منذ عدة سنوات والخبر يروج حول وجود مسودة لقانون المسطرة المدنية، يتم الإعداد لها، ستحبل بالكثير من التعديلات الكثيرة التي ستمس كيانها وتغير في نصوصها وكثير من توجهاتها ومسلماتها، وحين اطلعنا على آخر مسودة لقانون المسطرة المدنية المحينة في شهر يناير 2022، وجدنا أنها لا تحمل تعديلات مهمة وجديدة بخصوص مسار القضاء الاستعجالي المغربي، ورغم أن قانون المسطرة المدنية يعود إلى مدة تجاوزت أربعة عقود، فهي ظلت في أغلب ما تحويه من نصوص جامدة لا تتجدد بمرور عقد أو عقدين، ونفس المنحى عاشته الفصول المنظمة للقضاء الاستعجالي، ومهمتنا نحن كممارسين وكباحثين هي أن نقترح ونبحث عن ما يغني التعديلات المقترحة في القضاء الاستعجالي أو غيره، ووسيلتنا الوحيدة في ذلك، هي هذه الكتابات التي نخطها هنا وهناك، لكي نزيل مسؤولية الاقتراح عن أكتافنا، ونرميها على رقبة أهل الحل والعقد لكي يعملوا بها أو يختاروا منها المناسب ويتركوا ما لا يستهوي رياح اعتقادهم وإيمانهم. وموضوع مقالنا هذا هو طرح وجد له الطريق في مجموعة من القوانين العربية مثل القانون المصري الأردني والعراقي والسوري، وبعض القوانين الغربية وتم النص على ضرورة أن يحكم فيه القضاء المستعجل فيه، ولكنه مع ذلك ما زال لم يجد له مكانا حمائيا لحق المرأة والأبناء في نفقة مؤقتة يحكم فيها بسرعة قاضي المستعجلات، رغم أن القانون المغربي نص بشكل صريح في مدونة الأسرة سنة 2004 في المادة 190 تنص في فقرتها الأخيرة على ما يلي: (يتعين البت في القضايا المتعلقة بالنفقة في أجل أقصاه شهر واحد). ورغم أن الفصل 179 مكرر من قانون المسطرة المدنية المتمم بمقتضى قانون 03. 72 نص على ما يلي (يبت في طلبات النفقة باستعجال وتنفذ الأوامر والأحكام في هذه القضايا رغم كل طعن. ريثما يصدر الحكم في موضوع دعوى النفقة للقاضي أن يحكم بنفقة مؤقتة لمستحقيها في ظرف شهر من تاريخ طلبها مع اعتبار صحة الطلب والحجج التي يمكن الاعتماد عليها. وينفذ هذا الحكم قبل التسجيل وبمجرد الإدلاء بنسخة منه). ويلاحظ من خلال هذين الفصلين أن إرادة المشرع متجهة ولو بشكل محتشم وغير حاسم إلى جعل البت في قضايا النفقة يتم بسُرعة توازي سُرعة البت في القضايا الاستعجالية، بل نفس السرعة حث عليها في تنفيذ أحكام النفقة، وجعل تنفيذها يمكن أن يكون على أصل الحكم دون حتى انتظار تنفيذه، وأشار في الفصل 179 مكرر من قانون المسطرة المدنية إلى عبارة الأوامر، والأوامر كما نعلم هي ما يصدر عن القضاء الاستعجالي من أحكام، فهل كان المشرع يقصد أن من حق المرأة أن تتوجه إلى القضاء الاستعجالي للحصول على أوامر مؤقتة بالنفقة خلال مدة شهر، فهذا ما يظهر من خلال كلمات النص ومعانيه الواضحة، لكن كل مغامرة للتوجه للقضاء الاستعجالي أمام المحاكم المغربية للحصول على نفقة مؤقتة اعتمادا على الفصل 179 مكرر من المسكرة المدنية لن تلقى ترحيبا وتفهما من هذا القضاء، لأن القضاء الاستعجالي في المغرب عودنا على أن أغلب قضاته يحيطون سياجه بقيود قانونية وقياسية كثيرة، تحد من حدوده وتُصغرها لدرجة كبيرة، وفي بعض الأحيان قد تكون فرامل هذا القضاء ذاتية تنحوا معه إلى التخلص من هذه الدعاوى برمي الكرة لقضاء الموضوع عوض البت فيها وتوسيع اختصاص القضاء الاستعجالي رغم توفر شروطه في بعض هذه القضايا. فيبقى القضاء الذي يمكن أن يلجأ إليه كل طالب نفقة دون أن يواجه بعدم الاختصاص هو قضاء الموضوع. ولكن واقع الحال قد يجعل ملف نفقة يُفتح أمام قضاء الموضوع لا يساير رؤية المشرع في ما نص عليه من نصوص أشرنا إليها أعلاه، فعمل المحاكم في هكذا قضايا يتميز ببطء