أحدث القانون 61.19 القاضي بتميم الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية تغييرا في مسطرة تذييل الأحكام القضائية الأجنبية في قضايا الأسرة وتحديدا تلك المتعلقة بإنهاء العلاقة الزوجية، ومن جملة التعديلات التي حملها القانون ما تعلق بجهة البت في هذه الطلبات وتحديد آجال ذلك، ثم تخصيصها بإجراءات من قبيل البت فيها في غيبة الأطراف إضافة إلى التنصيص على جانب من الآثار المترتبة عن سلوك المسطرة، انسجاما على ما تضمنته مدونة الأسرة كما هو الشأن بالنسبة لنهائية الحكم القاضي بالتذييل في الشق المتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية، ودعم موقع النيابة العامة في هذه القضايا لما لها من خصوصية وتعلقها بالنظام العام وامتداداتها المتفرعة . فإذا كان إنهاء العلاقة الزوجية في مدونة الأسرة وقانون المسطرة المدنية يخضع لضوابط إجرائية وموضوعية صارمة سواء تعلق الأمر بالطلاق أو التطليق بأسبابه المختلفة تحت رقابة القضاء، فإن تلك المساطر قد تأخذ منحى مغايرا في جانب من القوانين المقارنة سواء من حيث الموضوع أو المساطر المتبعة، كما أن بعضا منها أقحم مؤسسات غير قضائية باتت تمارس دورا مهما في موضوع إنهاء العلاقة الزوجية كما هو الشأن بالنسبة للعقود المبرمة من طرف محام، أو بعض الأشخاص والهيئات المسندة إليها بموجب نصوصها المحلية حق توثيق الطلاق أو التطليق بين الطرفين أو لفائدة احدهما كما هو معمول به في جانب كبير من الدول العربية .(…) ولعل هذا التنوع في الأنظمة القانونية الأجنبية غير القضائية طرح إشكالا في بداية تطبيق القانون 61.19 حول مدى سريان التعديلات الواردة فيه على العقود الأجنبية المتضمنة لإنهاء العلاقة الزوجية باعتبارها تمظهرا حقيقيا لممارسة حق إنهاء العلاقة الزوجية بعيدا عن الرقابة القضائية، لكن قبل ذلك سنحاول رصد كيفية تفاعل الجهة القضائية الجديدة مع مسطرة التذييل في صيغتها المعدلة. الفقرة الأولى: جهة الاختصاص وطبيعته على ضوء التطبيقات الأولى للقانون 61.19 بموجب القانون 61.19 فان اختصاص البت في الأحكام الأجنبية الصادرة في قضايا إنهاء العلاقة الزوجية انتقل من أقسام قضاء الأسرة بالمحاكم الابتدائية كقضاء موضوع ودرجة أولى للتقاضي إلى رئيس المحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه، وهو ما طرح سؤالا حول طبيعة هذا الاختصاص علما أن هذه المؤسسة تمارس اختصاصات قضائية متعددة سواء في إطار قانون المسطرة المدنية لاسيما الفصول 148، 149 و152 بشأن مسطرتي الأوامر المبنية على طلب أو الأمور المستعجلة أو حتى في قوانين أخرى كمدونة الأسرة على سبيل المثال. ولعل هذه الإشارة المقتضبة يبقى لها ما يبررها بالنظر إلى ما تضمنته المذكرة التقديمية لمقترح القانون 61.19، بعد أن تبين وجود ربط بين مسطرة تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية واسنادها إلى رئيس لمحكمة أو الرئيس الأول كجهة طعن بالاستئناف من جهة ومساطر القضاء الاستعجالي أو الأوامر المبنية على طلب من جهة ثانية ( )، رغم أنه لم يرد في الصيغة النهائية للقانون المنشورة على الجريدة الرسمية ما يوحي بتبني هذا التعليل، وبطبيعة الحال فإن ثمة بون شاسع بين كل مسطرة من المساطر الموصوفة وتذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية، فالبت في هذه الطلبات وفق أجال محددة اقتضته المصلحة المستعجلة للطرف أو الأطراف في سريان أثاره داخل ارض الوطن، ولا علاقة لها بالقضاء الاستعجالي أو الأوامر المبنية على طلب الموسومة بطابع خاص إن على مستوى الإجراءات أو الآثار، ولعلها ليست المرة الأولى التي يشار فيها إلى هذه الطبيعة لتبرير تخصيص مسطرة التذييل بإجراءات مبسطة تضمن الفعالية والسرعة في البت، فقد سبق أن نص الفصل 179 مكرر من