انطلاقا من مبدأ المشروعية المكرس دستوريا فان المشرع أخضع أعمال الإدارة إلى رقابة القضاء، و منه فان كل مواطن يشعر بأنه متضرر من التصرفات المادية أو القانونية للإدارة أن يلجأ إلى القضاء الإداري لمقاضاتها بموجب دعوى قضائية متبعا في ذلك إجراءات خاصة. بيد أنه عند إتباع الإجراءات العادية في مقاضاة الإدارة فذلك قد يستغرق وقتا طويلا ليفصل في الدعوى مما يؤدي إلى ضياع الحق المراد حمايته أو يترتب عن ذلك ضرر، كما أن الإدارة تكون شرعت في تنفيذ قرارها، الأمر الذي يجعل المشرع يضع إلى جانب إجراءات القضاء العادي إجراءات القضاء المستعجل، باعتبار أن إجراءات التقاضي العادية لا يمكنها أن تحفظ بعض الحقوق و المراكز القانونية التي تحتاج إلى إجراءات استعجاليه من خلال سلوك مسطرة مستعجلة و محكمة تكفل حقوق المتقاضين بعيدا عن كل الإجراءات البطيئة الذي قد يتخذها البعض أحيانا لإخفاء الأشياء المتنازع عليها أو لطمس بعض المعالم المهمة، مما يتسبب معه ضياع للحقوق لذلك أنشأ المشرع المغربي القضاء الإستعجالي لينظر بصفة مؤقتة في بعض الأمور التي يخشى عليها من فوات الوقت. و القضاء الإستعجالي هو فرع من فروع القضاء المدني تظهر الحاجة إليه عندما تتعرض حقوق أحد المتقاضين إلى خطر يمكن أن يؤدي إلى ضرر حقيقي و نهائي، و إذا ترك أمر البث فيها لإجراءات التقاضي العادي سيطول أمدها، ولم يتم الاتفاق على تعريف واضح للقضاء المستعجل حيث تعددت التعاريف التي صيغت له، لاسيما إزاء صمت المشرع عن ذلك فقيل بأنه إجراء مختصر و استثنائي يسمح للقاضي باتخاذ قرار وقتي في المسائل المتنازع عليها، و التي لا تحتمل تأخيرا في إصدار قرار بدون حصول ضرر”[1] و قيل بأنه ” قضاء مؤقت لا يفصل في موضوع الحق و إنما يؤمر فيه بإجراءات وقتية يرى القاضي وجوب اتخاذها، و لا يكون لها قوة الشيء المحكوم به بل يجوز نقض أثرها فيما بعد بواسطة حكم من المحكمة التي تنظر موضوع حقوق الطرفين و تحكم فيه فيه بحسب الطرق المعتادة”. و قد اعتبر بعض الفقهاء أن القضاء الإستعجالي اكتشاف حديث بالمقارنة مع القضاء العادي إذ يرجع إلى اجتهادات الفقهاء الفرنسيين في أواخر القرن 17 والبعض الأخر اعتبر أنه فكرة أبدعها الفكر القانوني الإسلامي الذي كان له السبق في هذا، لأن الفكر الغربي يرجع أصل القضاء الإستعجالي إلى 1685 فإن الإمام الماوردي كان له السبق في ذلك من خلال كتابه أدب القاضي في معرض بحث زمان القضاء حيث قال” فان وردت فيما عداه أحكام خاصة لم يؤخرها إن أضرت…”، فكان الفقه الإسلامي سباقا في الانتباه لفكرة الضرر الناتج عن تأخير البث في المنازعة و سمح للقاضي بالبث في المستجدات التي لا يمكن تأخير النظر فيها متى كان من شأن هذا التأخير إلحاق الضرر بأحد الطرفين. وإذا كان المشرع المغربي مثله مثل باقي التشريعات الأخرى المشرع السوري و المصري لم يتعرض لتعريف القضاء الإستعجالي، ولم يعرف مسطرة استعجاليه مدونة بشكلها القانوني الحديث إلا مع صدور ظهير 12 غشت 1913، باعتباره قانونا للمسطرة المدنية في بابين ، الأول و الثاني من القسم الخامس، و لم يتم تعميمه إلا مع صدور ظهير التعريب و التوحيد و المغربة ل 1966، و هو ما تم تكريسه في قانون المسطرة المدنية لسنة 1974، خصص له الباب الثاني الفصول 148 و154 ليتم بعدها التنصيص عليه فيما بعد في المادة 19 و 38 من القانون رقم90. 41 المحدث للمحاكم الإدارية، و يظهر من أن المشرع لم يشترط الأقدمية في القضاة مباشرة القضاء المستعجل نيابة عن رئيس المحكمة الإدارية عكس ما نص عليه الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية، كما أنه بإمكان رئيس المحكمة الإدارية اختيار من يراه أقدر على مباشرة الاختصاص الإستعجالي نيابة عنه خلافا لقانون المسطرة المدنية الذي حدد من ينوب عن الرئيس. إلا أن هناك إشكالا يتجلى من خلال الاختصاص في الاستئناف، هل هو رئيس المحكمة الإدارية باعتباره الجهة المذكورة في المادة 19 أم أن الاختصاص يعود إلى المجلس الأعلى باعتبار المادة 46من القانون المنظم للمحاكم الإدارية يعتبره محكمة إستئنافية في كل ما يستأنف من أحكام إدارية، و الجواب على هذا السؤال يحيل أنه بعد أن كان المجلس الأعلى هو المسند إليه الاستئناف، إلا أن صدور قانون محاكم الاستئناف