يقوم جلالة الملك محمد السادس بزيارة إلى واشنطن ابتداء من 22 نونبر الجاري، للقاء الرئيس الأمريكي الحسين باراك أوباما، ونظرا لحجم الحدث من الناحية السياسية والاقتصادية وما تشكله هذه الزيارة من اهمية قصوى، أجرت جريدة «الاتحاد الاشتراكي» حوارا مع محمد تاج الدين الحسيني الخبير في العلاقات الدولية، لملامسة العديد من القضايا المرتبطة بهذه الزيارة، وبالخصوص العلاقات المغربية الأمريكية، وقضية الصحراء بحكم واشنطن أحد العواصم الكبرى المؤثرة في الملف، وكذلك المغرب كنموذج ديمقراطي في شمال افريقيا والعالم العربي الذي خرج بتفوق من الربيع العربي. حوار: عبد الحق الريحاني { من المنتظر أن يقوم جلالة الملك محمد السادس بزيارة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية ابتداء من 22 نونبر الجاري للالتقاء بالرئيس الأمريكي الحسين باراك أوباما، من موقعكم كخبير في العلاقات الدولية كيف ترون أهمية هذه الزيارة؟ بكل تأكيد ستتميز زيارة العاهل المغربي للولاية المتحدةالأمريكية بنوع من الخصوصية في العلاقات الديبلوماسية ما بين المملكة المغربية من جهة والولاياتالمتحدةالأمريكية، باعتبار إن العاهل المغربي لم يزر الولاياتالمتحدة بصفة رسمية منذ مدة طويلة، كما أن الرئيس الأمريكي يوجد الآن في نصف الولاية الرئاسية من الناحية الزمنية، فلهذه الزيارة أهمية خاصة تكتسيها من حيث أن المغرب صديق قديم لأمريكا كما تربطه بهذه الدولة علاقات اقتصادية وسياسية مهمة، إذ اعتبرت أمريكا المغرب حليف سياسي خارج الحلف الأطلسي وكذلك من خلال الحوار الاستراتيجي ما بين المغرب وأمريكا، الذي أقيمت دورته الأولى في واشنطن، كذلك أن الزيارة تأتي في أعقاب المنعطف الخطير الذي عرفته العلاقات المغربية الأمريكية مؤخرا بعد الثوتر الذي تسببت فيه الإدارة الأمريكية بعد أن أنزلت مشروعا بمجلس الأمن من اجل توسيع اختصاصات بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء المغربية، وكان جواب المغرب قويا بإلغاء مناورات الأسد الإفريقي التي من المفترض أن تكون كل سنة و تضم 2000 جندي دولي.
{ يشهد تاريخ العلاقات الديبلوماسية والدولية على أن المغرب أول بلد ربط علاقات ديبلوماسية مع الولايات المتحدةالأمريكية، كما كان محسوبا في عهد القطبية الثنائية على المعسكر الغربي أي حليفا سياسيا للولايات المتحدةالأمريكية واليوم واقع الحال تغيير، والعلاقات الدولية مصالح، كيف ترون هذه التحولات ومدى تأثيرها على العلاقات المغربية الأمريكية؟ فعلا المغرب صديق تقليدي للولايات المتحدةالأمريكية، فقد تم الاعتراف بهذه العلاقات ونسجها في سنة 1777 إبان عهد السلطان محمد بن عبد الله، بحيث اعترف المغرب بالولاياتالمتحدةالأمريكية كدولة، فكل الرؤساء لأمريكا يشيرون لهذه الحقيقية والتي تدل على قدم وأعرق العلاقات المغربية الأمريكية، ونتذكر في سجل التاريخ المعاصر أنه بعد الحرب العالمية الثانية استقبل الملك محمد الخامس الرئيس الأمريكي روزفلت بطنجة، وأكد هذا الأخير ساعتها على حق المغرب في الاستقلال، وجاءت مرحلة الاستقلال ليدخل المغرب فيما بعد نادي الاستقلال إلى جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية، ومعروف