قانون المسطرة المدنية إلى “انه يبت في قضايا النفقة باستعجال” والقصد هنا حتما يعود إلى اجل البت وليس إلى نوع الدعوى او طبيعتها أو المسطرة المطبقة . وهنا يكفي الإشارة إلى أن رئيس المحكمة أو من ينوب عنه بصفته هذه يمارس صلاحيات كاملة في مراقبة طلبات التذييل الشكلية والموضوعية وفق مقتضيات الفصلين 430 و 431 من قانون المسطرة المدنية من خلال التحقق من اختصاص المحكمة الأجنبية مصدرة الحكم، وعدم مخالفته النظام العام كشروط عامة، إضافة إلى الشروط الخاصة الواردة في المادة 128 من مدونة الاسرة بتأسيس الحكم الأجنبي على أسباب لا تتنافى مع تلك التي قررتها المدونة لإنهاء العلاقة الزوجية، اذ لا يتصور بالتبعية مثلا، التصريح بعدم الاختصاص بعلة تحوطه من المساس بجوهر الحق أو انتفاء عنصر الاستعجال للبت في الطلب. ونعتقد أن المشرع حين نحا إلى نقل صلاحية البت في طلبات تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية إلى رئيس المحكمة أو من ينوب عنه، وإلى الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف أو من ينوب عنه كجهة طعن، إنما كان يروم التخفيف من حدة الزمن القضائي الذي قد يهدر في ممارسة تلك المسطرة وفق الإجراءات العادية، خصوصا وأن الأمر يمس شريحة هامة من المواطنين المغاربة المقيمين بالخارج والتي لا تتوفر في الغالب الأعم على الوقت وإمكانيات تتبع طلباتها وفق المساطر العادية، لكن مع الحرص على إحاطة ذلك بمجموعة من الضمانات من أجل تطبيق سليم للقانون، من بينها صلاحية الجهة الجديدة في المراقبة الشكلية والموضوعية للطلبات والوثائق وأيضا فيما يتعلق بدور النيابة العامة وعلى وجه التحديد ممارسة حق الطعن بالاستئناف . ويبدو أن هذه المعطيات كفيلة بالقول أن صلاحية الجهة القضائية المختصة هي صلاحيات واسعة تختلف جذريا عن دورها كقاضي الأمور المستعجلة أو أثناء استصدار الأوامر المبنية على طلب في إطار الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية، فيكون بتها في طلبات تذييل الأحكام أو العقود الأجنبية بصفته رئيسا للمحكمة أو رئيسا أولا أو من ينوب عنهما باعتباره اختصاصا خاصا لا علاقة له بباقي الاختصاصات التي تمارسها نفس الجهة في مجالات أخرى، وعلى خلاف ذلك سجل في بعض الأوامر الصادرة عن رؤساء المحاكم أنه بت في هذه الطلبات بصفة قاضي الأمور المستعجلة كما هو الشأن بالنسبة للأمر الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بفاس بتاريخ 3/10/2019 في الملف عدد 985/1101/2019، في حين أن جهات أخرى سارت إلى اعتبار هذا الاختصاص لا يدخل ضمن القضاء الاستعجالي أو الأوامر المبنية على طلب، وهنا نشير إلى الحكم الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بميدلت بتاريخ 31/10/2019 عدد 179 في الملف عدد 191/1101/2019 والذي حرص فيه على الإشارة إلى صفته الرئاسية والمقتضى القانوني الجديد دون ربطه بالاختصاص الاستعجالي في الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية أو غيره، وهو توجه سديد يؤكد ما سبق أن أشرنا إليه سالفا من أن اختصاص رئيس المحكمة في طلبات تذييل الأحكام الأجنبية هو اختصاص خاص كقاضي موضوع ولا علاقة له بمجال اختصاصه كقاضي الأمور المستعجلة أو يرمي إلى اتخاذ إجراء وقتي أو في حدود ظاهر الوثائق . ويبدو أن الخلاف لم يقتصر على طبيعة تدخل رئيس المحكمة أو من ينوب عنه في طلبات تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية بل امتد أيضا إلى مدى اختصاصه للبت في طلبات تذييل العقود الأجنبية وهو ما سيكون محور الفقرة الموالية. الفقرة الثانية: تذييل العقود الأجنبية بإنهاء العلاقة الزوجية على ضوء القانون 61.19 ينص الفصل 432 من قانون المسطرة المدنية إلى أن العقود المبرمة بالخارج أمام