الإدارية في فبراير 2006 جعل الأمر ممنوحا لهذه المحاكم، حيث أنه في المادة 6 منه أعطى للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية أو لمن ينوب عنه صلاحية ممارسة القضاء الإستعجالي متى كان النزاع معروضا على محكمته، إن هذا الإطار التاريخي يبرز و من دون شك تمسك جل النظم القضائية بالقضاء المستعجل، و هذا يرجع إلى أن الدعوى الموضوعية التي تنظر بالطرق العادية تحتاج إلى وقت طويل لتحقيق أهدافها و الفصل فيها بحكم جائر النفاذ. فالقضاء الإستعجالي هو الفصل في المنازعة التي يخشى عليها فوات الوقت فصلا مؤقتا لا يمس بأصل الحق و إنما يقتصر على الحكم باتخاذ إجراء وقتي ملزم للطرفين بقصد المحافظة على الأوضاع القائمة أو احترام الحقوق الظاهرة أو صيانة مصالح الطرفين المتنازعين، وهو أيضا فرع متميز و مستقل عن العمل القضائي العادي و عن التنفيذ القضائي و ذو مسطرة مختصرة و استثنائية و سريعة و مصاريف قليلة، يسمح لمدع برفع دعوى استعجاليه أمام قاض يعرف بقاضي الأمور المستعجلة يختص بالبث بصورة مؤقتة و دون المساس بالموضوع في كل نزاع يكتسي صبغة الاستعجال. و يكتسي موضوع القضاء الإستعجالي أهمية عملية تبرز من خلال المكانة التي أصبح يتبوؤها في المنظومة القضائية بصفة عامة و القضاء الإداري بصفة خاصة، كما أن السرعة في البت في الدعاوى و المنازعات التي ترفع أمام القضاء تعتبر إحدى الأهداف التي يسعى إليها إصلاح القضاء من أجل التعجيل بإصدار أحكام خشية الإضرار بحقوق أحد المتقاضين و تعرضها إلى خطر نهائي. لمعالجة هذا الموضوع ارتأينا ضرورة تحليل المقتضيات القانونية المنظمة لمؤسسة القضاء الإستعجالي بغية الوقوف على أهم القواعد العامة المنظمة له و الشروط الواجب توفرها من أجل الترافع أمام قاضي المستعجلات سواء أكانت شكلية و التي تهم طبيعة المقال و رافع الدعوى، و أخرى موضوعية تهم لزوم الاستعجال و عدم المساس بالجوهر، و ماهو مجال ممارسة الطلبات الإستعجالية للجماعات الترابية؟ لذلك سنعالج موضوعنا من خلال ما يلي: المبحث الأول: خصوصيات القواعد العامة للقضاء الإداري الإستعجالي للجماعات الترابية المبحث الثاني: مجال ممارسة الطلبات المستعجلة ضد الجماعات الترابية المبحث الأول: خصوصيات القواعد العامة للقضاء الإداري الإستعجالي للجماعات الترابية القضاء المستعجل هو الآلية التي تروم تحقيق الحماية الفعالة لحقوق الأفراد و إن كانت مؤقتة، و إذا كان القضاء الإستعجالي الإداري يجد أساسه و أصله في قواعد الاستعجال المدني بحكم إحالة المادة 7 من قانون رقم 41.90 على قانون المسطرة المدنية، فإن المشرع المغربي كباقي التشريعات قد سيج الدعوى الإستعجالية بشروط شكلية باعتبار أنها استثناء من القاعدة فينبغي أن تمارس ضمن حدود معينة و داخل إطار ضيق، فهنالك مجموعة من الشروط اللازم توفرها من أجل أن يبت القاضي في تلك المنازعة و يعتبرها منازعة استعجاليه، هذه الشروط يمكن إجمالها في شروط شكلية تتعلق بطبيعة المقال و رافع الدعوى (المطلب الأول)، و أخرى موضوعية تتعلق بشرط الاستعجال الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية و شرط عدم المساس بأصل الحق الفصل 152 و يطبق البعض شرطا ثالثا و هو لزوم الاختصاص، فهي شروط ضرورية إذا توفر أحدها دون الآخر زال اختصاص قاضي المستعجلات و انتقلت الدعوى إلى اختصاص المحكمة. المطلب الأول: الشروط الشكلية لاختصاصات القضاء المستعجل و يقصد بها البيانات التي يتعين الالتزام بها في الطلب الرامي إلى رفع الدعوى المستعجلة أمام القضاء الإداري، فهو من يتولى البحث في تحقق هذه الشروط من عدم توفرها، و إن تبين له توفر تلك الشروط في الدعوى المرفوعة أمامه حكم فيها بصفة مستعجلة، أما في حالة افتقار الدعوى لتلك الشروط فالقاضي له الحق في رفض الطلب، و تنقسم هذه الشروط إلى شروط خاصة بطبيعة المقال و أخرى برافع الدعوى. أ- طبيعةالمقال لقد نص المشرع وجوبا على أن الدعوى يجب أن تكون كتابية بواسطة مقال مكتوب و أية دعوى خارجة عن المسطرة الكتابية لا تقبل و للقاضي رفضها، كما أن هذا المقال يجب أن يقدم من طرف محام مسجل في جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب ويحمل توقيعه و هو ما نصت عليه المادة 4 من قانون41.90، و هو