في التاريخ كيف كان المغرب يحسب على النادي الليبيرالي والغربي لمواجهة التغلغل الشيوعي في المنطقة العربية والإفريقية، وغير خاف الدور المتميز الذي لعبه الملك الراحل الحسن الثاني، والذي كان يقوم به كوسيط في الصراع العربي الاسرائيلي، وكرجل حكمة ونصح للقادة الأمريكيين في كل ما يتعلق في السياسة العربية، ومع انهيار المعسكر الشرقي نتج تطور جديد في النظام العالمي، تمثل في القطبية الأحادية، والذي نتج عنه فيما بعد بفعل تسارع الأحداث والتطورات الطارئة في العالم تعدد القطبية، فدخلت الجزائر على الخط التي كانت تحسب على المعسكر الشرقي سابقا، حيث أصبحت تعتبر نفسها صديقة للولايات المتحدةالأمريكية، وما تصريح وزير خارجية دولة الجزائر مؤخرا إلا دليل على هذا الواقع، إذ اعتبر على أن بلاده تتبادل مع الولاياتالمتحدةالأمريكية المعلومات حول الإرهاب ، وكذلك في إطار قضايا ذات إستراتيجية بالمنطقة، ثم أن حجم التبادل التجاري ما بين الولاياتالمتحدةالأمريكية ودولة الجزائر يفوق حجم المبادلات المسجل في جميع دول شمال إفريقيا وبما في ذلك مصر، فدخول الجزائر على الخط أدى إلى إحداث نوع من التوازن خدمة لمصالحها الحيوية. { وأمام هذا الواقع ما هي التحركات السياسية والديبلوماسية التي قام بها المغرب، لمواجهة هذه التحديات المتسارعة في العلاقات الدولية والتي تنبني أساسا على المصالح الاقتصادية والسياسية المتبادلة كأولويات في استمرار علاقات تعاون متينة ومثمرة وجدية بين الدول. صحيح، فأمام هذا التحول، أصبح المغرب يطور علاقاته مع الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث أقدم على توقيع اتفاقية للتبادل الحر بينه وبين أمريكا، والقيام بالحوار الاستراتيجي، واعتبار الولاياتالمتحدةالأمريكية المغرب بلد حليف لها خارج الحلف الأطلسي، فالحوار الاستراتيجي الذي انعقدت لقاءاته في دورته الأولى بواشنطن خلال السنة الماضية الذي وضع جدولة للأعمال لمستقبل هذا الحوار الاستراتيجي ومن المنتظر عقد دورته الثانية في المغرب مباشرة بعد عودة جلالة الملك من واشنطن، كما أن المغرب ينظم عدة مناورات عسكرية لعل أهمها مناورات الأسد الأفريقي التي تنظم سنويا وتظم أكثر من 2000 جندي دولي، بالإضافة إلى التعاون الذي يندرج في إطار أفريك كوم هذه المؤسسة العسكرية التي كان سينقل مقرها إلى المغرب والتي تشتغل في إطار ضمان إقرار الأمن والاستقرار. { لاشك أن هذه الزيارة الملكية لواشنطن ستكون لها نتائج ايجابية على العلاقات المغربية الأمريكية وستضخ نفسا جديدا لها، وستشكل فرصة سانحة للرقي بهذه العلاقات وتقويتها؟ بالفعل فهذه الزيارة الملكية لواشنطن ستطور العلاقات المغربية الأمريكية وستزداد أهمية، فيجب أن لا ننسى أن المغرب البلد الوحيد الذي خرج متفوقا من أزمة الربيع العربي التي عرفتها الدول العربية، فمصر مثلا تتجه بعد زيارة قادة روسيا إلى هذه الدولة من اجل اقتناء الأسلحة منها، ليبيا وتونس تعيشان مخاض عسير لم تتضح بعد معالم ولادته، بل هناك مؤشرات سلبية لا تسير في الاتجاه الذي يساير المصالح الأمريكية بالمنطقة، فأما الجزائر لم تتمكن من وضع مناخ ديمقراطي، وفي مقابل