الضباط والموظفين العموميين المختصين أيضا قابلة للتنفيذ بالمغرب بعد إعطائها الصيغة التنفيذية ضمن الشروط المقررة في الفصول السابقة، كما أشارت المادة 128 من مدونة الأسرة إلى أن العقود المبرمة بالخارج أمام الضباط و الموظفين العموميين المختصين تكون قابلة للتنفيذ بعد استيفاء الإجراءات القانونية بالتذييل بالصيغة التنفيذية طبقا لأحكام المواد 430،431 و432 من قانون المسطرة المدنية . بيد أنه لئن كان واضحا أن المشرع المغربي حافظ على نفس الضوابط الشكلية والموضوعية في تذييل العقود الأجنبية مقارنة بالأحكام مع اعتبار جانب من خصوصيتها، فإنه بتتبع بعض الأحكام الصادرة بعد دخول القانون 61.19 حيز التنفيذ تبين وجود خلاف في مدى شمول تلك العقود بتعديل جهة الاختصاص ونقله إلى رئيس المحكمة أو من ينوب عنه، حيث انتهى الحكم الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بفاس المومئ إليه سالفا بشأن تذييل عقد أجنبي إلى التصريح بعدم اختصاصه للبت في الطلب بعلة أن “التعديل انصرف إلى مقتضيات الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية المتعلق بالأحكام الأجنبية والذي نقل فيه الاختصاص الموضوعي للبت في الطلب من محكمة الموضوع إلى رئيس المحكمة، أما العقود الأجنبية فلم يطرأ على الفصل المنظم لها أي تعديل، وبالتالي فإن قضاء الأسرة هو المختص للبت في طلبات تذييل العقود الأجنبية بالصيغة التنفيذية وليس رئيس المحكمة”. ونعتقد أن ما انتهى إليه هذا الحكم يبقى محل نظر ومجانب للصواب ذلك أنه لئن كان حقا أن القانون 61.19 اقتصر على تتميم وتغيير الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية دون باقي الفصول الموالية فإن مرد ذلك ليس قصورا من جانب المشرع، ولكن يجد تفسيره في أن هذا المقتضى يعتبر قطب الرحى في مسطرة التذييل بالتنصيص فيه على الشق الموضوعي في المسطرة في مقابل الجانب الشكلي الذي ورد في الفصل 431، في حين أن مقتضيات الفصل 432 من نفس القانون وإن نصت على أن العقود المبرمة بالخارج تكون قابلة للتنفيذ بالمغرب بعد إعطائها الصيغة التنفيذية فإنها أحالت على الشروط الواردة في مقتضيات الفصلين 430 و431 وهي بموجب التعديل الجديد تشمل طبعا جهة الاختصاص الذي ينتقل حتما إلى رئيس المحكمة وجهة الطعن أو أجل البت إضافة إلى دور النيابة العامة وأوصاف الحكم القاضي بالتذييل، فالنصوص القانونية في مسطرة التذييل متكاملة ولا يمكن العمل أو تفسير بعضها بمعزل عن الأخرى، ولعل هذه الخلاصة هي التي أكدها الحكم الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بميدلت سالف الذكر وإن بحيثيات أخرى بعد أن انتهى إلى تذييل عقد طلاق اتفاقي منجز من طرف موثق بإسبانيا بالصيغة التنفيذية . والأكيد أن تعدد جهات البت في طلبات التذييل بين قضاء الموضوع ورئيس المحكمة قد خلق نوعا من الالتباس في تطبيق القانون 61.19، لكنه يبقى أمرا طبيعيا وعاديا مع بداية إعمال قانون جديد إلى حين التأقلم مع فلسفته والأهداف التي يرمي إلى تحقيقها، وإن كنا نرى أن حتى مع هذا المستجد على أهميته فإنه يظل مشوبا بالقصور ما دام أن المشرع المغربي أهدر الفرصة لتمديد هذه المستجدات إلى مجالات أخرى أولى بتحقيق الأهداف المسطرة في المذكرة التقديمية لمقترح القانون الجديد، ومن بينها على سبيل المثال طلبات تذييل عقود الزواج الأجنبية بالصيغة التنفيذية التي ظلت ضمن اختصاص قضاء الموضوع وهي ازدواجية باتت تخلق نوعا من الارتباك للفئة المستهدفة بين رئيس المحكمة بالنسبة لتذييل الأحكام الأجنبية بإنهاء العلاقة الزوجية من جهة أولى وبين قضاء الموضوع بأقسام قضاء الأسرة فيما يتعلق بتذييل عقود الزواج الأجنبية، على أمل تفادي هذه الوضعية غير المفهومة في أقرب تعديل لقانون المسطرة المدنية. محمد الخير