حدد القانون المحدث للمحاكم التجارية القواعد العامة للتقاضي أمام هذه المحاكم، وهي قواعد تخص جميع المتقاضين يتعين على الكل احترامها سواء فيما يتعلق بالاختصاص النوعي أو المكاني وكذا قواعد المسطرة أمام هذه المحاكم. إن الحديث عن إجراءات التقاضي أمام المحاكم التجارية يقتضي بالضرورة تحديد اختصاص هذه المحكمة كما تناولته المادة 5 من قانون 53.95 إذ أن هذه المحاكم باعتبارها محاكم خاصة بالمنازعات التجارية فلا تختص سوى بالمنازعات التي خصها بها المشرع على سبيل الحصر دون غيرها، إذ جاء في المادة أعلاه: إن المحاكم التجارية تختص بالنظر في: - الدعاوى المتعلقة بالعقود التجارية؛ - الدعاوى التي تنشأ بين التجار المتعلقة بأعمالهم التجارية؛ - الدعاوى المتعلقة بالأوراق التجارية؛ - النزاعات التي تنشأ بين شركاء في شركة تجارية؛ - النزاعات المتعلقة بالأصول التجارية. ومن جهة أخرى فإن المادة 61 من نفس القانون حددت الاختصاص القيمي لهذه المحاكم في مبلغ 00،20.000 درهم. وبذلك يتبين أن اختصاص المحاكم التجارية ينعقد للبت في النزاعات المتعلقة بالأعمال التجارية الأصلية وبالأعمال الشكلية أو التبعية، أي يتعين للقول باختصاص المحكمة التجارية تحديد طبيعة العمل التجاري موضوع النزاع. وفي هذا الإطار جاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 1999.07.22 في الملف عدد 1182/99/9 «أنه بالرجوع إلى أوراق الملف يتجلى على أن الطرف المستأنف أبرم عقد التأمين بمناسبة العمل الذي يمارسه والذي يتجلى في تجارة مواد البناء. وحيث أنه إذا كان إبرام عقد التأمين مع المستأنف عليها يشكل في حد ذاته عملا مدنيا، إلا أنه نظرا لصدوره عن التاجر على اعتبار أن المستأنفين يمارسون تجارة مواد البناء وارتباطه بهذا العمل التجاري فإنه يكتسب الصفة التجارية بالتبعية. تطبيقا لقاعدة أن الفرع يتبع الأصل». ومن جهة أخرى، فإن المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 5 أعلاه، أجاز الاتفاق بين التاجر وغير التاجر على إسناد الاختصاص للمحكمة التجارية فيما ينشأ بينهما من نزاع بسبب عمل من أعمال التاجر. إلا أنه في حالة عدم وجود هذا الاتفاق فإن السؤال الذي يثار هو ما إذا كانت هذه المحاكم لا تختص إلا في حالة وجود هذا الاتفاق أم يجوز للمدعى غير التاجر اللجوء مباشرة إلى المحاكم التجارية بخصوص الأعمال المختلطة. من خلال العمل القضائي للمحاكم التجارية يتبين أنه لا إشكال في حالة كون المدعى عليه تاجرا لأن الذي يهم هنا هو المركز القانوني للمدعى عليه، إذ يكون للمدعي المدني الخيار بين اللجوء إلى القضاء المدني أو القضاء التجاري لمقاضاة المدعى عليه التاجر. وفي هذا الاتجاه ذهبت محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء، في القرار الصادر بتاريخ 18-3-1999 تحت عدد 317/99 في الملف عدد 232/99/10 أنه: حتى على فرض أن المستأنف ضده شخص مدني فإن له الخيار في اللجوء إلى محكمة الطاعنة التي لم تنازع في صفتها التجارية بحكم أنها شركة مساهمة تخضع لمقتضيات الفقرة الأولى من المادة الأولى من قانون 95-17 المتعلق بشركات المساهمة......... وبما أن الطاعنة تاجرة وقد ارتكبت أفعالا حسب زعم المستأنف ضده بمناسبة نشاطها التجاري فإن الاختصاص يكون منعقدا للمحكمة التجارية». أما إذا كان المدعى عليه طرفا مدنيا فإن مآل النزاع يرتبط بإرادته، ففي حال قبوله بالمنازعة أمام المحكمة التجارية دون إثارة الدفع بعدم الاختصاص، فإن هذا الرضا ينزل منزلة الاتفاق المنصوص عليه في الفقرة الأخيرة من المادة 5 أعلاه، أما إذا رفض ذلك وأثار الدفع بعدم اختصاص المحكمة التجارية، فإنه في هذه الحالة يتعين التصريح بعدم الاختصاص، وعلى المدعي التاجر اللجوء إلى المحكمة المدنية لمقاضاته.. وفي هذا الإطار جاء في قرار لمحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 1998.11.5 في الملف عدد 10.98.413: «حيث أنه بالرجوع إلى العقد المبرم بين الطرفين فإنه يتعلق ببناء فيلا... وأن هذا العقد إذا كان يعتبر عملا تجاريا بالنسبة للمدعية فهو عمل مدني بالنسبة للمدعى عليه خاصة وأن المستأنفة لم تدل بأية حجة تثبت اعتياد المستأنف ضده شراء العقارات قصد تغييرها وإعادة بيعها، مما يعتبر معه العمل مختلطا ينعقد الاختصاص للنظر فيه إلى محكمة المستأنف ضده الذي يعتبر العمل بالنسبة إليه عملا مدنيا». حالة أخرى فإن النزاع قد يتضمن جانبا مدنيا، إذ يحصل أن يكون النزاع في مجموعه بين تاجرين وبخصوص أعمالهما التجارية إلا أنه يتضمن جانبا مدنيا، المثال على ذلك عقود القرض المبرمة بين تاجرين التي تعرف تدخل طرف مدني باعتباره كفيلا، علما أن عقد الكفالة عقد مدني وبالتالي فإن الضامن قد يثير دفعا بعدم اختصاص المحكمة التجارية بعلة أنه غير تاجر. لهذا تدخل المشرع في المادة 9 من القانون المحدث للمحاكم التجارية ونص على أنه: «تختص المحكمة التجارية بالنظر في مجموع النزاع التجاري الذي يتضمن جانبا مدنيا.» * مقاطع من عرض للأستاذ حسن الحضري قاضي بالمحكمة التجارية بالرباط