يبدو أن زخم متاعب الأحزاب السياسية لا ينتهي وغدت تصنع الحدث وبالحمولة السلبية ،آخرها فصول الشنآن والخصام والشقاق مع السيد "جطو" رئيس المجلس الأعلى للحسابات الذي رفض نواب الأمة مناقشة ميزانية المجلس بسبب عدم حضوره،وبالمقابل نشر المجلس الأعلى للحسابات لغسيل مالية الأحزاب والتي ثبت من خلال مضامين التقرير أن هناك الكثير من الإشكاليات والالتباسات تحوم حولها بخصوص الأحزاب المستفيدة بحصة الأسد والنفقات غير المبررة على الحملات الانتخابية وعدم التزام مجموعة من الأحزاب بالتاريخ المحدد للتصريح خلال سنة 2011،وبغض النظر عن خلفيات هذا الصراع، فالظاهر أن الكثير من الأسئلة تتناسل وتنطرح، وتأخذ موقع الصدارة في استفزاز وابتزاز العقل السياسي الأخلاقي ،فما معنى أن تكون مجموعة من الأحزاب بمنأى عن التصريح بممتلكاتها من أجل افتحاص ماليتها،وتتهرب من مسؤولياتها والتزاماتها بخصوص بيان الشفافية في تدبيرها وتسييرها الماليين،في ظل كثرة كلامها وعزمها على الانخراط الفعلي في تنزيل الدستور ،والحرص على تأكيد اعتماد منطق وفلسفة المحاسبة والمسؤولية ،في حين هي أول من يخرق هذا الميثاق الذي يعتبر عهدة تلف رقبتها وتلبس لسانها. وكأن لسان حالها يقول بأن مالية الأحزاب السياسية خط أحمر لا يمكن النبش فيها ومادامت هي من أدوات الدمقرطة ،فكيف يمكن أن تكون في موضع التشكيك ،ومجرد طلب الافتحاص والتصريح هو إهانة في حقها ومحاولة للنيل منها وهي بعيدة عن مستوى الشبهات ،غير أن المنطق العقلي يقول غير ذلك، ويؤكد بأن بيت المال الحزبي يثوي الكثير من التلاعبات والخروقات،وهي عادة موروثة ومستمرة وتتجدد بطرق مختلفة وعقدت قرانها مع الأيادي الحزبية الخفيفة والنتيجة أنها فقدت وقارها واحترامها من الجمهور. إن هذا الواقع يؤكد بأننا بالفعل كمن يراهن على حصان خاسر لن نكسب معه حتى فتات الديمقراطية ،و فاقد الشيء لا يعطيه،ففي الوقت الذي تمضي فيه الأحزاب السياسية في الديمقراطيات المقارنة بثبات في الانخراط الفعلي في محاربة الفساد ودمقرطة النسق السياسي وتبتكر تقنيات لفرض الرقابة على ماليتها ،والتي تتعزز بالرقابة الذاتية القبلية والارادية، وتعبر عن سلوكيات راقية في التعاطي مع المال العمومي ،نرى الأحزاب المغربية مازالت تجر أذيال التحايل والهروب إلى الوراء وتتنصل من الرقابة المالية دون موجب حق أو مسوغ تبرير معقول. إن الأحزاب لا تحترم ذاتها ولا تقدرها،ومن لا يملك احترام الذات لا يملك مفاتيح النجاح في القيام بمهامه ،كما أنها لا تملك الشجاعة في الإعلان والاعتراف بعيوبها مما يفقدها الثقة بالنفس أيضا ،كلازمة تؤرق مسلكيات اشتغالها ،والفساد يعتبر وقود الفشل والخضوع والخنوع أيضا،و ترضية النفوس الحزبية مرض عضال يأتي على الذات الحزبية ويسوسها من داخلها وخارجها،والإفراط في حب المال والسلطة مهلة كبرى وعظمى. إن التدبير الشفاف لمالية الأحزاب ،يشكل صك اعتماد طهرانيتها وعفافها ويؤكد نواياها الحسنة في التعبير عن سلوكيات سياسية تليق بفعلها ،على عكس ذلك تحل التهلكة وتكثر الأعطاب والمفاسد في الممارسة السياسية /الحزبية نظير نهجها المراوغة والتهرب والتحايل على القوانين والنواميس الضابطة والناظمة للعمل الحزبي خاصة في الجانب المالي ،الذي ظل بمثابة العلبة السوداء التي يجهل عنها الكثير من المواطنين بفعل نهجها لأسلوب الكولسة والسرية سواء في علاقتها مع السلطة أو في تدبيرها الداخلي والعلاقة بين نخبها من جهة والنخبة والقاعدة من جهة ثانية . إن تبني الشفافية المالية كمنهج هو عبارة عن سلوك حضاري وأخلاقي ،على غير عادة حالات الغموض وعدم الوضوح وخرق حقوق الشفافية وهتك عرض الأموال العمومية،وعليه فالصراحة والمكاشفة مطلوبتين في بناء الفعل الحزبي الجاد والجيد،والمضي في بناء نسق حزبي ديمقراطي وفعال،والأحزاب السياسية المغربية لا تحترم نفسها لأنها لا تحترم الشفافية ولا تحترم المواطن ولا تحترم قواعد الممارسة الديمقراطية وعادي جدا أن لا نحترمها نحن أيضا،فكيف يمكن أن نستأمنها على المال العمومي؟ إن البحث عن المقام الرفيع لإحقاق الديمقراطية الحزبية ينطلق من الأحزاب في حد ذاتها فهي المعنية الأولى في الحفاظ على نقاء ماليتها وصورتها ،وتخليق حياتها وترتيب بيتها الداخلي وتنقيته من الشوائب ،وهي المفروض بدرجة أولى أن تعبر عن السلوك الديمقراطي الشفاف ،وأن تمتثل لاشتراطات وفلسفة الدعم المالي الذي تتلقاه وقصديته ،والذي يعتبر وسيلة وأداة للقيام بوظائف محددة تخدم تدبير شؤون الناس.