ذلك المغرب اقر دستور جديد ونهج إصلاحات سياسية واقتصادية جعلت منه نموذجا وتجربة رائدة يحتدى بها ، ونعتقد أن الولاياتالمتحدة ستكون سعيدة بهذا النموذج في العالم العربي وإفريقيا، كما أن هذه الزيارة كذلك ستكون مناسبة لتهنئة المغرب على كل هذه الإصلاحات ومتابعتها. { ألا يمكن اعتبار كذلك أن لقاء جلالة الملك بالرئيس الأمريكي بواشطن سيكون مناسبة كبرى للمزيد من تبديد سوء الفهم الذي يكتنف النزاع المفتعل بالصحراء المغربية والتوثر الذي ساد العلاقات المغربية الأمريكية من خلال المشروع الأمريكي الذي بادرت الإدارة الأمريكية لتنزيله بمجلس الأمن ؟ هذا مطلوب بقوة في هذه الزيارة، لأن ما وقع بالفعل سوء فهم كبير من الإدارة الأمريكية وقتها لم يكن الملف لدى الرئيس الأمريكي وتصرفت ممثلة الإدارة الأمريكية في الأممالمتحدة، وهي من لعبت دورا كبيرا في تنزيل ذلك المشروع الذي خلق توثرا كبيرا في العلاقات المغربية والأمريكية، ونعرف علاقة هذه الممثلة للإدارة الأمريكية مع مركز كنيدي ورئيسته والمواقف المعادية لهذه المؤسسة للقضية الوطنية المغربية، وهذا يفسر دعم رايس لتقديم ذلك المشروع الذي فاجأ المغرب، وشكل خطورة على العلاقات المغربية الأمريكية، إلا بعد اتصال جلالة الملك بالرئيس الأمريكي وبالتالي تم إنهاء هذه الأزمة ووضع حد لها ، ودعوة العاهل المغربي لزيارة واشنطن، لا تفترض أن يكون تراجع في الموقف الأمريكي منذ السنة الماضية إلى الآن، خاصة أن المغرب قد حقق مكتسبات في حقوق الإنسان خلال هذه السنة، مادام الأمر ذلك فلا يمكن تقديم مشروع جديد يصب في هذا الاتجاه لمجلس الأمن، وآخر هذه المنجزات والتطور المركزي في حقوق الإنسان إعادة انتخاب المغرب عضو لمجلس حقوق الإنسان بالأممالمتحدة فحصل على 163 صوت من أصل 193 وهذا يؤكد بالملموس مصداقية المغرب في احترامه لحقوق الإنسان.
{ بعد انتخاب المغرب في مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة، ما هي الاستراتيجية التي يجب أن يتخذها من اجل إفشال مناورات خصوم الوحدة الترابية ولوضع حد لمغالطاتهم في هذا المنحى؟ الآن المغرب مدعو أكثر من أي وقت مضى للمطالبة بضرورة إحصاء اللاجئين بتندوف، لأن هذه المعطيات في هذا الجانب بإمكانها أن تعري العديد من الحقائق، لذلك في المقابل نلاحظ أن الجزائر تحافظ جاهدة على هذا الواقع وتراوغ كي لا يتم ضبط عدد هؤلاء اللاجئين وفق مبادئ الأممالمتحدة، فضلا عن أن دولة الجزائر نفسها لا تحترم حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا، فهناك تضييق على حرية التنقل، سواء من تندوف إلى الجزائر أو إلى دول أخرى، أو تنقل من الجزائر ودول أخرى إلى تندوف، ناهيك عن المساعدات الدولية الموجهة لهؤلاء اللاجئين بتندوف، والتي يتم البيع والشراء فيها لصالح جهات معينة أو يتم تغيير وجهتها لأغراض يعرفها المسؤولين عن ذلك فهذا ملف أنساني لآخر يستحق اهتمام دولي كبير، كما على المغرب الآن، أن يؤكد مطالبته بأن يعتمد مقترح مشروع الحكم الذاتي كقاعدة للمفاوضات من أجل الوصول إلى حل سياسي متوافق عليه خاصة أن هذا المشروع سبق للأمم المتحدة أن وصفته بالحل السياسي ذو المصداقية والجدية والواقعية.