مادة لها علاقة بالموضوع: "" لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أيا كانت سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديد بالحرب، أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر لممارسة التعذيب. (المادة 2 من اتفاقية مناهضة التعذيب.( في المغرب هل نعيش نقط تحول في التاريخ...؟ مشروعية هذا السؤال ثابتة تفرضها الأحداث والوقائع الملموسة واليومية حيث التأمل وتعدد القراءات وبالتالي استخلاص النتائج سواء في الشأن السياسي أو الثقافي أو الاجتماعي.. أو الاقتصادي.. بل الحياة عموما.. بكل تأكيد ثمة أشياء حصلت،.. كما أشير إلى أنه لست بصدد مناقشة أو إثبات فرضيات هذا التحول، أو أن الأمر يتعلق بوضع درجات استحقاق إيجابية أو سلبية لما يقع.. سأحدد أكثر لكي أنطلق من التالي: المحظور سلفا أصبح مباحا؛ أمامنا مجالات رفعت عنها يد المنع والسرية.. تأمل بسيط يقودنا إلى التالي : هل تكسير الطابو جاء في سياق تطور الأحداث من أجل نسج فجر سياسي جديد يؤثثه جميل المبادئ والاختيارات؟.. أم أن ما نلاحظ ونلمس مرتبط بخدعة لا نستوعب منطلقها وأين حدودها، وبمعنى أكثر دقة هل تحقيق أهداف نبيلة أو أخرى خاصة نقول جهرا بأنها انتهازية مرتبطة برسم Marketing معين يوظف الممكن واللاممكن من أجل تحقيق المبتغى؛ فبعض المشاهد الغريبة تحيلنا إلى حقيقة مرة تتمثل في انقلاب المعايير رأسا على عقب في لحظة اختلطت الأمور ولم نعد نميز فيها الضحية من الجلاد، وهل هناك محك نستطيع أن نميز به المناضل الصادق من المناضل المزيف، والأمر طبعا ليس بجديد حتى تاريخ الأديان حافل بالأنبياء المرسلين والصادقين وكذا أدعياء النبوة الكذابين... في الحياة السياسية كذلك ثمة زعماء ورواد مناضلون وكذلك ديماغوجيون يلعبون على الجدل، أي هناك من يمثل الفكرة وهناك من يلعب بالفكرة... فهاهي كائنات تتكلم الآن عن الديمقراطية وحقوق الإنسان... الخ، هي التي لم تتجرأ في السابق على فتح أفواهها إلا عند طبيب الأسنان إن هي زارته. هذه إذن بعض سمات مشهد سياسي عام يلتمس طريقا نحو التغيير كما يدعون؛ حيث يتربع على ناصية آليات هذا التحول مسألة أساسية تتعلق بطي صفحة بُعد زمني معلوم أسماؤه وأوصافه كثيرة وغريبة، فمن القمع الأسود إلى سنوات الرصاص إلى سنوات الجمر... الخ. هكذا يبدو أن تحقيق نقلة نوعية في اتجاه التقدم والازدهار مرتبطة بطي تلك الصفحة المؤلمة، وقبل المبادرة وجب قراءتها واستيعاب ما بين سطورها.. هي إذن استخلاص النتائج.. هي أخيرا الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة تبعا لتجلياتها.. ثناياها.. تفاصيلها، مادامت الرغبة هي تحقيق بناء دولة الحق والقانون. ولكي لا نسقط في متاهة بؤس المعرفة التاريخية التي تقف حجرة عثرة أمام كتابة تاريخ حقيقي غير مزيف وجب توظيف كل التقنيات المساعدة على النقل ولنرتب في مقدمتها مجال الفن وسنحدد أكثر أهم مكون في المجال إنه الصورة والصوت المتمثل في الإبداع الدرامي السينمائي، لأن بعد الزمن الرديء المعلوم والموشوم بكل تلاوين القسوة والرعب حد الاستئصال فتح شهية بعض المخرجين المغاربة لكي يتناولوا لحظات الشر قضايا اشتغال تحكي تفاصيل حياة استثنائية اختلست في واضحة التاريخ والجغرافية... هكذا صيغ الهيكل الزمني للنصوص السينمائية عند هؤلاء المخرجين. فمن شريط "ألف شهر" لفوزي بنسعيد إلى "درب مولاي الشريف" لحسن بنجلون إلى "جوهرة بنت الحبس" لسعد الشرايبي، ثمة قواسم مشتركة تنظم الإبداعات الدرامية،... إنه الصراع في أعتى صوره.. فهل الصراع