تساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار يومي السبت والأحد بعدد من مناطق المملكة (نشرة إنذارية)    بداية العد العكسي... عام واحد يفصل المغرب عن استضافة كأس الأمم الإفريقية    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير        عمالة الدريوش تواكب فعاليات الدورة الثانية للمناظرات الوطنية حول الجهوية المتقدمة    سابينتو يعلق على رحيله عن الرجاء: "من الواضح أن الظروف اللازمة لتحقيق النجاحات.. غير موجودة"        صحة غزة: استشهاد أكثر من 45 ألف فلسطيني في حرب الإبادة المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    "همم": الحملة ضد غالي نتيجة مباشرة لمواقفه في الدفاع عن حقوق الإنسان وفضح ملفات الفساد    لشكر في مؤتمر الأممية الاشتراكية: إفريقيا تقدم نموذجا للتحدي والأمل.. وعلى الدول أن تعترف بفلسطين    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    الحوثيون يفضحون منظومة الدفاع الإسرائيلية ويقصفون تل أبيب    أميركا تلغي مكافأة اعتقال الجولاني    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع    في اتصال هاتفي.. ولي العهد السعودي يطمئن على صحة الملك محمد السادس    أحر التعازي في وفاة والدة أخينا الكريم السيد محمد بولخريف        "فيفا" يعلن حصول "نتفليكس" على حقوق بث كأس العالم 2027 و2031 للسيدات    إيطاليا تغرّم "تشات جي بي تي" 15 مليون أورو بتهمة انتهاك خصوصية البيانات    الملك محمد السادس يتلقى اتصالا هاتفيا من ولي العهد السعودي        التوفيق: وزارة الأوقاف تعمل حاليا على ترجمة معانى القرآن الكريم إلى الأمازيغية    وزيرة المالية تعترف بعدم انخفاض أسعار المحروقات في المغرب بمستوى الانخفاض العالمي في 2024    دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة        مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري    كيوسك السبت | أول دواء جنيس مغربي من القنب الهندي لتعزيز السيادة الصحية    اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    الطّريق إلى "تيزي نتاست"…جراح زلزال 8 شتنبر لم تندمل بعد (صور)    اجتماع بوزنيقة.. الأطراف الليبية تتفق على تشكيل حكومة موحدة    الأمن يرفع مستوى اليقظة في برلين    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    بوزوق ينفصل عن الرجاء بالتراضي    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    إعادة تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. مفاهيم مؤسسة وسردية تاريخية    العازف سفيان بامارت.. حين تلتقي الأناقة بالعاطفة في تناغم موسيقي فريد    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    أخنوش يُشرف على توقيع اتفاقية لتطوير المحطة السياحية "موكادور" بالصويرة    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    تسجيل وفيات بجهة الشمال بسبب "بوحمرون"    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    أرخص بنسبة 50 بالمائة.. إطلاق أول دواء مغربي لمعالجة الصرع باستخدام القنب الطبي    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوهابية : الشيخ المؤسس (1)
نشر في هسبريس يوم 26 - 11 - 2013

انتشر الفكر السلفي/الوهابي منذ أمد غير يسير في الأمة الإسلامية، وارتبط هذا الفكر وأصحابه بالفتن والفرقة الواقعة بين المسلمين، سواء كانوا في بلدانهم الأصلية، أو في بلدان إقامتهم في أمريكا وأوربا، وبعد الربيع العربي، ظهر المكون السلفي/الوهابي بشكل لافت، وأصبح رقما رئيسا في المعادلات السياسية، يتجلى ذلك في مناهضة الوهابيين ورموزهم للمتظاهرين السلميين المنادين بإسقاط الحكام المستبدين، بدعوى حرمة الخروج على الإمام ما أقام فيهم الصلاة ولم يعلن كفرا بواحا، وبعد إسقاط الثوار العرب لبعض الحكام، تولى السلفيون/الوهابية خصوصا في مصر وتونس زعزعة الاستقرار، والمشاركة في الانقلابات، لذلك يجدر بنا أن نتعرف على هذا المكون من خلال التعرف على مؤسسه الأول الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
تجمع الكتابات الصادرة عن أتباع الوهابية على تبجيل هذا الرجل والإعلاء من قيمته بطريقة مبالغ فيها، فهو في نظرهم "رجل عظيم، ومصلح كبير، وداعية غيور" كما صرح بذلك المفتي ابن باز رحمه الله، ولا يلقبه الوهابية إلا بالإمام، أو بشيخ الإسلام، وغير ذلك من المبالغات في الإطراء.