هنا قد اتبع فلسفة مغايرة لتلك التي اتبعها في قانون المسطرة المدنية الذي ينص في الفقرة الأولى من الفصل 31[13] و هو هنا يكون قد أغلق الباب في وجه المسطرة الشفوية للمادة الإدارية[14]، برغم الاستثناء المنصوص عليه في رفع الدعوى في اللوائح الانتخابية الذي يكمن تقديمه بجرد تصريح فقط. يضاف إلى شرط الكتابة هذا شرط شكلي آخر يتمثل في ضرورة احترام مقتضيات الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية المعدل في 03 فبراير 2004، الذي ينص على أن المقال يجب أن يتضمن الاسم العائلي والشخصي وصفة أو مهنة وموطن أو محل إقامة المدعى عليه والمدعي، وكذا عند الاقتضاء أسماء وصفة وموطن وكيل المدعي، وإذا كان أحد الأطراف شركة وجب أن يتضمن المقال أو المحضر اسمها ونوعها ومركزها، كما يجب أن يبين بإيجاز في المقالات والمحاضر علاوة على ذلك موضوع الدعوى والوقائع والوسائل المثارة، وترفق بالطلب المستندات التي ينوي المدعي استعمالها عند الاقتضاء مقابل وصل يسلمه كاتب الضبط للمدعي، يثبت فيه عدد المستندات المرفقة ونوعها و إذا قدم الطلب بمقال مكتوب ضد عدة مدعى عليهم، وجب على المدعي أن يرفق المقال بعدد من النسخ مساو لعدد الخصوم، كما يطلب القاضي المقرر أو القاضي المكلف بالقضية عند الاقتضاء تحديد البيانات غير التامة أو التي وقع إغفالها[15]. ب- الشروط المتعلقة برافع الدعوى لقد أشار الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية إلى أنه لا يصح التقاضي إلا ممن له الصفة و الأهلية و المصلحة . فالشروط الواجب توفرها في المدعي هي الصفة والأهلية والمصلحة: * الصفة: وهي الصفة التي يتحلى بها طالب الحق في إجراءات الخصومة يستمدها المدعي من كونه صاحب الحق أو خلفا له أو نائبه القانوني[16]، فالصفة تثبت للشخص نفسه إذا كان هو صاحب الحق المطلوب أو نائبا عن صاحبه[17] ويجب أن تكون مندرجة في وقائع الدعوى، و هي تثبت بمجرد ثبوت سبب الدعوى وذلك بإدلائه بالحجج المثبتة لحقه، فالصفة يجب أن تكون مثبتة و لا يجوز للقاضي افتراضها، فالوكيل أو النائب الذي يمثل موكله ملزم بتقديم ما يثبت نيابته أو وكالته وإلا أثار القاضي تلقائيا انعدام الصفة[18]. * الأهلية: يقسم البعض الأهلية إلى أهلية وجوب باعتبارها صلاحية الشخص في ثبوت ماله من حقوق و ما عليه من التزامات، و أهلية أداء من خلال صلاحية الشخص في ممارسة حقوقه و تحمل الالتزامات، و هي ما يهمنا هنا باعتبارها المقصودة في الفصل الأول من المسطرة المدنية و باعتبار أنها تتدرج بتدرج الإدراك أو التمييز فكلما كانا كاملان كانت الأهلية كاملة و العكس صحيح[19]. كما أن أهلية الأشخاص المعنوية تقوم على تمثيلها قانوني من طرف المدير أو رئيس المجلس الإداري بالنسبة للشركة، والعامل بالنسبة للجهة المادة 65 من قانون الجهات والعمالة والإقليم المادة 41 من قانون العملات و الأقاليم، ورئيس الجماعة بخصوص الجماعة المادة 48 من الميثاق الجماعي. * المصلحة: يعتبر هذا الشرط من أهم الشروط التي تقام عليها الدعوى إذ لا دعوى بغير مصلحة، و قد ذهب البعض إلى اعتباره الشرط الوحيد الذي تقوم عليه الدعوى، فمن كانت حقوقه مهددة و معرضة لخطر ما جاز له رفع دعوى من أجل حمايتها لتوفره على عنصر المصلحة[20]، و إذا كانت المصلحة تعني المنفعة القانونية التي يجنيها المدعي مادية أو أدبية كبيرة أو تافهة و في حال غياب هذا الشرط فإن القاضي يصرح بعدم اختصاصه. و القاعدة المعمول بها هي أن تكون المصلحة المبررة لرفع الدعوى المستعجلة و غيرها من الدعاوى مصلحة قائمة، أي أن تكون المصلحة موجودة وقت مباشرة الدعوى كما لو كان رافع الدعوى معرضا لخطر حقيقي وواقعي، كأن يتعرض لاعتداء على حقه أو يحصل بشأنه نزاع قائم مما تحقق معه ضرورة اللجوء إلى القضاء المستعجل لاتخاذ أي إجراء مستعجل من شأنه حماية ذلك الحق[21]. و يذهب بعض الفقه[22] إلى كون أن في المنازعة الإستعجالية لا يلزم سوى تحقق المصلحة و الصفة و ذلك نظرا من جهة لطبيعة المنازعة الإستعجالية و ما تقتضيه من سرعة لدرء الخطر العاجل، و نظرا كذلك لكونها تفصل في إجراء وقتي فقط لا يمس أصل الحق و لذلك فإن الإذن بالتقاضي غير مشروع في الدعوى الإستعجالية. المطلب الثاني : الشروط الموضوعيةللمنازعات الاستعجالية