مشكلة علماء الدين المغاربة المنضوين تحت لواء "المجلس العلمي الأعلى" ، تكمن في كونهم يعملون بمبدأ " كم حاجة قضيناها بتركها" . "" منذ تلك الفتوى الشهيرة التي أباح فيها الشيخ يوسف القرضاوي للمغاربة أن يقترضوا من البنوك التجارية إذا دعتهم الضرورة إلى ذلك من أجل اقتناء مسكن لإيواء عائلاتهم ، ونحن ننتظر من المجلس الموقر أن يصدر لنا فتوى حول جواز ذلك أم لا ، ماداموا قد رفضوا فتوى القرضاوي ، وإلى حدود الآن ما زلنا ننتظر فتوى "مغربية" في الموضوع ، ويبدو أن انتظارنا سيطول لمزيد من الوقت ، أو بالأحرى إلى أجل غير مسمى . وعندما نسي المغاربة موضوع الاقتراض من الأبناك تقريبا ، خرج العلماء عن صمتهم مرة أخرى ، حينما خرج لهم الشيخ المغراوي من الجنب بتلك الفتوى الغريبة التي قال فيها بعدم وجود أي مانع في تزويج بنت التسع سنوات . هنا قامت قيامة العلماء من جديد ، ولم يهدأ لهم بال حتى أصدروا بيانا ناريا تحول فيه المغراوي إلى "مضلل وساع إلى نشر البلبلة بين الناس " . هنا يحق لنا أن نتساءل إن كان المجلس العلمي الأعلى يعمل في استقلالية تامة ، أم أن "جهة ما" هي التي تتحكم في توجيهه إلى الوجهة التي تخدم مصلحتها . فماذا يعني أن يتحول مجلس العلماء إلى "منصة للدفاع" لا تعمل إلا في حالة الطوارئ ، وماذا يعني أن يتحلى هؤلاء العلماء بشجاعة مطلقة عندما يحررون بياناتهم التي يهاجمون فيها كل من يخالفهم الرأي ، في الوقت الذي يصمتون فيه عن الرشوة والفساد الذي ينخر الإدارات والمؤسسات العمومية للملكة ، ويفقدون جرأتهم وهم يرون بأم أعينهم التي سيأكلها الدود والتراب كيف أن أراضي الأحباس توزع على المحظوظين وذوي النفوذ مثل الماجيدي والصفريوي بثمن البطاطس ، عملا بمبدأ " لا عين شافت لا قلب وجع" . ألا يعلم هؤلاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث شريف بأن الساكت عن الحق شيطان أخرس . ألا يعلمون أيضا أن الرسول الكريم قال في حديث آخر "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فمن لم يستطع فبلسانه ، فمن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" ، وإذا كان تغيير المنكر باليد من اختصاص أولي الأمر ، وتغييره بالقلب يلزم العامة من الناس ، فتغييره باللسان أمر موجه إلى العلماء ، فلماذا أنتم صامتون عن المناكر التي لا ترضي الله أيها السادة . وإذا كانت أطراف كثيرة في الدولة تندد باستغلال الدين في السياسة من طرف بعض الفاعلين السياسيين ، فإن عمل المجلس العلمي الأعلى ، الذي لا يتحرك علماؤه إلا عندما يسمعون بفتوى لا تعجب الحاكمين يدل على أن الدولة بنفسها تستغل الدين في السياسة . هادي هي حلال علينا حرام عليكم . المفروض في علماء الأمة أن يكونوا مستقلين ، ويشتغلوا بعيدا عن وصاية أحد ، ويكونوا قريبين من الناس عوض إصدار البيانات من برجهم العاجي ، حيث لا يظهرون إلا في نشرات الأخبار على شاشة التلفزيون . لماذا مثلا ، لا يخصصون ساعة أو ساعة ونصف من وقتهم لمناقشة قضايا الساعة التي تهم المغاربة في برنامج تلفزيوني مباشر ولو مرة واحدة في الشهر كما يفعل القرضاوي الذي يطل على مشاهدي الجزيرة مساء كل يوم أحد . ولماذا لم تخصص القناة الثانية