سئل الفلاسفة القدماء: هل الحق متعدد أم واحد؟ فأجابوا: الحق النظري متعدد، لكن الحق العملي واحد. إن المحافظة على هذا الحق ومنح المتقاضي فرصة كافية ومعقولة للدفاع عنه لا يستلزمان العجلة في إصدار الأحكام، بل التروي والخضوع لشكليات وضوابط إجرائية لا مفر منها، ابتداء من استقصاء أوجه الدفاع وفحص أدلتهم، مرورا بسماع بياناتهم، وصولا إلى البت في قضاياهم، الأمر الذي يتطلب وقتا طويلا، كثيرا ما يستغله البعض لإخفاء الأشياء المتنازع عليها، فيتسبب ذلك في ضياع الحق المراد حمايته. لهذه الأسباب، ظهر نوع جديد من القضاء، ألا وهو قضاء الرئيس، دورُه الوحيد البت فيه بالسرعة المنشودة واختصار المواعيد المحددة لطبيعته؛ فكلما تم الحديث عن قضاء الرئيس إلا وانصرف الذهن أساسا إلى رئيس المحكمة، سواء المحكمة الابتدائية وفقا للضوابط المسطرية المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية أو المحكمة التجارية وفقا للقانون المحدث للمحاكم التجارية أو المحكمة الإدارية وفقا للقانون المحدث لها، ذلك أن هذا الرئيس أضحى يشكل جهة إدارية وقضائية مستقلة، ذات اختصاصات متنوعة وواسعة. غير أن الذي يهمنا في هذا السياق هو اختصاصات رئيس المحكمة التجارية في شركات المساهمة، وما يتبع ذلك من إشكالات متعددة ومتشعبة، إذ تبدأ من الإشكال المتعلق بالخصوصية التي أتى بها قانون شركات المساهمة المغربي في منح رئيس المحكمة التجارية مجموعة من الاختصاصات بنص خاص؟ ثم ما هو الاستثناء الذي أتى به القانون المحدث للمحاكم التجارية في الشق المتعلق باختصاصات الرئيس؟ هل الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تكرار للمسطرة المتبعة في قانون المسطرة المدنية أم إن الأمر يتعلق بضوابط وأحكام مختلفة ومتميزة؟ ثم لنفترض جدلا أن قانون شركات المساهمة المغربي أعطى مجموعة من الصلاحيات الجديدة لرئيس المحكمة التجارية في القيام بالدور الرقابي على شركات المساهمة، فهل تطبق نفس الإجراءات -المتعلقة برفع الطلب والنظر والبت فيه- المعروفة في قانون المسطرة المدنية على قانون شركات المساهمة المغربي أم إن قانون إحداث المحاكم التجارية أتى بضوابط ومقتضيات مختلفة كالمسطرة الكتابية وضرورة رفع الدعوى من طرف محام، وإعطاء آجال جديدة للطعن ومقتضيات مختلفة في مجال التنفيذ، ناهيك عن تقزيم بعض الشروط المرتبطة بمناط اختصاص رئيس المحكمة حينما يبت بصفته قاضيا للمستعجلات؟ ثم ما الفائدة من سن هذه الضوابط وهذه المقتضيات الجديدة إذا كان الأمر لا يعدو أن يكون مجرد إحالة على القواعد العامة في شقها الإجرائي، على اعتبار أن القانون المحدث للمحاكم التجارية يحيل، في كل ما لم يرد بشأنه نص خاص، على قواعد قانون المسطرة المدنية؟ وهل تعيين المتصرف المؤقت من طرف رئيس المحكمة التجارية في شركات المساهمة ينضوي تحت إطار قواعد الحراسة القضائية أم إن الأمر خلاف ذلك؟ إن الحديث عن تدخل رئيس المحكمة التجارية في شركة المساهمة يستلزم تناوله من خلال الاختصاصات الولائية والقضائية المنصوص عليها بنصوص خاصة، وما تطرحه هذه الاختصاصات من إشكالات نوردها تباعا: - إذا كانت مسطرة تسوية عيوب تأسيس شركة المساهمة -المنصوص عليها في المادة 12 من قانون شركات المساهمة- من اختصاص رئيس المحكمة التجارية بصفته تلك، فإن المشرع المغربي لم يورد في المادة المومإ إليها أعلاه الإجراءات المسطرية الكفيلة بتطبيق سليم لهذه المادة، على اعتبار أن نصا واحدا غير كاف للإلمام جيدا بتسوية عيوب تأسيس شركة المساهمة، ذلك أن المشرع لم يمنح الاختصاص -حسب هذه المادة- لرئيس المحكمة التجارية بصفته الولائية صراحة، بل استنتجنا ذلك من خلال دلالة الإشارة المعتمدة في استنباط الحكم القانوني للنص محل الدراسة. ونتمنى أن يعيد المشرع المغربي صياغة المادة 12 من قانون شركات المساهمة على النحو الذي يمنح بموجبه الاختصاص لرئيس المحكمة التجارية بصفته تلك صراحة، وكذا تبيان كيفية اللجوء إلى هذا الرئيس عبر إبراز طريقة تقديم طلب التسوية دون الرجوع إلى القواعد المنصوص عليها في القانون المحدث للمحاكم التجارية وقانون المسطرة المدنية. - إذا كانت بعض المواد المضمنة في قانون شركات المساهمة تمنح رئيس المحكمة التجارية، بصفته قاضي الأمور المستعجلة، مجموعة من الاختصاصات بنصوص خاصة، فإن هذه الاختصاصات تعتبر عندنا حالات شاذة -على الأقل من وجهة نظرنا- على أساس أن هذه الاختصاصات عملت على تقزيم الشروط المتعارف عليها كمناط لاختصاص القضاء الاستعجالي من عنصر الاستعجال وعدم المساس بالجوهر. ذلك أنه حينما تنص مادة من المواد على أن رئيس المحكمة التجارية هو المختص بصفته قاضيا للأمور المستعجلة، إنما تقصد من وراء ذلك أن عنصر الاستعجال كمناط لاختصاص هذا القاضي هو عنصر مفترض، بمعنى أن قاضي المستعجلات مختص بقوة القانون ودون البحث في مدى توفر الشروط الموضوعية للقضاء الاستعجالى من عدمه. - إذا كان المشرع المغربي قد أعطى رئيسَ المحكمة التجارية -بصفته قاضي الأمور المستعجلة- مجموعة من الاختصاصات في قانون شركات المساهمة، فإن مجموعة من الإجراءات المسطرية لم يتم التنصيص عليها أثناء مباشرة هذه الاختصاصات، كما هو الشأن بالنسبة إلى المسطرة التواجهية التي تفتقر إليها جل النصوص القانونية المنظمة لاختصاص قاضي المستعجلات، اللهم إذا استثنينا المادة 157 من قانون شركات المساهمة التي تحدثت -ولو باحتشام- على المسطرة التواجهية حينما يتم تعيين خبير التسيير من طرف قاضي الأمور المستعجلة بناء على طلب مساهم أو مساهمين يملكون ما لا يقل عن عشر رأس مال شركة المساهمة. - إذا كان قانون شركات المساهمة المغربي قد أعطى الحق لمجلس القيم المنقولة بتقديم طلب إلى قاضي الأمور المستعجلة بغية استصدار أمر استعجالي لتجريح مراقبي الحسابات إذا كانت الشركة تدعو الجمهور إلى الاكتتاب، فإن المشرع المغربي لم ينتبه إلى أن هذا الأمر هو مجرد تكرار واجترار لما تم التنصيص عليه في القانون المنظم لهذا المجلس، حيث يتوفر هذا القانون -القانون المتعلق بمجلس القيم المنقولة- على نص خاص يقضي بمنح مجلس القيم المنقولة حق تجريح مراقب أو مراقبي الحسابات أمام رئيس المحكمة التجارية. فلماذا هذا التكرار؟ هل هو سهو من المشرع أم إن الأمر مرتبط بعدم تحيين بعض النصوص القانونية التي مازالت تعرف بعض التقاطعات والتداخلات التي من شأنها أن تخلق نوعا من اللبس القانوني لدى الباحث. - إذا كان قانون شركات المساهمة قد خول للأطراف -المساهمين أو الأغيار- الطعن في الأوامر الاستعجالية الصادرة عن قاضي الأمور المستعجلة، وذلك بغية منحهم درجة ثانية من التقاضي، فلماذا منعهم في بعض النصوص الأخرى من سلوك هذه الوسيلة المتمثلة في الطعن، وذلك باستعماله عبارة "إن قرار قاضي الأمور المستعجلة غير قابل للطعن"، أليس ذلك خروجا عن القواعد العامة في التقاضي أم إن الأمر مرتبط بحماية بعض المراكز القانونية في شركات المساهمة؟ - إذا كانت مسطرة تعيين المتصرف المؤقت من اختصاص قاضي الأمور المستعجلة وفقا لأحكام الحراسة القضائية، فإن شروط هذه الحراسة لم تعد تسعفنا في طلب تعيين هذا المتصرف، خصوصا وأن القضاء الفرنسي عرف تطورا كبيرا في الحالات الموجبة لتعيين المتصرف المؤقت، بمعنى آخر فإن الموجب القانوني وراء اعتماد مؤسسة المتصرف المؤقت لم يبق هو توقف أجهزة تسيير شركة المساهمة عن مزاولة مهامها، بل تعداه إلى درجة أنه يمكن تعيين هذا المتصرف ولو أن هناك استمرارية في تسيير شركة المساهمة. مما يفيد بأن المشرع المغربي ملزم بتحيين نصوص قانون شركات المساهمة على النحو الذي يؤدي إلى تطويعها بعض النصوص المنظمة لمؤسسة المتصرف المؤقت، كمدونة التأمين والقانون المتعلق بمؤسسات الائتمان والهیئات المعتبرة في حكمها. - إذا كان رئيس المحكمة التجارية بصفته قاضي الأمور المستعجلة يعمل على تعيين وكلاء قضائيين بنصوص خاصة وفقا لقانون شركات المساهمة، وذلك من أجل دعوة الجمعية العامة إلى الانعقاد أو من أجل تمثيل كتلة حاملي الأسهم المشاعة وغيرها من الحالات التي تستوجب هذا التعيين، فلماذا سكت المشرع على النظام القانوني المطبق على هؤلاء الوكلاء؟ هل يخضعون لأحكام الوكالة القضائية كما هي متعارف عليها في باب القواعد العامة أم إن القرار الاستعجالي القاضي بتعيينهم هو المخول له تحديد النطاق القانوني لمهامهم وأتعابهم؟ - بتحليلنا لمسطرة تعيين خبير التسيير وفقا للمادة 157 من قانون شركات المساهمة، ألا يمكن القول إن هذه المادة لم تأت بالضوابط والإجراءات المسطرية الكفيلة بتطبيق سليم لخبرة التسيير، على أساس أن هذه المادة تفتقر إلى مجموعة من الأمور المرتبطة بهذه الخبرة، حيث يتم الرجوع إلى القواعد العامة في ما يتعلق بالخبرة كإجراء من إجراءات التحقيق المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية. لذلك كان لزاما على المشرع المغربي أن يوضح لنا الآليات القانونية المتحكمة في خبرة التسيير كإجراء يحمي أقلية المساهمين ويواجه الأغلبية المتعسفة في قراراتها، دون الاقتصار على نص واحد ووحيد لم يسعفنا في معرفة الكيفية التي تتم بها هذه الخبرة. - كان الهم الذي يراودنا ونحن نناقش موضوع تدخل رئيس المحكمة التجارية في شركة المساهمة، هو إبراز خصوصية القضاء الاستعجالي في مادة الشركات عموما وشركة المساهمة خصوصا، غير أن الأمر خلاف ذلك. على أساس أن هذه الخصوصية المتحدث عنها لم نلمسها أثناء معالجتنا لهذا الموضوع إلا لماما، ربما لأن القانون المحدث للمحاكم التجارية لم يأت بجديد في الشق المتعلق بقضاء الرئيس، الأمر الذي كان له انعكاس على هذه المؤسسة في شركات المساهمة حينما منحها المشرع مجموعة من الاختصاصات بنصوص خاصة، أو لأن خصوصية المادة الاستعجالية في القواعد النظامية لقانون شركات المساهمة تستلزم بالضرورة الخروج عن المبادئ المتعارف عليها في القضاء الاستعجالي كمناط لاختصاص رئيس المحكمة التجارية. سهيل حبوب *باحث