لقد نص المشرع المغربي على غرار باقي التشريعات الأخرى التي أخدت بمؤسسة الإستعجال من خلال الفصلين 149و 152 من قانون المسطرة المدنية على أن غاية القضاء الإستعجالي هي معالجة القضايا التي تحتاج إلى بت سريع و بشكل مستعجل و لا تحتمل التأخير، و إذا كانت السرعة هي أهم خاصية يتميز بها القضاء المستعجل، فإن إعمالها يقتضي وجود قاض مقتدر و مختص تتوافر فيه عناصر الحكم و سعة الفكر بغية إصدار قرارات مستعجلة صائبة بأكثر ما يمكن من سرعة[23]، فالضرر قد يطال المعني بالأمر في حالة البث في قضيته من خلال الإجراءات العادية للمسطرة، كما أن ضرورة توافر عنصري الإستعجال و عدم المساس بجوهر الحق كشرطين موضوعيين في الدعوى الإستعجالية سواء أكانت الدعوى مدنية أو إدارية بحكم إحالة المادة 7 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية على قواعد المسطرة المدنية و المشرع وضع هنا مجموعة من القواعد الموضوعية للقضاء الإستعجالي يجب التقيد بها إذا ما أريد اللجوء إلى القضاء الإستعجالي و هي: أ- الإستعجال: لم يحدد المشرع أهمية الاستعجال المبرر لاختصاص القاضي المستعجل، كما لم يضع له معيارا تابتا، فالمادة 149 من قانون المسطرة المدنية اكتفت بالقول أن لقاضي المستعجلات أن يبت “كلما توفر عنصر الاستعجال دون توضيح للحالات التي يتوفر فيها الاستعجال[24]، و تركت أمر البحث في ذالك للقاضي يستشفه من ظروف الدعوى و ملابساتها و مناقشات الطرفين، فتوافر الاستعجال من عدمه في الدعوى هي مسألة واقع يستقل بتقديرها قاضى الأمور المستعجلة وحده دون رقابة من المجلس الأعلى، و لا دخل للأطراف المتقاضية بذلك لأنه لو ترك لهم أمر تقدير عنصر الإستعجال لتشبثوا جميعا بهذا العنصر من أجل الاستفادة من مزايا القضاء الإستعجالي. و قد استقر الفقه و القضاء على أن الاستعجال هو الخطر الحقيقي الذي يهدد الحق المراد المحافظة عليه باتخاذ إجراءات سريعة لا يحتمل التأخير و الانتظار و لا يمكن أن تتحقق عن طريق قضاء المحاكم الإدارية و لو بتقصير مدة البت في الجوهر، فالمراد تفادي ضرر مؤكد يصعب تداركه إذا حدث كإثبات حالة يخشى من زوال معالمها مع مرور الوقت، فهو إذن يتحدد بظروف كل دعوى و ملابساتها و ظروف الحق المراد حمايته[25]، و حسب منشور لوزارة العدل يعد استعجالا الضرورة التي لا تسمح بتأخير أو حدوث خطر واضح إذا ما أجريت دعوى عادية في القضية[26] . ووجود عنصر الاستعجال مسالة يستقل بها قاضي الأمور المستعجلة، و لا يترك تقدير ذلك لإرادة الخصوم بل القاضي هو من يملك الاختصاص في التحري عن وجود هذا العنصر من عدم وجوده تأسيسا على مستندات الدعوى و الظروف المحيطة بها و طبيعة الحق المراد المحافظة عليه[27]. و في حالة الاستعجال القصوى يقدم الطلب في أي وقت يمكن أن يبت فيه القاضي حتى في أيام الآحاد و أيام العطل[28] . و المشرع عندما نص في الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية و الفصل 19 من قانون 90. 41 على مسألة تقدير حالة الاستعجال و جعلها اختصاص أصيل لرئيس المحكمة، فقد اعتبارها من النظام العام[29]، و أهم القواعد التي يقوم عليها عنصر الاستعجال تتلخص فيما يلي:[30] * أن يكون هناك خطر حقيقي يهدد حقا جديرا بالحماية، * أن يكون الخطر مما لا يمكن تداركه أو مما يخشى تفاقم أمره إن لم تتم مواجهته على وجه السرعة، * أن يكون الخطر عاجلا يقتضي تلافيه سلوك مسطرة استعجاليه خاصة غير المسطرة القضائية العادية. كما أن هذا العنصر هو مرن يتغير بتغير الزمان و المكان و الظروف، و هو شرط أساسي للاحتكام للقضاء الإستعجالي. ب- عدم المساس بالجوهر أو بأصل الحق: بالرغم من الأهمية التي حظي بها عنصر الإستعجال لقيام الدعوى الإستعجالية، فإن قبول هذه الأخيرة لا يتم ألا بتوافر شرط موضوعي ثان و يتعلق الأمر بشرط عدم المساس بالموضوع و الذي لم يحظى كسابقه بتعريف تشريعي [31]، لذلك كان على الفقه و من بعده القضاء الخوض في ذلك، يقصد به أن قاضي المستعجلات يمتنع بأي حال من الأحوال أن يقضي في أصل الحقوق و الالتزامات و الاتفاقات مهما أحاط بها من استعجال أو ترتب على امتناعه عن القضاء فيها من ضرر بالخصوم بل يجب تركها لقاضي الموضوع المختص وحده للحكم فيها[32]، و اعتبر أيضا أنه ” السبب القانوني الذي