التأم ثلة من الباحثين المنتمين لدول مغاربية، بندوة وسط كلية الحقوق بمدينة سطات، حول النخب بالمنطقة وأسئلة الاصلاح لبحث الأسباب الحقيقة وراء فشل الوحدة التي دشنها زعماء الدول الخمسة بمراكش ذات يوم من سنة 1988. صراع الجناحي الرئاسة والمخابرات بالجزائر اعتبر عبدالرحيم المنار أسليمي، رئيس المركز المغاربي للدراسات الامنية وتحليل السياسات، أن "المنطقة الجغرافية المسماة بالمغاربية تخضع اليوم لثلاث أنواع من الضغوطات، يرتبط أولها بصراع استراتيجي يتمثل في قوى دولية قديمة هي أمريكا، فرنسا وروسيا وقوى دولية جديدة هي الصين، تركيا واسرائيل متنافسة حول المنطقة، في الوقت الذي يمثل النوع الثاني ضغوطات في شكل حرب تسعى إلى تغيير قيم المنطقة المغاربية وهي ضغوط تمارسها وتتصارع حوله العربية السعودية وقطر وايران". وحسب أسليمي، الذي تمحورت مداخلته حول "حالة الاصلاح في الدول المغاربية"، فإن ضغوطات الالتصاق الجغرافي بدول الساحل والصحراء لا ينبغي إهمالها، وهو الذي يضم مجموعة دول مفلسة أو انها على حافة الافلاس.. وأضاف الباحث في الدراسات الأمنية أن "الاتحاد المغاربي لم يعد موجودا لأن عطبه في النفوس وليس في الاجهزة والنصوص"، مبرزا أن دوله تنزع تدريجيا نحو التباعد والبحث عن خيارات تعاون استراتيجي جديد، قبل أن ينبه للمسارات المختلفة التي تعيشها هذه الدول. ولاحظ أسليمي في هذا الاتجاه أن الجزائر يستعصي النظام العسكري على التغيير ويعيش صراعا بين الجناح الرئاسي والجناح المخابراتي، مشددا أنه يتجه نحو سيناريو كارثي أمام تمسك بوتفليقة بالجمهورية الوراثية في انتخابات مقبلة خاطئة، وهو نفس الوضع في موريتانيا الدولة القريبة من السقوط في الإفلاس امام احتجاجات المعارضة على الانتخابات المقبلة وهو مايفتح إمكانية حدوث انقلاب عسكري جديد.. أما في ليبيا فيرى أسليمي أنه لا وجود لشيء اسمه الدولة التي يستضم بنائه بالجماعات الارهابية والمليشيات المسلحة في الوقت الذي تتحدث فيه التقارير الدولية عن وجود أربعين ألف سلفي في المجتمع التونسي الذي بات منقسما الى علمانيين واسلامين لازالت داخله حركة النهضة غامضة في اختياراتها. إلى ذلك أشار نفس المتحدث إلى أن التجربة المغربية الحالية وإن كانت أكثر استقرارا وتوازنا نتيجة الاصلاحات التي بوشرت سنة 2011 والتي سمحت بوصول الإسلاميين الى الحكم، إلا أن الصورة تظهر اليوم "أننا أمام حكومة هواة يقودها حزب يعتقد بأنه في معركة احتجاجية رغم أنه حزب حاكم، وأن التجربة بدأت تسير نحو حكومة يستمر في إنتاج البياضات لأنها بدأت تدور في الفراغ". النظام الجزائري يضايق نخب المشاريع البديلة اعتبر الدكتور صالح زياني، رئيس مختبر الأمن في المتوسط، بكلية الحقوق جامعة باتنةبالجزائر، أن أزمة التغيير في الجزائر تعود من جهة على السلوك الأبوي للنخب الحاكمة منذ الستينات، مسجلا أن "هناك تضييق ممنهج للخناق على النخب التي تحمل مشاريع بديلة". وأوضح زياني في مداخلته التي عنونها "النخب في الجزائر وإشكالية التفاوض على سياسة التغيير" أن التعددية الحزبية في الجزائر لم ينتج عنها تغيير للنظام بل فقط تغيير لنمط الحكومات، مؤكدا أن النظام الجزائري يستفيد من "الفخ الإيديولوجي" المثمتل في الصراع بين تيار الحداثة والتيار العروبي، ومن غياب الاستقرار المعياري للمجتمع الجزائري. الدولة المدنية توافق بين العلمانيين والإسلاميين أما حسن طارق أستاذ العلوم السياسية بسطات فقد بدأ مداخلته بتساؤل عن مفهوم الدولة المدنية وعن كونه مجرد استعارة للحديث عن المفهوم الملتبس للعلمانية أم كونه تنازلا عن جوهر الفكرة العلمانية، مبرزا أن التفكير في هذا المفهوم لابد أن ينطلق من خلاصات التلقي العام لمفهوم العلمانية، باعتباره المفهوم الاكثر التباسا، والأكثر تعرضا للتشويه والتكفير والقدحية، حتى اصبحت بتعبير طرابشي "كلمة رجيمة". طارق، الذي اختار الحديث عن "قضية الصراع في الاصلاح في المنطقة المغاربية والعربية من مدخل تفكير النخب في مسالة الدولة المدنية"، أوضح أن مفهوم الدولة المدنية يعاني من ضعف نظري مقابل قوة حضوره السياسي، معتبرا إياه مفهوما توافقيا اجرائيا تعزز في سياق تقارب العلمانين والاسلامين داخل ساحات "الربيع العربي".. وفي هذا السياق أضاف أن الطابع السياسي التكتيكي المبسط للمفهوم يبرر قابليته الكبرى للتاويل، وللتعبير عن أي شئ بما في ذلك نقيضه، مستدلا بحالة تصور القرضاوي للدولة المدنية ذات المرجعية الاسلامية، وهو نفس التصور الذي حضر تقريباً في مذكرة العدالة والتننمية حول الدستور. الشك في النخب السياسية بعد الحراك المغربي الباحث محمد الرضواني ركز في مداخلته على أهمية دمقرطة العلاقة بين النخب السياسية والجماهير في التحول الديمقراطي، مشددا في طرحه هذا على ضرورة توفر المشروعية السياسية للنخب التي تكتسب من خلال الانتخابات النزيهة، وتستمر من خلال مشروعية الإنجاز والانضباط لقواعد الأداء الديمقراطي، وانفتاح النخب السياسية على الجماهير، وحركية النخب السياسية، وتقارب الخلفية الاجتماعية للنخب السياسية والجماهير. وسجل نفس المتدخل أنه في النسق السياسي المغربي قبل الحراك المغربي لسنة 2011، تميز بسيطرة المرتكزات التقليدية متمثلة في ضعف المشروعية السياسية للنخب السياسية، وجمودها، والشرخ الفكري والقيمي بين النخب والجماهير، موضحا أن هذه المرتكزات التقليدية ستشهد تحولات مهمة بعد الحراك المغربي. وأجمل نفس المتحدث هذا التحول في "ازدياد نسب الشك في النخب السياسية، وتراجع خوف الجماهير من النخب، وازدياد دور الجماهير في العملية السياسية، وانتقال الاهتمام بالسياسة والانخراط فيها من المركز إلى المحيط، وتصاعد الواقعية في علاقة النخب السياسية والجماهير".