يقصد بمسطرة تذييل الأحكام و العقود الأجنبية بالصيغة التنفيذية إعطاؤهما الحجية القانونية للتطبيق و التنفيذ على تراب الدولة المراد سلوك مسطرة التنفيذ فوق أراضيها، إذ بدون إخضاع الحكم الأجنبي لهذه المسطرة فلن يكون له أي اعتبار على أرض تلك الدولة فتذييل الحكم الأجنبي بالصيغة التنفيذية هو في الواقع تكريس لحقوق مكتسبة في الخارج ومظهر من مظاهر سيادة الدولة التي سينفذ ذلك الحكم فوق ترابها، وقد حصل شبه إجماع دولي على الانخراط في هذا المفهوم بمعنى أن جل التشريعات حرصت على أن تشترط لأجل تنفيذ الأحكام والعقود الاجنبية على أراضيها ضرورة الحصول على قرار قضائي من محاكمها الوطنية يسمح لهذه الأحكام و تلك العقود الأجنبية بان تكون لهما نفس الحجية و قوة التنفيذ على أراضيها وذلك تطويعا و تليينا لصلابة مبدأ سيادة الدولة وتعايشا مع المنتظم الدولي وتفعيلا للاتفاقيات الدولية أو الاتفاقيات الثنائية التي تبرمها الدول في هذا الشأن. وفي هذا السياق فقد عملت المملكة المغربية بدورها على مسايرة هذا النهج الدولي وأسست هي كذلك لمسطرة تذييل الاحكام والعقود الاجنبية بالصيغة التنفيذية من خلال قانون المسطرة المدنية في الفصول 430 و431 و432 وكذا من خلال المادة 128 من مدونة الاسرة إضافة الى ما تتضمنه العديد من الاتفاقيات الدولية والثنائية التي أبرمتها المملكة المغربية، كاتفاقية نيويورك سنة 1960 بموجب الظهير الشريف رقم 1.59.338 في شان المصادقة على انخراط المغرب في الاتفاقية الدولية المتعلقة باستيفاء واجب النفقة في الخارج، وكالاتفاقية المتعلقة بحالة الأشخاص والأسرة وبالتعاون القضائي بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية الموقعة في الرباط في 10 اغسطس 1981. هذا، وتجاوبا من المشرع، مع انشغالات الجالية المغربية بالخارج وما يواجهها من إكراهات على مستوى تذييل الأحكام والعقود الأجنبية القاضية بإنهاء العلاقة الزوجية، تم تعديل الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية، خدمة لهذه الفئة التي أحاطها دستور المملكة بعناية تليق بها، حيث من تجليات هذه العناية مثالا لا حصرا ما جاء في الفصل 16 من الدستور الذي يجعل من التزامات الدولة العمل على حماية الحقوق والمصالح المشروعة للمواطنات والمواطنين المغاربة المقيمين في الخارج. فالمطلع بتمعن على الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية وما يليه من فصول، لا يسعه إلا أن يسجل ملاحظات أبرزها طول مسطرة تذييل الأحكام والعقود الأجنبية بالصيغة التنفيذية، مما لا يخدم مصلحة الجالية المغربية المقيمة بالخارج والتي نظرا لالتزاماتها في البلدان المقيمة تضطر إلى قضاء أوقات وجيزة بالمغرب لا تسعفها لإطاقة الزمن اللامعقول المتعلق بمسطرة التذييل، ولذلك فإن المشرع تنبه إلى الإكراهات السالف ذكرها، فكان لزاما عليه التدخل، هذا التدخل الذي تجسد في صدور القانون رقم 61.19 والذي نشر بالجريدة الرسمية 6807 في السادس من أغسطس 2019، وسنحاول في هذا المقال المتواضع التعرض إلى ما طال مسطرة التذييل بالصيغة التنفيذية من مستجدات مع إبداء بعض الملاحظات كلما كان ذلك متاحا. أولا: جعل اختصاص تذييل الأحكام الصادرة عن المحاكم الأجنبية بالطلاق أو بالتطليق أو بالخلع أو بالفسخ بالصيغة التنفيذية، من صلاحيات رئيس المحكمة الابتدائية: إن الغاية من منح رئيس المحكمة الابتدائية هذا الإختصاص هو لما تتميز به قضايا الجالية المغربية من استعجال، وهذا ما جاء صراحة في المذكرة التقديمية لمقترح القانون المتعلق بتعديل الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية، حيث ورد أن تضمين بيانات الزواج والطلاق تقتضي السرعة والاستعجال، لكونها معطيات تمس النظام العام ولكونها