يحدد حقوق و التزامات كل من الطرفين قبل الآخر، فلا يجوز له أن يتناول هذه الحقوق و الالتزامات بالتفسير أو التأويل الذي من شأنه المساس بموضوع النزاع القانوني بينهما، كما ليس له أن يغير أو يعدل من مركز أحد الطرفين القانوني، أو أن يعرض في أسباب حكمه إلى الفصل في موضوع النزاع”[33]، و قد خصت المادة 152 من قانون المسطرة المدنية أن قاضي المستعجلات يبت في الإجراءات الوقتية التي لا تمس بما يمكن أن يقضي به الجوهر أي أن القاضي إذا صادف ووجد أن الأمر يتعلق بالفصل في قضية تمس أصل النزاع صرح بعدم اختصاصه، و ترك المجال في المنازعة الإستعجالية للقضاء الوقتي لأداء وظيفة مساعدة و لإمكانية صدور قضاء موضوعي محتمل في المستقل، و من تم فالقضاء الوقتي يقوم بدوره قبل القضاء الموضوعي بمنح الحقوق قبل التأكد من وجودها عملا لإثباتها، فالقاضي يمنع عليه الفصل في كلما يتعلق بأصل الحق[34]. إن أهمية ركن عدم المساس بالموضوع في منح قاضي المستعجلات الاختصاص في النظر في المنازعة الإستعجالية و تمييز هذا القضاء الاستثنائي عن قضاء الموضوع، رغم دقة ذلك الركن مقارنة مع شرط الاستعجال، هو ما تنبه إليه المشرع عندما أسند مهمة قاضي الأمور المستعجلة إلى رئيس المحكمة الإدارية أو من ينيبه عنه، بالنظر لما افترض فيه من خبرة و حنكة و تجربة لا تتوفر عند غيره من القضاة الآخرين و ذلك تفاديا لاقتحام القاضي الإستعجالي لنطاق تدخل قاضي الموضوع، هذا الأخير الذي يتقيد بأي حال من الأحوال بما ذهب إليه قاضي الأمور المستعجلة في المنازعة، و لئن كان القضاء الإستعجالي يستوجب عدم المساس بجوهر الموضوع فإن الأمر يتطلب أن يكون الإجراء وقتيا، وأن يقتصر القاضي ببحث ظاهر الأوراق و المستندات. و هكذا يبدو أن شرط عدم المساس بالموضوع في اقترانه بشرط الإستعجال، يكون المحدد الذي يرسم نطاق تدخل قاضي المستعجلات و يظل المطلوب منه هو إجراء مؤقت لا الفصل في أصل الحق، الذي يعد من صميم اختصاص محكمة الموضوع، فقاضي الأمور المستعجلة يكتفي بالنظر إلى جوهر الدعوى بشكل عرضي حتى يكون قناعته دون تعمق من شأنه حسم النزاع. و عدم المساس بالموضوع لا يعني عدم نظر قاضي الأمور المستعجلة إلى المستندات المقدمة إليه بحثا عرضيا دون الخوض في مضامينها، فإذا اتضح له أن الأمر يتعلق بمنازعة موضوعية من شأن البت فيها المساس بجوهر الحق فإنه يقضي بعدم الاختصاص. إن الصيغة الوقتية للإجراءات التي يبت فيها الحكم المستعجل تجعل من هذا الأخير حكما غير قطعي لأنه لا يحسم في النزاع و إنما ينظر فقط في إجراءات تحفظية غايتها حماية حقوق المتقاضين ريثما يبت قاضي الموضوع في أصل النزاع . المبحث الثاني: مجال ممارسة الطلبات المستعجلة ضد الجماعات الترابية إن مجالات تدخل قاضي المستعجلات كثيرة و متعددة إذ كلما تعلق الأمر بالمس بالحقوق، و الحريات الأساسية يمكن له أن يتدخل، هذا التدخل يكون بناءا على بعض الشروط التي حددها الاجتهاد القضائي، و هو ما أدى إلى الاعتراف بسلطات واسعة لفائدة قاضي الاستعجال إلا أن هذه السلطات تخضع لمراقبة قاضي الاستئناف خوفا من تجاوزه للسلطة، و هذا في حد ذاته يمثل ضمانة للمتقاضين خاصة و أن هيئة الحكم هي التي تراقب الأوامر الصادرة عن قاضي المستعجلات. بعد أن بينا في المبحث الأول القواعد العامة للقضاء المستعجل، سنتناول في هذا المبحث أهم جوانب القضاء الإستعجالي على مستوى العمل القضائي، سواء تعلق بالتطبيقات المستمدة من النصوص التشريعية و التي نظمها قانون المسطرة المدنية في الفصلين 148 و149 وتلك المتعلقة بنقل الحيازة ( المطلب الأول) ثم المنازعات المنبثقة من الاجتهاد القضائي في قضايا الاعتداء المادي و العقود الإدارية ( المطلب الثاني). المطلب الأول : الاستعجال التشريعي لمنازعات الجماعات الترابية إن أهم مجالات ممارسة القضاء الإستعجالي و الأوامر القضائية المعروفة في القانون الخاص غير ممكنة في القضاء الإستعجالي الإداري، مثل الحجز التحفظي على المنقولات و العقارات و الأمر بالتنفيذ الاحتياطي و الأمر بأداء الحراسة القضائية و لذلك يمكن القول أن ميدان تطبيق القضاء الإستعجالي و الأوامر القضائية في قانون المحاكم الإدارية أضيق بكثير مما هو عليه الأمر في المحاكم العادية . ويرجع للقاضي اختصاص