محمد ساجد عمدة البيضاء هذا الرجل الهادئ والبشوش يعتبر أول الأشخاص مسؤولية عن تدبير المدينة المليونية ، و أول من سيطاح برأسه في الانتخابات الجماعية القادمة إذا لم ينل رضا الساكنة التي لا تخفي استيائها و تدمرها من تدبير بعض المرافق و الإداراة التي قد تظهر للمواطن في الوهلة الأولى أنها نصبت و شيدت من أجله و لخدمته، لكن قد يفاجئ مرتادوها و كأول إجراء يعترض سبيله و بطريقة "بوليسية " بالمطالبة بإثبات الهوية أي البطاقة الوطنية، فالرجل المسن أو المرأة العجوز أو الشاب المعاق الذي نسي هذه الوثيقة قد يضطر للعودة خالي الوفاض دون أن تقضى حاجته. "" أما إذا حضرت بكل وثائقك وولجت الإدارة من الداخل هنا ستجد المفاجئة الكبرى – ليس التي توعد بها حسن نصر الله – مفاجئة مغربية مئة بالمئة، أنها إدارة بدون موظفين أو بالأحرى إدارة الشواش بإمتياز، فالمقبل على هذه المغامرة سيفاجئ بأعداد الشواش التي تملئ الممرات و المكاتب و المصاعد الالكترونية إن وجدة، دائما يجيبون و بطريقة آلية إن سألتهم عن رئيس قسم أو مصلحة أو حتى موظف بسيط مكلف بأحد الوثائق التافهة «ها هو جاي داباااا »، إنه الجواب الذي تلقوا عليه تكوينا مستمرا طيلة مدة عملهم. إن الشاوش قد يكون من أوفى الموظفين و أشرفهم على الإطلاق، يحافظ على أوقات عمله يقوم بوظيفته على أكمل وجه رغم بساطتها و يحمد الله كثيرا، إنه الرجل الوحيد الذي يعي هموم المواطنين، إنه الرجل الذي يستقبل، يجيب و يكذب دائما على سائله واضعا نصب أعينه و في قرارات نفسه المقولة المعروفة «مكره أخاك لا بطل ». إن عمق هذه الإشكالية التي تعاني منها إداراتنا المغربية سواء كانت وطنية أو محلية، إقتصادية، إجتماعية أو إدارية صرفة، فغياب الموظفين الجزئي أو الكلي هي السمة الغالبة إلا من رحم ربي، و أقصد هنا بالكلي أولئك الموظفين الذين يتقاضون أجورهم الشهرية بصفة مستمرة دون أن يعلموا إلى أي إدارة ينتمون و إلى أي قسم هم تابعون، لا يجيدون سوى حساب راتبهم على رأس كل شهر، إنهم الأشباح الذي سولت لهم أنفسهم أن يتقاضون أجرا دون عمل، إنه مال حلب من جيب المواطن، أموال دافعي الضرائب. فهؤلاء "الموظفين" غير خاضعين لسلطة رئيسهم، لهم وظائف أخرى قد تكون في إدارة عمومية أخرى بالإضافة إلى مهنة خاصة يهتمون بها و يرعونها، و الخطير في هذا أنهم يعتبرون أنفسهم مواطني هذا البلد، و يتحدثون مع الرجال و النساء عن الوطنية و المسؤولية و الفقر و إشكالية التغيير، متناسيين أنفسهم أن كلامهم حرام و أكلهم حرام و ضحكهم أيضا حرام، إنها النتيجة الحتمية للطرق اللامشروعة التي تم توظيف هؤلاء، فجلهم دخلوا الادارة من النوافذ بإسم نائب برلماني أو وزير أو رئيس أو أو ... ، لا يتوفرون على تكوين جامعي أو حتى إبتدائي، لهم لغتهم الخاصة و أوراقهم الخاصة و مسؤولياتهم الخاصة، توظيفات مباشرة هنا و هناك جعلت من الإدارة إدارة أشباح. هذا الموضوع يعتبر من الملفات المنسية بدهاليز حكومة عباس الفاسي رغم ضخامته و حدة تأثيره على تنمية البلاد و العباد . فقد طرح و بشكل محتشم إبان حكومة جطو و أكد حينها الوزير المكلف بتحديث القطاعات العامة أنهم منكبون على محاربة هذه الظاهرة الخطيرة بوضع بعض الإجراءات كإحداث سجل مركزي عام بكل الإداراة و إنشاء لجنة خاصة في الموضوع، و قد قيل حينها أن عدد هؤلاء الأشباح في رقم " رسمي" 80 ألف موظف شبح – ولكم أن تتخيلوا الرقم الحقيقي – و لتذكير فقط، فقد تقدم حزب الإستقلال في شخص أمينه العام عباس الفاسي بمذكرة في الموضوع في أكتوبر 1999 ينص فيها و يلح على ضرورة التصدي لهذه الظاهرة بكل مسؤولية . لكن ها قد وصل الأستاذ عباس إلى الحقيبة الأولى، فماذا عن التدابير و الإجراءات التي إتخدها في هذا المجال؟؟ هل الملف لم يعد مهم بمجرد أن أصبح وزيرا أولا أم أن هناك ظروف اخرى ؟؟ . إن الإدارة المغربية التي من المفروض أن تتحلى بالحياد وهي من المبادئ الكبرى التي ترتكز عليها، دخلت و تسللت إليها الإعتبارات السياسوية و المصالح الشخصية و الصراعات البيروقراطية و التي لم تخدم مصلحتها ، فعملية المغادرة الطوعية لم تعطي النتائج المنتظرة، فالمغادرون لم يكونوا أبدا من الأشباح بل هم الموظفون الملتزمون و الأكفاء الذين عملوا بتفاني و بكل مواطنة و مسؤولية داخل إداراتهم و كابدوا و عانوا من غياب رفقاء السوء « إخوانهم الأشباح » الذين لا يعرفون سوى أسمائهم الموجودة بقوائم قسم الموارد البشرية، و بالتالي قرروا معها الرحيل دون رجعت لتبقى معها الإدارة بناية مهجورة بأشباح مخضرمين. المغادرة الطوعية رغم ما ستحققه من عائدات مالية على الخزينة فهي حقيقة لم تستأصل الداء و بالتالي فنظرتها حسب اعتقادي لم تكن إستراتيجية و لا مدروسة الأبعاد سواء إداريا أو إقتصاديا أو إجتماعيا، ليتم بذلك تكريس " شبحية الموظف " و إعاقة صيرورة التقدم و النمو الذي ينادي به جلالة الملك. أما عن الإداراة المحلية فعملية المغادرة لم تشملها بإعتبار أن لها ميزانيتها الخاصة و بالتالي فمن المسؤول عن " الأشباح المحليين " ؟؟ إنه بكل بساطة السيد رئيس المجلس الجماعي أولا ثم رؤساء الأقسام و المصالح ثانيا، غير أن التعيينات و التوظيفات يمارسها رئيس المجلس الجماعي و ذلك حسب المادة 54 من الميثاق الجماعي ل 3 اكتوبر 2002 قانون رقم 78.00 . فالمواطن بإحتكاكه اليومي بمثل هذه المرافق يحس بلامسؤولية بعض الموظفين و الغياب الكلي للبعض الآخر، و هنا قد تحظر و قد تغييب سلطة الرئيس على مرؤوسيه و ذلك تبعا للموظف و سيرته (إسمه، من معه، إلى أي فريق ينتمي ...) ليبقى معها الحساب و الرقابة و مسطرة الإستفسارات لا تمارس إلا على ذلك الموظف الذي لا حول له ولا قوة. غياب روح المسؤولية لدى بعض المدراء و الموظفين و التساهل اللامشروع والتوظيفات المدسوسة والاعتبارات الشخصية، وإنعدام الآليات الرقابية و الزجرية الشفافة يجعل من إداراتنا قمة في البيروقراطية و نموذج يحتدى به في التخلف، فلا بد من إرادة سياسية تضامنية ينخرط فيها الجميع بدءا من أعلى الهرم في الإدارة المغربية وصولا إلى الموظف المصنف في السلم1، و ليتحدد معها مسؤوليات كل فرد فرد ونحاسبهم عن كل الأخطاء أو نسيان أو تلاعب بطرق و إجراءات ملائمة فأسلوب الإستفسارات و حجب الشمس بالغربال قد ولى، و رائحة إداراتنا قد فاحت في الداخل و الخارج و لا مواطنة موظفينا قد كشفت والحساب قادم لا محالة فاستعدوا يا أشباح هذا الوطن فنهايتكم إن شاء الله ستكون قريبة . محمد السويسي / باحث في المجال الإداري و المؤسساتي [email protected]