كما يجمع الوهابية على أنه من العلماء المجددين، بل هو مجدد القرن الثاني عشر حسب دعواهم.
ويفصل بعضهم في العلوم التي أتقنها الرجل، ومنها علوم العربية نحوا وصرفا، وعلوم الحديث والتفسير والعقيدة، وقد برع فيها، بل له فيها فهم دقيق ورأي سديد.
وسنحاول في هذا المقال تمحيص ما ذكره أتباع هذا الرجل عنه ابتغاء معرفة صحيحه من سقيمه، وسنعرضه على ميزان العلم للاحتكام إليه دون غيره.
مما لا شك فيه، أن العالم لا يعد عالما إلا إذا تخرج على أيدي شيوخ معروفين بالعلم والتحقيق، لذلك كان العلماء يعتنون بمجموعة أمور، منها تعدد الشيوخ، والرحلة في طلب العلم، لأن الاقتصار على شيخ أو اثنين، والاقتصار على شيوخ منطقة بعينها لن يُسهم في تخريج العالم ذي الملكة الاجتهادية، كما اهتم العلماء بتدوين رحلاتهم وشيوخهم وما تلقوه عنهم من المصنفات والعلوم في كراسات خاصة، وهي ما يطلق عليها البرنامج أو الثبت أو المشيخة أو الفهرسة.
وبالنسبة للسيد محمد بن عبد الوهاب (ت : 1206 ه - 1792 م) لم يترك لنا برنامجا أو مشيخة لنتعرف على شيوخه أو على العلوم التي تلقاها عنهم، مما حدا بأتباعه إلى ملء هذا الفراغ، والإكثار من كتابة سيرة ذاتية لإمام طائفتهم، تحدثوا فيها عن رحلاته وشيوخه بطريقة غير علمية، وأول من ترجم له أحد أحفاده، وعنه نقل الباقي مع إضافات طفيفة هنا وهناك.
شيوخ ابن عبد الوهاب :
أول ما يتبادر إلى الذهن، هو السؤال عن شيوخه الذين عملوا على تلقينه العلوم، من هم ؟ كم عددهم ؟
يذكر مترجموه أنه تلقى العلم عن :
1 – والده الشيخ عبد الوهاب بن سليمان رحمه الله.
2– الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف النجدي بالمدينة المنورة.
3– الشيخ محمد حياة السندي بالمدينة المنورة.
4 – محمد المجموعي بالبصرة.
5 - الشيخ إسماعيل العجلوني.
6– الشيخ علي الداغستاني.
7 - الشيخ عبد اللطيف العفالقي الأحسائي.
8- الشيخ عبد الله بن سالم البصري.
9– صبغة الله الحيدري.
هؤلاء شيوخه، وهم لا يتجاوزون العشرة، وهذه منقصة يُثلب بها العالم خصوصا إذا كان صاحب رحلة كما يروى عنه، حيث رحل إلى مكة والمدينة والبصرة وغيرها، مع ما كانت تعرفه هذه الحواضر من كثرة العلماء ووفرة حلقات الدرس.
وإذا تجاوزنا هذه المقاربة الكمية لشيوخه، وحاولنا تمحيصهم، تبين لنا الآتي :
أولا : لم يتتلمذ السيد محمد بن عبد الوهاب إلا للثلاثة الأول.