شديد في قضايا النفقة التي تتعلق بالزوجة أو المطلقة وأبنائها، فقد يُحكم في ملف نفقة بعد أكثر من سنة، بفعل عدم توصل الزوج المدعى عليه أو إجراء بحث في الملف. والتنصيص على فكرة الاستعجال والأوامر في قضايا النفقة مع جعل الاختصاص للبت فيها موكول لقاضي الموضوع، حسب ما هو جار به العمل ومن حق قضاء الاستعجال حسب المحسين بروح الفصل 179 مكرر، لن يحل المشكلة بالأساس، لأن عقلية قاضي الموضوع مبرمجة على قواعد ومساطر لا تمكنه من البت بسرعة في هذه القضايا، والمعالجة المطلوبة في هذه الملفات هو أن يتم التنصيص بكل وضوح على اختصاص القضاء الاستعجالي في قضايا النفقة، ونبدأ مثلا في قضايا النفقة المتعلقة بزوجة وأبنائها ما زالت في عصمة زوجها ولم تطلق بعد، فكثير من النساء يمتنع الزوج عن الإنفاق عليها وعلى أبنائها وهي ما زلت في عصمته، وهذه الزوجة تحتاج إلى نفقة يُحكم فيها بشكل مستعجل لكي تقوم بالإنفاق على نفسها وأبنائها وعلى تمدرسهم وحاجياتهم اليومية، والتي لا يمكن معها أن ينتظروا ليوم واحد، فما بال قضائنا يجعل الزوجة أو الأبناء ينتظرون عدة أشهر لكي يحكموا لهم بالنفقة وبعدها تبدأ مرحلة التنفيذ التي قد تكون أطول وفي بعض الأحيان بدون فائدة، وحين يتم الحكم قد يصدر الحكم بتوجيه اليمين إلى الزوج بعد ادعائه بأنه كان قائم الإنفاق عليهم عن المدة السابقة، فيكفيه ادعاء الإنفاق وتوجه له المحكمة اليمين لكي يتحلل من نفقة الزوجة والأبناء. فالاعتماد في الحكم بطرق عمل السلف، في وقت غاب فيه الضمير وأصبحت اليمين متعة ينتظره بعض الأزواج أن تحكم بها المحكمة لكي يؤدوها، ويحلفون بالإنفاق على أبنائهم وزوجاتهم وهم كاذبون، فقواعد الإثبات المعتمدة في مثل هذه الدعاوى يجب أن نعيد النظر فيها، ونغيرها بأخرى صالحة لعصرنا ومشاكل عصرنا وإنسان عصرنا. ومن واجب مشرعنا ودولتنا وهي تتكلم صباح مساء، عن حقوق المرأة والأطفال وتنضم إلى الاتفاقيات التي تحمي حقوقهم، أن تلحق بركب دول سبقتنا في التنصيص على حق المرأة والأبناء في اللجوء إلى القضاء المستعجل للحصول على نفقة مؤقتة لهم تبتدئ من تاريخ الطلب وينتهي حكمها بعد صدور حكم في الموضوع يحدد مبلغها بدقة، ولكن يجب التنصيص على أن المدة المحكوم بها من طرف القضاء الاستعجالي إلى غاية التنفيذ وصدور حكم في الموضوع، تكون محصنة لا يمكن أن يمسها حكم الموضوع في مدتها أو تنفيذها أو المبلغ المحكوم بها، ويمكن للمرأة والأبناء فقط أن يستفيدوا من حكم الموضوع فقط الذي يرفع من واجب نفقة الحكم الاستعجالي وينفذوا ما زاد عليه، حتى ولو استغرقت المدة التي حكم فيها القضاء الاستعجالي. والمادة 220 من مسودة مشروع المسطرة المدنية لا تحمل لنا جديدا بخصوص منح الحق للزوجة والأبناء في اللجوء للقضاء الاستعجال للحصول على نفقة مؤقتة يأمر بها القاضي الاستعجالي. وإذا كان من أهم أهداف القضاء الاستعجالي، هو توفير الحماية الوقتية العاجلة لبعض الحقوق، فهل هناك حق أفضل وأدعى لحمايته والأمر به بشكل مستعجل من نفقة زوجة وأبناء لا معيل لهم توقف الزوج عن الإنفاق عليهم. لذلك فنحن نقترح أن تضاف للمادة 220 من مسودة قانون المسطرة المدنية الفقرة التالية: (يمكن للزوجة والأبناء، أن يطلبوا أمام القضاء المستعجل البت في تحديد نفقة مؤقته لهم يبدأ سريان احتسابها من تاريخ الطلب إلى حين تنفيذ صدور حكم نفقة في الموضوع، ويكون المبلغ ومدة النفقة المحكوم بها استعجاليا والمنفذة محصنة من كل تغيير أو استرداد، ويجوز فقط استئناف الأمر المحدد لها، إثبات أن النفقة المؤقتة أمام القضاء المستعجل لا يكون إلا بتحويلات مالية موثقة).