علة كل نمو وأن التوافق لن يتحقق إلا بعد خوضه بين جانبين غير متكافئين، الدولة بمؤسسات مشلولة حيث يبرز رجال الشر فقط ثم الجانب الآخر والذي يشكله الاستثنائيون الباحثون على منهج قويم في الحياة؛ أخرجوا قسرا من عبق الطفولة والشباب استأصلوا أحلامهم، غابت نهاراتهم فصارت أيامهم ليالي فقط حياتهم دثرت بالهول والفجيعة.. لأن عمالقة الشر عزموا على تحقيق غروبهم في عتمة السراديب وببطء شديد، فمع هؤلاء تحققت بداية لحظات العنف لأنها لم تكن تتطلب برنامجا محددا أو اعتبارا للقوانين، هكذا تميز الجلاد بِلَيِّ عنان القانون سواء السماوي أو الوضعي، بنفس الوثيرة تتعدد أساليب العنف والاستئصال في البعد المعلوم فينطلق الخيط لكي ينسج حقيقة يتجاوز فيها الحصار المادة (الجسم) إلى حصار حرية النشاط العقلي حيث تقييد الضحايا في أنماط ثابتة من السلوك؛ لكن غاية الحكمة الأبدية كما صاغها "هيكل" في مسلمته تؤكد انتصار الخير في النهاية على الشر وانتصار النواحي الإيجابية على أي نواحي سلبية، فالروح كما يقول تتجه دوما إلى الحرية. بهذا الوصف الذي يملأ الهيكل الزمني موضوع الاشتغال فإنني أطرح: هل عن طريق الصورة والصوت، أي الإبداع السينمائي يمكن تجسيد كل الآثار السيئة التي ترتبت من خلال تواتر أحداث الشر...؟.. بكل تأكيد معالجتها في شريط سينمائي تضع أولا المخرج في مرتبة المؤرخ الذي ينشئ رواية تاريخية بإمكانه أن يستعرض الأحداث كما يحلو له، مع الزيادة أو الاستكمال واستخلاص ثنايا أخرى تغني حبكته الروائية شريطة ألا تكون هذه الزيادات خرافية أولا يقبلها المنطق لأن الخيال طبعا يلعب دورا هاما في كتابة أي سيناريو يملأ الثغرات ويخلق الحبكة بين جنبات القصة. بكل تأكيد كذلك معالجة الأحداث في شريط سينمائي كما الوثائقي يتطلب مراجعة شاملة لجميع الوقائع وأدلتها ومن جهة أخرى تبقى لحظات الرعب مجالا قابلا لتشكيل أحداث دينامية تتفاعل وتتشابك فتصنع صراعا دراميا قابلا للتصوير وكنتيجة تتبلور صورة درامية ليست بالثابتة أو المنتهية بل ستصبح الصورة التي تروي مأساة إنسان وقعت في الماضي ويمكن أن تتكرر. والمناسبة تقودني إلى إثارة انتباه الملاحظ والمتتبع إلى تفادي السقوط في مرحلة تتسم بالإسراف في التضليل إذا نحن اعتبرنا الحاضر كمالا أو تتمة لأية أحداث مضت أو أن الماضي هو مجرد مقدمات لهذا الحاضر. بالإضافة إلى صفة المؤرخ تأتي الصفة الثانية والتي تضع المخرج السينمائي في مرتبة الفيلسوف الموكول له البحث عن أصل السلوكات شرها وخيرها حوافزها الخفية والساكنة في درك اللاشعور، وأخرى معلنة وبقوة إرادة كائنات تعد من غرائب التاريخ، بالإضافة إلى سبر أغوار القاعدة النفسية الفردية والجمعية على حد سواء ولكلا الطرفين، الدولة ثم الضحايا، بل ومن المنطقي أن يستحضرها في الحاضر ولما لا المستقبل فالمادة السينمائية تظهر في أشكال معقدة لا حصر لها ولن يصل المخرج إلى روح هذه الأحداث المؤلمة اعتمادا على الحدس والتخمين بل عليه أن يبذل قصارى جهده في جمع أكبر قدر من تفاصيل المادة حتى يتمكن من إنشاء صورة حقيقية وشاملة، كما أنه ليس ضروريا نقل المضمون الفعلي لهذا البعد السيئ الذكر لأن الإنتاج السينمائي ليس بالضرورة إنتاجا وثائقيا بقدر ما هو إبداع تدخل فيه الخيال كما سبق أن ذكرت، هذا الخيال سوف لن ينبع من فراغ إنها براعته ومؤهلاته المعرفية والتقنية المهنية التي تجتاز إلى مستودع الفكر ومستقره هو وبكل تأكيد فكر الاستثنائيين، ومن زاوية أخرى فالفائت من الوقائع التي يشتغل في دائرتها المخرج ليس ماضيا صرفا منسيا بل هو الماضي الذي لدينا أدلة قاطعة عنه (صور حية.. ضحايا أحياء... مختفون.. جلادون.. أماكن تعذيب.. وسائل.. شهادات.. اعترافات جلادين وعملاء صنعوا الحدث...