ثانيا : باقي شيوخه إما أجازوه إجازة عامة، أو لا علاقة له بهم ألبتة، لذلك كان ابن باز ذكيا حين حصر شيوخه في ثلاثة فقط، ثم قال : "ولعله أخذ عن غيرهما ممن لا نعرف"، وهي طريقة عجيبة في إثبات الشيوخ بالترجي.
وبالنسبة للمحدث إسماعيل العجلوني فإن لقاءه بابن عبد الوهاب غير ثابت، كما أنه لم يلتق بالحيدري لأنه لم يذهب إلى بغداد، لذلك حكى الألوسي لقاءه به بصيغة التمريض : "يقال إنه قدم بغداد وأخذ عن صبغة الحيدري"، فهل تثبت الصحبة واللقاء بمثل هذا الكلام ؟ أما شيخه الثامن "عبد الله بن سالم البصري" فشكك الشيخ عبد الحي الكتاني في تتلمذه له، وتعقب ذلك الشيخ إسماعيل الأنصاري المالي بكلام ختمه بقوله "فلا يستبعد اتصاله ما دام الأمر كذلك"، ولم يؤكد لقاءهما بل لم يستبعده فقط، وهذه طريقة غير علمية في إثبات المشيخة.
ومن مبالغات الوهابية وعدم تدقيقهم أن أحدهم قال : "وممن أخذ عنهم الشيخ وانتفع بمصاحبته ..." وذكر شيوخا، وهي عبارة تفيد اللقاء والمجالسة، لكنه حكى ذلك بأسلوب مرسل، ولم يُحل على مرجع معتمد.
ثالثا : كل شيوخه بدءا بوالده يخالفونه في الفكر والمنهج، فهو عدو الصوفية، وهم ليسوا كذلك، لذلك احتار تلاميذه وأتباعه بين أمرين، إما ألا يذكروا مشايخه وبذلك يكون زنيما لا نسب له في العلم، وإما أن يذكروهم فيتبين أنه أسس لمنهج مخالف بل معادي لمنهجِ مَن بِهِم عَرف ألفباء المعرفة وأبجدياتها، فالشيخ محمد حياة السندي محدث صوفي، له شرح على الحكم العطائية، والداغستاني والعفالقي أجازاه بجميع ما في ثبت أبي المواهب بن عبد الباقي الحنبلي، ومعلوم أن أبا المواهب كان صوفيا، وذكر في مشيخته التي بواسطتها يرتبط ابن عبد الوهاب بالأسانيد أنه كان يحضر دروس شيخه محمد الأسطواني الحنفي الخاصة بوصايا الشيخ محيي الدين، ولم يذكر اسمه إلا وأعقبه بقوله "قدس الله سره"، مما يدل على إعجاب أبي المواهب وإكباره لابن عربي.
أما العجلوني، فعلى فرض إجازته لابن عبد الوهاب، فإنه محدث صوفي، يثني على ابن عربي الحاتمي رحمه الله، أحال في مقدمة كتابه "كشف الخفاء" على "الفتوحات المكية للشيخ الأكبر قدس سره الأنور".
رابعا : غريبة الغرائب هي وجود ابن عبد الوهاب في البصرة وإقامته بها مدة، ورغم ذلك لم نعرف شيوخه هناك، قال ابن باز : "قصد البصرة واجتمع بعلمائها وأخذ عنهم ما شاء الله من العلم ... واشتهر من مشايخه هناك شخص يقال له الشيخ محمد المجموعي"، وقال آل أبو طامي : "فأقام مدة بالبصرة، ودرس العلم فيها على جماعة من العلماء، منهم الشيخ محمد المجموعي"، من خلال هذين النصين، يتبن أن أتباعه ينسبونه إلى المجاهيل والنكرات، لذلك لا يتجاوزون قولهم إنه أخذ العلم عن جماعة من العلماء، ولم يستطيعوا الإجابة عن : من هم ؟ كم عددهم ؟ ما هي العلوم التي لقنوها لإمام نحلتهم ؟ ورفعا للعتب، فإنهم يذكرون الشيخ الوهمي محمد المجموعي، وهو شخص مجهول العين والحال، لا يعرف إلا باعتباره شيخا لرجل اسمه ابن عبد الوهاب وكفى.
