وأخيرا دقت ساعة الصفر، وأخرج ريان من البئر التي سقط فيها والتي كانت وعلى مدى خمسة أيام مأواه ومرقده. وأي مأوى وأي مرقد؟ وتنفست أمه الصعداء، تنفس أبوه الصعداء، وتنفس المغرب والمغاربة والعالم أجمع الصعداء. خمسة أيام من الانتظار. انتظار طويل مؤلم مرير مشوب بشيء من الأمل. رفعت خلالها ملايين الأكف، إن لم نقل الملايير على طول الأرض وعرضها إلى مالك الأرض والسماء لحفظه وإرجاعه سالما إلى أسرته. على مدى خمسة أيام تحولت "إغران" من قرية صغيرة مجهولة ملقية في مكان ما من أعماق جبال الريف، إلى قبلة العالم ومركز دائرة اهتمامه. ولم يقل اهتمام وتضامن مغاربة العالم عن اهتمام وتضامن نظرائهم داخل المغرب. فكانت قضية ريان حديث المجالس ومتابعة مستمرة لتطوراتها عبر القنوات التلفزية أو "اللايفات" من عين المكان التي لم تكن تنقطع على مدار 24 ساعة. دقت ساعة الصفر، وأخرج ريان من غيابات الجب، وتنفس الجميع الصعداء وعمت الفرحة الجميع. هلل الحاضرون وصدحت حناجرهم بنشيد طلع البدر علينا وأبطال الوقاية المدنية يحملون ريان مسرعين به إلى سيارة الإسعاف لإسعافه. فرح الجميع، ولكنها فرحة لم تعمر طويلا ليعقبها وبعد لحظات قليلة خبر وفاة ريان. ولينقلب العرس إلى مأتم والفرح إلى حزن. حزن موجع عميق، وبقية القصة معروفة... ورغم قساوة الفاجعة، وقد كانت قاسية جدا، فقد حملت في طياتها جوانب مشرقة جميلة، في حال ما إذا سمحنا لأنفسنا بأن نرى في هذه الفاجعة جوانب جميلة. لقد كان جميلا الاهتمام والتضامن الكبيرين حول مأساة ريان، ليس من طرف الشعب المغربي وحسب، بل ومن طرف ساكنة المعمور أجمع ومراحل إنقاذه تنقلها كبريات الأنباء العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي بكافة أنواعها وبجميع اللغات. اهتمام وتضامن أثبتا أن العالم ما زال بخير وأن لا العرق ولا الدين ولا السياسة ولا الجغرافيا بإمكانها أن تحول دون إحساس البشر بآلام وجراح وهموم بعضهم البعض. ما كان جميلا في هذه المأساة هو التجند المبكر للسلطات المغربية ومصالح الوقاية المدنية لاحتواء الحادث وتوفير كل الإمكانيات المتاحة من أجل إنقاذ ريان. أخيرا، وخلال اجتماع لمجلس الحي في المدينة التي أقطنها عبر زملاء هولنديون عن إعجابهم بالعمل الجبار الذي قامت به الدولة المغربية، والمتمثل في خرق جبل كامل من أجل إنقاذ طفل عمره خمس سنوات. ما كان جميلا فيها أيضا، وعكس ما كان منتظرا، هو التضامن المنقطع النظير الذي أبداه الشعب الجزائري الشقيق مع نظيره المغربي حول مأساة ريان منذ ساعاتها الأولى. خاوة خاوة قبل الفاجعة كنت منهمكا في كتابة مقال اخترت له كعنوان: "عندما نجح جنرالات الجزائر في تحطيم ما تبقى من أسطورة خاوة خاوة" استعرضت فيه المساعي الحثيثة للنظام الجزائري خلال السنتين الماضيتين من أجل شيطنة المغرب وملء قلوب المواطنين الجزائريين حقدا وكراهية ل"المروك وللمراركة"، وعلى كافة المستويات السياسية والثقافية والرياضية... وذلك لهدفين اثنين: 1- تحويل انتباه الرأي العام الجزائري عن الأوضاع الكارثية التي تتخبط فيها البلاد، وتقديم المغرب كعدو خارجي يجب على الجميع التعبئة الشاملة لمواجهته والتصدي له. 2- صرف التفكير في عودة الشعب إلى الحراك بعد قرب بطلان مفعول احتجاج النظام وطيلة عامين كاملين بجائحة كورونا. كنت أعتقد، ولا شك أن كثيرين كانوا يعتقدون مثلي، أن النظام الجزائري قد نجح فعلا في تحقيق هدفه والقضاء نهائيا على تلك البقية الباقية من رابطة الأخوة التي كانت تجمع دوما الشعبين المغربي والجزائري. ولكن جاءت فاجعة ريان لتبرهن بما لا يدع مجالا للشك على أن الشعب الجزائري الشقيق أكبر وأقوى وأذكى من جنرالاته. رحم الله ريان، تلك الزهرة الزكية التي فاحت من قلب جبال الريف على العالم أجمع بأريج قيم إنسانية كنا نظنها بادت إلى الأبد.