في قراءة وافية لدلالات ومرامي زيارة الملك محمد السادس إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، أكد الدكتور سمير بنيس بأن لزيارة العمل هذه العديد من الأهداف المراد من خلالها تحسين العلاقات الثنائية على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، كما أنها زيارة ترنو إلى التعجيل بإيجاد حل لهذا النزاع بناءً على مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب في شهر أبريل عام 2007. وأفاد بنيس، في المقال الذي توصلت به هسبريس، بأن تسعة سفراء سابقين لأمريكا في المغرب بعثوا برسالة إلى الرئيس باراك أوباما، يدعمون من خلالها المقترح المغربي الخاص بالحكم الذاتي الموسع لحل نزاع الصحراء"، مشددا على أنه "حتى لو ربح المغرب رهان هذه الزيارة يجب على صناع القرار في المغرب أن يدركوا أن الجزائر لن تبقى مكتوفة الأيدي، وستقوم بكل ما في وسعها لتعكير صفو العلاقات بين البلدين". وفيما يلي نص مقال د. سمير بنيس: قراءة في زيارة الملك محمد السادس للولايات المتحدةالأمريكية الزيارة التي يقوم بها العاهل المغري محمد السادس للولايات المتحدةالأمريكية تأتي في وقت دقيق وهام بالنسبة المغرب، وكذا الولاياتالمتحدةالأمريكية، مما يجعلها تتخذ أبعاداً غاية في الأهمية. فهي تأتي بعد أقل من ستة أشهر من التوتر الذي شهدته العلاقات بين البلدين في شهر أبريل الماضي بسبب محاولة الولاياتالمتحدة إضافة مراقبة حقوق الإنسان إلى ولاية بعثة الأممالمتحدة في الصحراء. وبالتالي، فهذه الزيارة تأتي لتعيد الأمور لنصابها، إذ سيحاول المغرب استعمال أوراقه الدبلوماسية لكسب تعاطف الإدارة الأمريكية تجاه موقفه بخصوص هذا النزاع الترابي الذي طال أمده. كما أنها ستكون محاولة من المغرب للتقرب أكثر من الحزب الديمقراطي المعروف بميول نسبة كبيرة منه للتعاطف مع أطروحة البوليساريو. كما تأتي هذه الزيارة في ظل التطورات التي تعرفها من منطقة شمال إفريقيا والساحل وكل عوامل الاضطراب التي تعاني منها، على رأسها تفشي ظاهرة الإرهاب الذي تتزعمه القاعدة، التي اتخذت موطأ قدم لها في هذه المنطقة عوض أفغانستان في السابق، بالإضافة إلى المشاكل الناجمة عن ظاهرة الهجرة السرية، التي أصبح المغرب في الآونة الأخيرة يعتبر فيها من بين الدول التي تواجهها بأكثر حدة. وبالنظر للدور الذي لعبه المغرب خلال السنتين الأخيرتين في العمل على إعادة الاستقرار لمالي ومحاربة عصابات الإرهاب المتواجدة فيه، فقد أظهر مرة أخرى للعالم أنه دولة فاعلة لا مناص منها في أي إستراتيجية ترمي إلى محاربة هذه الظاهرة والحفاظ على الاستقرار في المنطقة. وسيكون هذا المعطى من بين العوامل المهمة التي يمكن للمغرب استعمالها مع الولاياتالمتحدة من أجل تعميق تعاونه معها في هذا المجال وجعله الفاعل الرئيسي الذي تعتمد عليه واشنطن من أجل الحفاظ على استقرار المنطقة وبالتالي، الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية. كما سيكون للاستقرار السياسي الذي ينعم به المغرب في منطقة تعاني من الاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار من بين العوامل التي يمكن للمغرب استعمالها، خاصةً أنه البلد الوحيد الذي استطاع تجاوز ما يسمى الربيع العربي من خلال القيام بإصلاحات سياسية غير مسبوقة ساهمت في الحفاظ على استقراره السياسي، وجعلت منه المثل الذي يحتذى به في المنطقة. ومما لا شك فيه أنه سيكون لهذه الزيارة وقع غير مسبوق على تحسين مستوى العلاقات السياسية والاقتصادية وكذلك العسكرية بين المغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية والرقي بها إلى المستوى الذي يصبو إليه شعبي البلدين. ولعل الوفد الهام الذي يرافق الملك محمد السادس، والذي يضم أكبر الفاعلين في الاقتصاد المغربي لخير مؤشر على أن المغرب يسعى إلى الدفع بالعلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين إلى أرقى مستوى وتحسين مستوى المبادلات التجارية وتفعيل أكبر لاتفاقية التبادل الحر الموقعة بين البلدين عام 2006. ومن المنتظر أن تشهد هذه الزيارة التوقيع على العديد من الاتفاقيات التجارية بين البلدين، خاصة في المجال الطاقي والمجال البنكي، خاصةً إذا أخذنا بعين الاعتبار الأهمية التي أصبح يوليها المغرب لمجال الطاقات المتجددة. وهنا يمكن التصور بأن يقوم المغرب بالاعتماد على بعض الشركات الأمريكية الرائدة في هذا المجال من أجل تطوير استراتيجيته في هذا المجال. كما أنه من المنتظر أن يقوم البلدان اللذان