إلخ). كذلك ثمة زاد أدبي غني ممثل في إبداعات أدبية.. مقالات.. خطابات.. تنقل تفاصيل حياة استثنائية مترعة بالفجيعة.. بالحلم الساخر.. هي ذاكرة مثقلة بالرعب وتيه الزمن الرديء حينما صارت حياة الاستثنائيين وأسرهم تردد طقوسا وشطحات استدعت لهم الموت.. فها هو صلاح الوديع في زفة عريسه.. فاطنه البيه في حديث عتمة سراديب اختلستها قطعة من لجة الطفولة وقبسا من حلم وردي بريء فصارت أيام الشابة ليالي فقط تنفث دخانا لأنهم عزموا على تحقيق غروبها في تلك العتمة.. وهاهو "عبد اللطيف زريكم" يعترف برقة وحنان جلاديه... أما "عبد القادر الشاوي" فله حق ملكية إبداع لغوي وجب تحفيظه ويتعلق الأمر بالنواسخ وأكثر تحديدا "كان وأخواتها" لأنها أصبحت أفعالا تامة ومستوفية للشروط.. تفعل فعلتها فرفعت المشنقة ونصبت المشنوق.. تميزوا ونجحوا في الاسترسال لأنهم تمكنوا من إشراك المتلقي الذي ينتابه إحساس غريب حين يقرأ ويعيد يحس وكأن سياطا طائشة تخترق أركان جسده... يحس وكأن أيادي خفية تخنق مجرى الهواء فيه، وهذه هي الحكمة النهائية عند تعاملك مع النص الأدبي، هو تحقيق مرتبة الحلول بين السارد للدراما التي تشرح مأساة إنسان وبين المتلقي لأن الروح عندهم تكلمت. صحيح إنه من الصعوبة بمكان ترجمة هذه المشاعر والأحاسيس كما صاغها الاستثنائيون في عمل درامي سينمائي متكامل سواء على مستوى كتابة السيناريو، أو الإمكانات المادية المتاحة من فضاءات، شخوص، أدوات، وسائل...إلخ، نعم يستحيل إعادة التجربة وبالتالي يستحيل إعادة الشعور، لكن بالإمكان تمثل فكرة شخص عاش قسوة الماضي وهي مرحلة كافية على الأقل في تحقيق فهم تعاطفي لذا المتلقي وبمعنى أكثر تحديدا مشاهد من نوع خاص. أعود وأؤكد على أن الأعمال السينمائية الناشئة اعتمدت حقلا مفاهيميا للحظة لنا أدلة قاطعة عنها لكن ليس معناها أنها انتهت فتذبذباتها مازالت في العقول وهذا يعني أن أدلة هذه الأحداث موجودة هنا وهناك والآن وفي الغد، ولأن الأحداث كيفما كانت لا تحيى في الذاكرة والوثائق بل تحيى في حالة الاهتمام بها حينما نستعد لنقدها وتفسيرها وتشريحها وكذلك من خلال تحقيق حلم استيعاب صفحة الماضي قبل طيها مما يؤدي في النهاية إلى معرفة الطبيعة الإنسانية. وعلى سبيل الختم فإنني أشير إلى أن البعد المعلوم، سنوات الرصاص أو ما شئنا من الأوصاف والأسماء الحارة والملتهبة تبقى ملكا للجميع ولكل الأجيال، وبما أن حقيقة الأشياء كما هي الآن موثقة ومحفظة في الذاكرة يتعذر الآن صبها في قوالب جاهزة وبالتالي لا يستطيع أقدر المخرجين سوى على تجاذب الحديث على سطحها لأنها أمور تأبى التصوير والرسم فإن الضرورة تقتضي الابتعاد عن نسج التعتيم أو المزايدة باللحظة وفقا لمنطق التجارة القائم على الربح والخسارة. نعترف أنه ثمة متاريس أزيحت حين ملامسة "طابو" والوقوف في مرتبة توحي للمشاهد أن بعض الخطوط الحمراء تجوزت والمسألة امتياز في حد ذاته، من جهة كذلك هذه إشارة لابد منها وتتمثل في أن اللحظة بمثابة حقل بكر وخصب لإنتاج أثار أدبية وفنية ممتازة إن توفرت المؤهلات الفكرية الثقافية إن لم أقل الموسوعية. أقول إلى أنها قد تساهم في تحقيق صناعة سينمائية تساعد فقط على النضج وبناء الوعي من أجل تزويده بمعايير جديدة، كما أنها ستقود وبتدرج إلى أحكام في الحياة أكثر تحررا إذا كانت الإرادة تصب في مطمح بناء دولة الحق والقانون.