النظر في المنازعات الإستعجالية التي ترفع من قبل الجماعات الترابية إما بصفتها مدعي أو مدعى عليها، في دعوى نقل حيازة عقار متنازع على ملكيته، و قد نصت المادتين 38 و39 من قانون المحاكم الإدارية على ذلك و الفصل 24 من القانون 7.81 المتعلق بنزع الملكية و الاحتلال المؤقت[35] الذي بنص على ما يلي ” عندما يلتمس نازع الملكية الحيازة لا يجوز لقاضي المستعجلات رفض الإذن في ذلك إلا بسبب بطلان المسطرة”، هذه الدعوى تهدف إلى نقل حيازة نازع الملكية للعقار المقرر نزع ملكيته مقابل تعويض يعادل مبلغ التعويض الذي اقترحه نازع الملكية و غالبا ما تكون الجماعة الحضرية، و نظرا لأهمية هذه المنازعة فإن المشرع نظمها بإجراءات مسطرية، حيث خص قاضي المستعجلات صراحة بالإذن بالحيازة غير أنه أعفاه من تقدير عنصر الاستعجال برغم أن أغلب الدعاوى الإستعجالية مرتبطة بعنصر الاستعجال- فهناك بعض الدعاوى التي هي مستعجلة بنص القانون تتطلب توفر هذا الشرط -إذ يكون القاضي في هذه الحالة في غنى عن البحث عن عنصر الاستعجال لأن الدعوى مستعجلة حكما[36]. فإن الدعوى الإستعجالية للأمر بالحيازة من ضمن القضايا التي يعفى فيها القاضي من توفير هذا الشرط لتقرير اختصاصه و عليه لا يمكن له أن يطلب من الجماعة نازعة الملكية إثبات عنصر الاستعجال[37]، وهو ما نص عليه الفصل 24 من قانون نزع الملكية، كما أنه لا يمكن للأشخاص المنزوعة ملكيتهم التمسك بانتفاء هذا العنصر أو انعدامه، إذ أن المشرع نفسه قد افترض في حالة نزع الملكية بالخصوص وجود هذا الاستعجال[38]. و تبتدئ إجراءات دعوى نقل الحيازة بوضع مقال يتضمن نسخة من شهادة التقييد في الدفاتر العقارية إذا كان العقار محفظا، أما إذا كن غير محفظ فيرفق بنسخة من محضر اللجنة الإدارية للتقييم، بالإضافة إلى نسخة من المرسوم المعلن للمنفعة العامة و ذكر الجريدة الرسمية التي صدر فيها، مع إرفاق نسخة من الجريدة الرسمية التي نشر فيها المرسوم النهائي بإعلان المنفعة العامة و مقرر التخلي. و عند الإلتزام بالإجراءات التي نصت عليها الفصول 8-9-10-12 من القانون رقم 7.81، يكون قاضي المستعجلات إزاء مقال مستوف للشروط الشكلية، و قد جاء في هذا السياق حكم لرئيس المحكمة الإدارية بالرباط بصفته قاضيا للمستعجلات في قضية الدولة المغربية ضد محمد الزاوي[39]، حيث إنه تطبيقا لمقتضيات الفصل 18 من قانون نزع الملكية التمس المكتب الوطني للسكك الحديدية الإذن له في حيازة عقار بعد أن أودع مبلغ التعويض المقترح، و بعد تأكد القاضي الإستعجالي من خلال الوثائق المدلى بها أن المدعي احترم الإجراءات المنصوص عليها في الفصول المذكورة استجاب لطلب الإذن في حيازة العقار. و قد نصت مقتضيات الفصل 153 من قانون المسطرة المدنية، فإن الفصل 32 من قانون نزع الملكية، فإن الأمر القاضي بنقل الحيازة لا يقبل الطعن بالتعرض لأن خصوصية هذه الدعوى تجعل الطعن بالاستئناف غير ممكن بنص الفصل 32[40]، و المشرع ربما كان يهدف من وراء إقراره لهذا الحكم توصل نازع الملكية أو من يقوم مقامه بالعقار محل النزاع حتى يستطيع الشروع في الأعمال التي ينوي القيام بها و التي نزعت الملكية من أجلها، خاصة و أن استئناف الحكم يوقف تنفيذه كقاعدة عامة طبقا لما نصت عليه مقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 134 من قانون المسطرة المدنية[41]، و هو ما أثار نقاشا فقهيا تساءل معه الفقه عما إذا كانت دعوى نقل الحيازة تقبل درجة واحدة للتقاضي. و قد منح الفصل 24 من قانون نزع الملكية لقاضي الأمور المستعجلة و هو ينظر في دعوى نقل الحيازة الاختصاص في مراقبة صحة جميع الإجراءات الإدارية التي يباشرها نازع الملكية التي تسبق الإجراءات القضائية، إلا أنه غل يديه و صلاحيته في تحديد التعويضات النهائية، و هو ما نصت عليه الفقرة الثانية من الفصل 19 من قانون نزع الملكية[42]، و هو مبدأ دأبت المحاكم الإدارية على تقريره باعتبار أن القاضي المكلف بالنظر في قضايا نزع الملكية للمنفعة هو المختص وحده بالنظر في طلب التعويض لذلك فإن دور قاضي المستعجلات ينحصر في التحقق من مسألة دفع أو إيداع الملكية للتعويض. المطلب الثاني: الإستعجال القضائي لمنازعات الجماعات الترابية لقد كان للقضاء الإداري الفضل الكبير في نشوء مجموعة من القواعد القانونية، و انسجما مع ذلك فإن القاضي الإستعجالي لم يكتف أيضا بالنظر في المواد التي خولها له المشرع بل تعداها إلى الإحاطة بمساحات كانت من صميم القاضي العادي. و هكذا و في سبيل تحقيق الحماية القضائية المؤقتة فقد قام القاضي الإستعجالي بالتصدي لبعض صور الاعتداء المادي لمساسها بحق الملكية الخاصة أو بإحدى الحريات الأساسية اعتبارا لكون القاضي الإداري أصبح بعد إحداث المحاكم الإدارية حارسا للحريات متى كان تدخل الإدارة خارج نطاق تطبيق أي من المقتضيات القانونية أو التنظيمية. 