حلقة برنامج "مباشرة معكم" التي تلت فتوى المغراوي وتستضيف صاحب الفتوى كي يتواجه أمام المشاهدين مع أعضاء المجلس العلمي الأعلى ، عوض أن يكتفي هؤلاء بانتقاده بقسوة "من وراء حجاب" . الإسلام يحض على العمل في العلن وليس في الكواليس ، وعلماء الأمة الذين هم ظل الله في الأرض من المفروض عليهم أن يجدوا ويجتهدوا ويعملوا من أجل إرضاء الله تعالى وليس لإرضاء جهات أخرى . في عدد الأسبوع الحالي من مجلة "نيشان" ، توصل أحمد بنشمسي إلى فكرة "جهنمية" مفادها أن تقسيم الإرث بين الذكور والإناث حسب الشريعة الإسلامية فيه ظلم كبير للمرأة المغربية في القرن الواحد والعشرين ، على اعتبار أن هذا التقسيم يعطي للذكر مثل حظ الأنثيين ، "في الوقت الذي تؤكد فيه كل الدروس والتحاليل أنه في الغالبية الكبرى من الأحيان ، المرأة تشارك في توفير مصدر عيش العائلة ، وفي بعض الأحيان ، تتجاوز مشاركتها نسبة 50 في المائة " يقول بنشمسي ، ويضيف : " عندما نزلت الآية 11 من سورة النساء ، التي تضع حصص الذكر والأنثى في الإرث ، منذ 14 قرنا ، كانت لديهما وضعيتان واضحتان : دور المرأة كان يقتصر على الإنجاب وتربية الأطفال وصيانة بيت الزوجية ، أما دور الرجل ، فكان هو العمل خارج البيت لضمان عيش كاف للأسرة . هذه الوضعية السوسيولوجية التي كانت تبرر حصة "الثلث مقابل الثلثين" ، تغيرت اليوم تماما . والحل ؟ " "ماشي ولا بد يتمنع التقسيم ديال "الثلث والثلثين" ، ولكن يمكن تأطيره ، كما وقع مع تعدد الزوجات . لم يحرم بمعنى الكلمة ، ولكن وضعت أمامه شروط تعجيزية واضحة . نفس الخطة يمكننا أن نتبعوها مع الإرث : بغيتو تقسمو حسب الشريعة الإسلامية ؟ مزيان : بينوا لنا أنكم ، انتوما وخواتاتكم ، عايشين بمقتضى "الرجال قوامون على النساء" ، وبينوها لنا بالحساب ، والفاكتورات وزيد وزيد ، من الوثائق التي تثبت موضوعيا أن البنت "لا تحتاج" أكثر من الثلث . ديك الساعة العيب والعار يلا ما طبقناش الشريعة بالحرف " . غير أوكان يلا كانت السيدة واقفة على رجليها وخدامة على راسها وعلى ولادها ( وكاع على راجلها في كثير من الأحيان) .. ديك الساعة ما كاين غي "النص بالنص" . يقول أحمد بنشمسي . وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع الرجل ، فالذين يجب أن تقرع أجراس الإنذار قرب آذانهم هم علماء المجلس الأعلى ، لعلهم يستفيقون من سباتهم العميق ، ويعالجوا مشاكل المجتمع المرتبطة بالدين بفعالية وسرعة كبيرة ، عوض تركها تتراكم كقنبلة موقوتة لا أحد يعرف الخسائر التي ستتسبب فيها عندما تنفجر . تصوروا ماذا سيحدث لو أن فقيها "مستنيرا" تبنى فكرة أحمد بنشمسي ، وأصدر فتوى بضرورة اقتسام الإرث بين الذكور والإناث بالتساوي . طبعا ستحدث بلبلة جديدة بين المؤيدين والمعارضين ، ( هذه المرة سيكون هناك مؤيدون كثيرون ، سيتشكلون في الغالبية العظمى من النساء ) والحل طبعا ليس إصدار بيانات نارية في كل مرة ، ولكن الذي يجب على العلماء أن يقوموا به هو أن يشمروا عن سواعدهم ويكونوا حاضرين على الساحة في كل وقت ، دون أن ينتظروا من وزير الأوقاف أن يعطيهم إشارة بعقد اجتماع طارئ . هيا إلى العمل إذن أيها العلماء ! [email protected]