أنا امرأة أنتمي لعرق "شان" من بورما، عملت لأجل حقوق الإنسان والديمقراطية لعقود في بلدي. أتيحت لي هذا العام فرصة لقضاء كزميلة زائرة في الصندوق الوطني للديمقراطية، وللبحث في دور المرأة في التحول الديمقراطي في "بورما". وخلال فترة وجودي بواشنطن، بقيت على اتصال مع زملائي في بورما ومناطق على طول الحدود لتعقب كل التغيرات التي كانت تجري هناك. وكنت بدل أن أسمع الإثارة في أصواتهم حول الانفتاح الذي يشهده البلد، كنت أسمع الخور المتزايد. المنع والقمع ورغم كل التغييرات التي شهدتها بورما خلال العامين الماضيين، فإن الحديث الجذاب حول الديمقراطية هناك، والذي يدور في واشنطن، مختلف بالكلية عما يجري على أرض الواقع. تعاني ولاية "شان"، والتي أنحدر منها، ومناطق عرقية أخرى، من صراعات سياسية مسلحة عنيفة. ولا يتم القبض على النشطاء فقط، بل وحتى المزارعين القرويين العاديين، وضربهم وسجنهم، فقط لانخراطهم في تظاهرات سلمية لتحدي المشاريع الضخمة، مثل التنقيب على المعادن، وخطوط أنابيب الغاز والسدود. وتستخدم الشرطة القوة المفرطة لخنق وقمع المتظاهرين السلميين بشكل أصبح روتينيا. ورغم أن أعمال العنف تلك تهدد حقا المستقبل في بورلما، غير أن السلطات غير راغبة في إيقافه. ومثل فشل السلطات في التدخل لإيقاف الهجمات على الأقلية المسلمة في إقليم "أسيو" مدينة جميلة في قلب ولاية شان الشمالية صدمة كبيرة للكل. وعلى الرغم من أنني شهدت أعمال عنف رهيبة في بلدي، لم أكن أتوقع أن نرى يوما هجمات مضادة من ذاك النوع على المسلمين، كتلك التي وقعت وشهدها الكل في شهر مايو الماضي. الخوف والكره لم يكن الحديث بين الأصدقاء والأقارب والزملاء حينها إلا عن أجواء الخوف التي انتشرت في كل مكان، حيث كانت الاتهامات تتجه صوب بعض الغرباء الأجانب الذين ظهروا فجأة وسط الغوغاء، ثم اختفوا بعد أن انتهت أعمال العنف. وأصبح الكل متوجسا من حدوث مثل هذا الشغب مرة أخرى، في أي مكان أو أي وقت لا يتوقعه أحد. أعتنق الديانة البوذية، وتعلمت منذ الطفولة أن الكره إحساس سلبي، مدمر، يبغي علينا أن نسعى للقضاء عليه عبر نشر المحبة والتعاطف مع الآخرين. ولذلك فإني لا أستطيع أن أفهم كيف أمكن لما يسمى حركة 969؛ والتي تعمل على تعزيز الانقسام والكراهية، أن تدعي انتماءها للبوذية. وكيف يمكن للحكومة البورمية وللنخبة السياسية أن تدعم زعيم تلك الحركة. درست أعمال العنف التي حصلت مؤخرا عن كثب، واستطعت رؤية خطة ممنهجة للهجمات في جميع أنحاء بورما. الأولى، كانت الفتاة التي تعرضت لهجوم وحشي واغتصاب من طرف فرد من عقيدة مختلفة. وقد أثار هذا الحادث العنف على نطاق واسع من قبل غوغاء المنطقة البوذية التي تهاجم المسلمين المحللين، بإحراق بيوتهم وشركاتهم ومدارسهم وأماكن عبادتهم، وبضرب وقتل المدنيين، بما في ذلك حرقهم وهم أحياء، وتدمير النسيج الاجتماعي بخلق الكراهية بين مختلف العقائد. لم تتدخل أبدا قوات الأمن حين احتدم العنف، رغم أنها في كثير من المواقف تعمل بجهد على إيقاف الحادث في مرحلته الأولية، قبل أن ينتقل إلى المحرضين مرتكبي العنف دفي الشارع العام، والذي يقتلون الناس الأبرياء حرفيا. موقف المجتمع الدولي قد حصلت على منتهكي حقوق الإنسان بعيدا مع الجرائم في بورما منذ عقود. كان الشعب البورمي الأمل للعدالة طالما وثق المجتمع الدولي وأدان الانتهاكات الخاصة بهم. كما يكتب في الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها السنوي ضد بورما، فإنه يجب تقديم توصيات الخطيرة التي تعكس بدقة واقع في بلدي. إذا كان للبلدان التي طالما دعمت كفاحنا من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية، بدلا يقرر أن الوضع الراهن هو " جيدة بما فيه الكفاية "، وتغض الطرف عن انتهاكات مستمرة، لدينا حلم العدالة قد تكون أبدا جزأ من المستقبل في بورما. قادة بورما، والذين يتجاهلون قرارات الأممالمتحدة التي منعت عن هؤلاء المتطرفين الإفلات من العقاب، استطاعت تلميع صورتها عبر الخارج بالمشاركة في البعثات الخارجية ومحاولة تغيير واقع البلاد عبر وسائل الإعلام. ولابد أن النتيجة أتت أكلها، إذ تم استقبال المسؤولين العسكريين البورميين في العواصم الغربية استقبالات نخبوية بابتسامات لا تستنكر أن أياديهم لازالت ملطخة بالدماء. كما أن الأممالمتحدة، عوض أن توجه إدانة للسلطات البورمية وصمت المجتمع الدولي فيما يخص الهجومات الغوغائية العنيفة التي انتهكت حقوق الإنسان في شهر غشت الماضي، على ولاية "توماس أوخيا كوينتانا"، فضلت التعاطف مع التحديات التي تواجه السلطات. ولعقود، أفلت منتهكو حقوق الإنسان في بورما بجرائمهم من العقاب. وقد كان الشعب البورمي يأمل في العدالة بعد أن وثق المجتمع الدولي الانتهاكات التي تحصل على مرأى العين وأدانها. وكما أن الجمعية العامة للأمم المتحدة كتبت في قرارها السنوي توصيات خطيرة ضد بورما، فإن هذا من الفروض أن يعكس بدقة واقع البلد عوض تلميع صورته. وإن كان بلدنا، الذي طالما ناضلنا لأجل الديمقراطية وحقيق الإنسان فيه، يقرر أن الوضع الراهن جيد بما فيه الكفاية، فإننا لن نحلم أبدا بأن العدالة ستكون يوما جزء من مستقبل بورما. *عضو في الفريق الاستشاري لشبكة العمل النسائي، وكانت واحدة من الناشطات في منتدى الديمقراطية سنة 2013 التابع للصندوق الوطني للديمقراطية