1- في مجال الاعتداء المادي: لقد حضي الاعتداء المادي باهتمام كبير من طرف الفقه الإداري لما له من انعكاسات على الحقوق و الحريات الأساسية المكفولة للأفراد، و قد عرفه بعض الفقهاء على أنه ارتكاب الإدارة أثناء قيامها بنشاط تنفيذي عديم المشروعية، جسيم و ظاهر من شأنه أن يتضمن اعتداء على حق الملكية أو حرية عامة، فهو ذلك الصنف من الأعمال التي تخرج من خلاله الإدارة عن إطار مبدأ الشرعية بشكل سافر مما يجعله منقطع الصلة بأي نص تشريعي أو تنظيمي، ” …أو كل عمل لا صلة له مطلقا بتطبيق نص قانوني أو تنظيمي، أو حتى بإحدى الصلاحيات المسندة للإدارة، فهو العمل الذي لا يمكن اعتباره عملا ذي طبيعة إدارية يمكن إدراجه ضمن ممارسات السلطات الإدارية”، و كما هو معلوم فإن قضايا الاعتداء المادي تتسم بطابع الإستعجال في أعمها، الشيء الذي يحتم تدخلا على وجه السرعة من قبل قاضي المستعجلات لأن من شأن سرعة التدخل أن تنقذ الوضع و الحيلولة دون صعوبة إصلاح الضرر في حالة التأخر، و برغم أن تحديد الجهة القضائية التي يعود لها اختصاص البت في دعوى الاعتداء المادي طرحت بالمغرب مباشرة بعد 1991 سنة إحداث المحاكم الإدارية و نالت حيزا كبيرا من النقاش ليستقر أخيرا على أنه من اختصاص المحاكم الإدارية بالنظر في قضايا الاعتداء المادي إن على مستوى رفعه أو جبر الضرر الناتج عنه، فعندما تمارس الإدارة عملا ماديا كإطفاء حريق مثلا و تولدت بسببه أضرارا أصابت ممتلكات أحد الأفراد فله أن يطلب إجراء خبرة لتحديد قيمة الأضرار التي لحقته، أو الأضرار التي يمكن أن تنجم عن نشاط الأشخاص العامة و منها دعاوى التعويض عن احتلال الإدارة غير المشروع لأراضي الخواص و هو ما تنص عليه المادة 79 و 80 من قانون الالتزامات و العقود، و قد كان من نتائج إسناد ذلك الاختصاص للمحاكم الإدارية تخويل رئيس المحكمة الإدارية بصفته قاضي المستعجلات و الأوامر القضائية بالنظر في الطلبات الوقتية و التحفظية، فله سلطة تكييف العمل الإداري على أنه يمثل اعتداءا ماديا أم لا، و له سلطة رفع الاعتداء و له كذلك سلطة توجيه أوامر للإدارة بوقف الاعتداء و تصل قدرته إلى درجة فرض غرامة تهديدية في حق الإدارة، فإذا رفضت الإدارة تسليم منشأة بعد انتهاء الأشغال يمكن للمقاول اللجوء إلى قاضي المستعجلات و المطالبة بإجراء معاينة، على أنه أتمم ما أسند إليه من أشغال في الوقت المحدد في العقد حتى لا تلجأ الإدارة إلى تطبيق الغرامة التأخيرية عليه، و الهدف من الأمر بإيقاف الأشغال تلك هو الحد من استمرار الأشغال التي قد تؤدي إلى إحداث تغييرات على العقار موضوع الاعتداء يصعب تداركها و إزالتها في إطار تصحيح المراكز القانونية التي يقتضيها إنهاء حالة الاعتداء، تم حماية للمال العام و تجنيب الإدارة مصاريف التعويضات التي ستترتب عن إتمام تلك الأشغال. و بالرغم من إقرار اختصاص قاضي المستعجلات الإداري بالبت في طلبات رفع الاعتداء المادي مستمدا هذا الاختصاص من محكمة الموضوع، فإن ذلك مقيد بتحقق الاعتداء المادي فعلا كما هو متعارف عليه، و تدخله مشروط بتوفر قواعد الاستعجال كما نظمها قانون المسطرة المدنية – عنصر الإستعجال و عدم المساس بالأصل- فقد لا يلجأ المتضرر من عمل الإدارة إلى القضاء في الوقت المناسب، مما يفوت عليه الاستفادة من الحماية المؤقتة التي يوفرها القضاء الإداري المستعجل، فتقوم الإدارة بتشييد منشأة عمومية فوق القطعة الأرضية التي هي ملك للطاعن، و تتذرع الإدارة أن المنشأة قد صارت و هي تحقق مصلحة عمومية، و من شأن الطلب الرامي لطرد الإدارة أو هدم المنشأة أن يعرقل عملها، مما يخرج الأمر من اختصاص قاضي المستعجلات الإداري[48] و يتعين الالتجاء إلى محكمة الموضوع – المحكمة الإدارية نفسها هي صاحبة الاختصاص للبت في الطلب- إلا أن ذلك لا يعنى حرمان الشخص الذي انتزعت منه حقوقه من المطالبة بالتعويض في إطار نزع الملكية غير المباشرة. 