يعتبران أكبر منتجين للفوسفاط في العالم على تطوير تعاونهما في هذا المجال، خاصةً في ظل الأهمية التي أصبح يلعبها. ومن المنتظر أن يلعبها الفوسفاط بشكل أكبر في السنوات القادمة في مجال الحفاظ على الأمن الغذائي. ويمكن أن تكون هذه من الورقات التي أن ينبغي على المغرب أن يستعملها في المستقبل مع شركائه الأجانب، بما في ذلك الولاياتالمتحدة، خاصةً أن المغرب يتوفر على أكبر احتياطي عالمي من هذه المادة الحيوية، مما سيؤهله للعب دور محوري في الحفاظ على الأمن الغذائي العالمي في المستقبل. وعلى المستوى السياسي، ينتظر كذلك أن يتم تعميق الشراكة الإستراتيجية القائمة بين البلدين وتعميق الحوار السياسي بين البلدين، بالإضافة إلى تعميق التعاون بين البلدين من أجل الحفاظ على الاستقرار في الشرق الأوسط. وهنا تجب الإشارة إلى أنه، بالنظر إلى الاحترام والثقة التي يحظى بهما المغرب في الولاياتالمتحدةالأمريكية كبلد تتعايش فيه كل الديانات، فيمكن للمغرب أن يصبح من بين الفاعلين الرئيسيين التي تعتمد عليهم الولاياتالمتحدة في الدفع بعملية السلام في الشرق الأوسط وتعزيز بناء الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خاصةً في ظل غياب الدور المصري بسبب الاضطرابات السياسية التي تعيشها مصر. وبخصوص قضية الصحراء، فلا شك أنها ستكون من بين المحاور الرئيسية للمباحثات التي سيجريها الملك محمد السادس مع نظيره الأمريكي باراك أوباما. ومن الواضح أن العاهل المغربي سيستغل فرصة تواجده في واشنطن لإقناع الإدارة الأمريكية بأهمية التعجيل بإيجاد حل لهذا النزاع بناءً على مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب في شهر أبريل عام 2007. وهناك العديد من المؤشرات التي توحي بأن هناك ضغوطات تمارس على الإدارة الأمريكية من أجل دفعها إلى لعب دور أكبر فعالية وأكبر إيجابية في هذا الملف والعمل على حله بما يتماشى مع مصالح المغرب والحفاظ على وحدته الترابية. فخلال الأيام القليلة الماضية شاهدنا العديد من المبادرات الأمريكية التي تدعو الرئيس أوباما إلى دعم المقترح المغربي، على رأسها الرسالة التي أرسلها تسعة سفراء سابقين لأمريكا في المغرب، حثوا فيها البيت الأبيض على مراعاة مصالح المغرب في هذا الملف وحقوقه التاريخية وبالتالي إيجاد حل لقضية الصحراء بناءً على مقترح الحكم الذاتي الموسع الذي اقترحه المغرب. ولعل هذه الرسالة سابقة، خاصةً وأنه تشمل سفراء تعاقبوا على المغرب في ل 32 سنة الماضية ، مما يعتبر رسالة قوية إلى الإدارة الأمريكية بضرورة تبني موقف مؤيد للمغرب ومعاملته باعتباره واحد من حلفاءها الاستراتيجيين الرئيسيين. كما وجه العديد من أعضاء الكونغرس والمحللين السياسيين والصحفيين المرموقين نداءً إلى الرئيس أوباما من أجل لعب دور هام في إيجاد حل لهذه القضية. وهنا يجب الإشارة أنه على الرغم من الدعم الذي يحظى به المغرب من لدى بعض الجهات النافدة في واشنطن، إلا أنه على المغرب أن يتقرب أكثر إلى الحزب الديمقراطي وأن يتم وضع حد للعجز الذي يعاني منه وسط هذا الحزب، بدل الاكتفاء بالاعتماد على الدعم الذي يقدمه الحزب الجمهوري. فما يجب على المغرب القيام هو تحصين علاقاته مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وعدم جعل موقفها بخصوص قضية الصحراء أو قضايا أخرى رهين بالحزب الحاكم. كما يجب على المغرب إعطاء ضمانات بخصوص عزمه احترام حقوق الإنسان في كافة التراب المغربي، بما في ذلك في الصحراء وعلى نيته بتمتيع الصحراويين بحكم ذاتي فعلي. كما يجب التأكيد على معطى أساسي، وهو أنه مهما كانت البيانات التي سيتم نشرها عقب الزيارة رنانة وتصب في التنويه بالمغرب وبأهميته كحليف استراتيجي للمغرب، فيجب على المغاربة ألا يخلدوا للنوم ويظنوا أنهم قد ربحوا رهان حل قضية الصحراء. فلو افترضنا أن المغرب قد ربح رهان هذه الزيارة وأخذ ضمانات من الإدارة الأمريكية بخصوص دعم موقفه بشأن قضية الصحراء، فيجب على صناع القرار في المغرب أن يعرفوا على أن الجزائر لن تبقى مكتوفة الأيدي وستقوم بكل ما في وسعها لتعكير صفو العلاقات بين البلدين. وبالتالي، فعلى الدبلوماسية المغربية وصناع القرار القيام بعمل دؤوب طوال السنة لربح رهان الرأي العام الأمريكي والدولي وكذلك تفادي السقوط في أي هفوة يمكن أن تستعملها الجزائر والبوليساريو وحلفاءهما للطعن في موقف المغرب والمس بسمعته في مجال حقوق الإنسان. *مستشار سياسي في منظمة الأممالمتحدة ورئيس تحرير موقع Morocco World News