أيضا ضرورية ومستعجلة لإبرام عقود زواج جديدة محكومة بضيق الوقت خلال الإقامة القصيرة لأبناء المهجر بالمغرب. ومن إيجابيات منح صلاحية التذييل لرئيس المحكمة الابتدائية تخفيف العبئ عن المحاكم والمتمثل في كثرة الجلسات والملفات والإجراءات، وسيعطي الفرصة لأبناء الجالية بالتمتع بحقوقهم داخل آجال معقولة ومناسبة. ثانيا: التوسع في الإختصاص المكاني: لقد كان الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية في صيغته القديمة يشير فقط إلى موطن أو محل إقامة المدعى عليه أو لمكان التنفيذ عند عدم وجودهما، أما الصيغة الجديدة للفصل المذكور، فقد أضافت محل إبرام عقد الزواج، وهذا المستجد جلي ما فيه من المرونة والتسهيل على المغاربة المعنيين بتذييل الأحكام والعقود المتعلقة بإنهاء العلاقة الزوجية بالصيغة التنفيذية. ثالثا: الآجال المعقولة للبت في الطلب: ينص الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية أن رئيس المحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه يبت في الطلب داخل أجل أسبوع من إيداعه، كما أن هذا الأمر لا يجوز الطعن فيه في جزئه المتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية ما عدا من طرف النيابة العامة. وإبقاء المشرع في الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية للنيابة العامة صلاحية الطعن في الأمر بالتذييل هو من باب تخويل هاته الأخيرة مهمة الرقابة على الأمر بالتذييل ومدى احترامه للضوابط القانونية لاسيما المشار إليها في المادة 128 من مدونة الأسرة، أي صدور الحكم الأجنبي من محكمة مختصة وأن يكون مؤسسا على أسباب لا تتنافى مع التي قررتها مدونة الأسرة. ويكون الأمر المذكور أعلاه قابلا للاستئناف داخل أجل خمسة عشر يوما (15) أمام الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف. وتماشيا مع غاية السرعة في البت، أوجب الفصل 430 السالف ذكره على كتابة الضبط أن توجه مقال الاستئناف، مع المستندات المرفقة، إلى كتابة الضبط بمحكمة الاستئناف داخل أجل ثلاثة أيام من تاريخ إيداع مقال الاستئناف. بعدها يبت الرئيس الأول أو من ينوب عنه، داخل أجل عشرة أيام من تاريخ توصل كتابة الضبط بالملف. ويلاحظ أن المشرع ولئن كان حسنا ما فعل تنصيصه على هاته الآجال المعقولة، إلا أنه أفرغها من مفعولها، حيث إنه أكد أن رئيس المحكمة يستدعي المدعى عليه عند الاقتضاء، ولا يخفى على لبيب ما يترتب عن هذا الاستدعاء من التسبب في البطئ في مسطرة البت في الطلبات، ثم إن المشرع لم يورد ولو مثالا واحدا عن الحالة التي تقتضي ضرورة استدعاء المدعى عليه. ومحاولة من المشرع لإضفاء نوع من المناعة على الأمر الصادر عن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالتذييل، أكد في الفقرة الأخيرة من الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية أن هذا الأمر لا يقبل الطعن بالتعرض، ويلاحظ أن المشرع لم يراع الدقة القانونية في صياغة هذه الفقرة، حيث إنه أطلق اسم القرار على الأمر الصادر عن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، في حين أن رؤساء المحاكم يصدرون أوامر لا قرارات، وهذا واضح لا لبس فيه لمن اطلع على الفصول 148 و 149 و 155 من قانون المسطرة المدنية، أما مصطلح القرار فيطلق على ما تنطق به محاكم الاستئناف، ومحكمة النقض، والسبب يرجع إما لكونهم قضاة مستشارين، كما هو الحال في محاكم الاستئناف، حيث يتم النظر في القضية من جديد لإصلاح الأخطاء التي قد تقع من قضاة محاكم الدرجة الأولى، أو بالنظر إليهم كقضاة قانون يحرصون على رقابة تطبيق مقتضيات القانون، مثل ما هو عليه الوضع بالنسبة لمحكمة النقض. * عدل متمرن وخريج ماستر القانون والممارسة القضائية بالرباط