من خلال ما سبق، يتبين أن ابن عبد الوهاب لم يتتلمذ إلا لثلاثة شيوخ، أما الباقي فهم مجاهيل نكرات، أو ينسب إليهم ب : لعل، ومن غير المستبعد، ويقال إنه، وغيرها من الأساليب التي لا يثبت بها شيء.
ومن تفنُّن الوهابية في إثبات ما لا يثبت، قال عبد العزيز شلبي : "فلما تهيأ له أن يرتحل إلى البصرة دخلها في تواضع الأئمة، لا يُظهر ما عنده من العلم، وإن كان العلم ينم عن نفسه، ويتحدث بلا لسان عن فضله، وما كاد يجول أول جولة حتى بدا فضله وبان"، وهذا الكلام وغيره من المبالغات لا يحق لنا أن نقبله إلا إذا صدر عمن رأى ذلك وعاينه، ليكون مصدرا في النقل، أما إن كان متأخرا عن الرجل بزمن غير يسير، فلا يعدو أن يكون كلامه أضغاث أحلام، وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين.
بياضات سوداء :
من المستبعد جدا أن يرحل ابن عبد الوهاب إلى البصرة طلبا للعلم دون أن يذكر شيوخه هناك ولو عرضا في رسائله ومؤلفاته، مع أن الدواعي إلى ذلك كثيرة، لأنه قد ينقل عنهم بعض الاجتهادات مع نسبتها إليهم، أو قد يحكي عن رأي تبناه بخلاف شيخه فلان أو علان ومناقشته له، وقد يصف حالة البصرة العلمية أو العمرانية ...، وقد يتحدث عن بعض أصدقائه في الدراسة.
وإذا لم يتحقق كل هذا، فإن من كتب عن الحياة العلمية والثقافية للبصرة في هذه المرحلة سيجد نفسه مضطرا لذكر ابن عبد الوهاب، لأنه "ما كاد يجول أول جولة حتى بدا فضله وبان" حسب عبارة شلبي، فهو عالم كبير، سيناظر علماء البصرة ومثقفيها، وسيناهض ما هم عليه من تخلف وقبورية.
وإذا لم يتحقق هذا، فإن أقرانه من العلماء الذين درسوا معه هناك قد يذكرونه عرضا في مؤلفاتهم ودروسهم، إما لذكر مناقبه أو تفوقه ونبوغه، أو بعض معاركه الفكرية.
ولما لم يذكر شيوخه في البصرة ولم يذكروه، ولم يذكر أقرانه هناك ولم يذكروه، ولم يتحدث عنه مؤرخو البصرة في تلك المرحلة، فإن هذه البياضات محتاجة إلى بحث وتنقيب.
ما ذا كان يفعل محمد بن عبد الوهاب في البصرة ؟
إنه السؤال المحير والمقلق.
هل كان طالب علم ؟ ما الدليل على ذلك ؟.
هل نصدق ما يشاع أنه في تلك الرحلة كان مجندا من قبل المخابرات البريطانية ؟ سؤال لا نستطيع الإجابة عنه، وإن كان يعضده أمران :
أولهما : عملُ ابن عبد الوهاب كان مقَسّما للأمة مشتتا لها، متوسلا في ذلك قلمه ولسانه وسنانه.
ثانيهما : أن تجنيد جماعة من أهل العلم أمر سائغ ومعمول به من قبل البريطانيين.
فهل الوهابية صناعة إنجليزية كما كانت البهائية من بعد ؟
أسئلة خطيرة يجب على الباحثين والمؤرخين أن يشمروا عن ساعد الجد لملء البياضات التي تغطي الفترة البصرية من حياة ابن عبد الوهاب، وذلك بالطرق العلمية مع الابتعاد عن "لعل" وأخواتها.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.