 2011 أخرج "امرأة الدائرة الخامسة" وبعدها بسنتين أخرج فيلمه الرابع "آيدا" والذي يشارك في المسابقة الرسمية لدورة الحالية للمهرجان الدولي للفيلم.