2- في العقود الإدارية: لقد أصاب المشرع المغربي عندما تلافى تعريف الاستعجالتاركا أمر تقديره للقاضي المختص حسب ظروف كل دعوى، فالأصل إذن في إسناد مهمة قاضي الأمور المستعجلة يكون لرئيس المحكمة الابتدائية أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف و هو ما نص عليه المشرع في الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية، و بعد إحداث المحاكم الإدارية تم إسناد هذه المهمة لرئيس المحكمة الإدارية الذي يعتبر قاضيا إستعجاليا بالدرجة الأولى، فالقاضي له سلطة تقديرية في تحديد عناصر الإستعجال من عدمها، و قد قيد المشرع القاضي في مجال العقود الإدارية من حيث أنه لا يمكنه النظر في منازعتها إذا كان ذلك من شأنه المساس بجوهر الحق، و على هذا الأساس قضت المحكمة الإدارية بوجدة : ” و حيث أنه إدا كان من المقرر فقها و قضاء أن يرجع لقاضي الأمور المستعجلة الاختصاص بجعل حد لكل اعتداء مادي أو غصب أو قطع تعسفي لوضعية شرعية قانونية أو تعاقدية، و لذلك بإرجاع الأطراف إلى الوضع الذي كانوا عليه قبل حدوث عنف أو غضب حماية منه للمراكز القانونية الواضحة و ترتيب آثارها القانونية، فإن اختصاصه في البت في مثل الطلب بالاستجابة إليه مشروط بمقتضى المادتين 149 و 152 من قانون المسطرة المدنية بتوافر حالة الاستعجال و عدم المساس بأصل الحق و هما شرطين لازمين إذا انعدم أحدهما زال اختصاص الأمور المستعجلة لفائدة قاضي الموضوع، و المقصود بأصل الحق الممنوع على القضاء المستعجل المساس به هو السبب القانوني الذي يحدد حقوق كل من الطرفين و يحدد التزاماته قبل الآخر، إذ يحضر تناوله بالتفسير و التأويل و تأسيس قضاءه بذلك على أسباب تمس بأصل الحق…”، و إذا كان الاستعجال هو ما يقيد اختصاص قاضي المستعجلات في بته في المنازعات الإستعجالية فإنه مقيد في منازعات العقود الإدارية بقاعدة عدم المساس بالجوهر، حيث يأمر بإجراء تمهيدي لإثبات أصل الحق المراد حمايته، إلا أن شرط عدم المساس بجوهر الحق لا يمنع قاضي المستعجلات من البحث في جدية المنازعة، فإذا تبين له أن المركز القانوني للطاعن لم يعد يستحق حماية للقضاء الإستعجالي، و أن ذلك من شأنه المساس بجوهر الحق فإنه يقضي بعدم اختصاصه في البت في الطلب. خاتمة لقد أخضع المشرع المغربي القضاء الإستعجالي لنفس القواعد المنظمة للقضاء الإستعجالي العادي، و جعل تنظيمه و مساطر البث في الدعوى الإستعجالية مشابهة لمثيلاتها المعروضة على أنظار المحاكم العادية. و من هنا فالقضاء الإستعجالي يتسم ببساطة الإجراءات و قلة التكاليف و قصر الآجال و السرعة في البت و هو الأمر الذي يوفر حماية مؤقتة للمتقاضين، و عاجلة للحقوق و خصوصية للدعوى في انتظار البت النهائي في جوهر النزاع أمام قاضي الموضوع، درءا لمل قد يتهدد مصالحهم من أخطار و أضرار يخشى صعوبة تداركها و إرجاع الأمور إلى سابق حالها. و في أفق المشروع الكبير الذي تنهجه السلطات المغربية لإصلاح القضاء خصوصا فيما يتعلق بتسريع وثيرة البت في الملفات بنجاعة و فعالية، فإن من شأن إصلاح القضاء الإستعجالي أن يشكل اللبنة الأساسية لتفعيل دوره، و علاوة على التدخل التشريعي فإنه من اللازم إيلاء أهمية قصوى للعنصر البشري عبر تكوين قضاة يجمعون بين الحنكة و الخبرة العملية و التكوين، ما يمكنهم من ممارسة مهام و اختصاصات قاضي المستعجلات التي يتزايد حجمها و نطاقها يوما بعد يوم في بته في المنازعات الإستعجالية المعروضة أمامه، فالدقة المفروضة و الحساسية البالغة التي يجب أن يتحلى بها من يعالج أمور هذا القضاء، كما أنه يفرض أهمية خاصة لتكوين الجهات المختصة به لأن الضرورة تقتضي إعادة النظر في بعض المساطر و الإجراءات المنظمة للقضاء الإستعجالي الإداري، مما يسمح بالتعجيل بالبت في هذه الدعاوى و التدخل الآني و الفوري للقاضي المختص في سبيل اتخاذ تدابير فورية و عملية لمجابهة الخطر الذي يترصد الحقوق و الحريات أو صد أي تصرف إداري مناف للمشروعية. مينة زمراوي اسويسا حجبوها حنان هبولة خديجة حيلي مصطفى جرايدي