حفريات سيكولوجية: كأن المياه الجوفية في الجزائر تجمعت من أمطار التاريخ،كما تهاطلت عبر الحقب أحداثا بعناوين مغربية ؛ بدءا من السلطان إدريس الأول الذي استهل بيعته الطوعية بالتحرك شرقا، وصولا إلى تلمسان،وما وراءها.ليس غزوا وإنما تحفيظا لخريطة الغرب الإسلامي ،رغم أنف العباسيين في الشرق،وهم في أوج قوتهم. سيدفع حياته ثمنا لهذا المسح الطوبوغرافي المتحرش بالخلافة؛لكن الخريطة ستظل جسما واحدا محررا،وستعبر القرون إلى الأزمنة الحديثة. حتى وان كرهت الجزائر اليوم هذه المياه ،فهي لا تملك إلا أن ترتوي منها، لأن الأمطار التركية والفرنسية ،وان طالت، لم تنفذ إلى الجيولوجيا العميقة؛ولأن البترول لا يروي عطشا،بل ولا يشبع حتى بطونا كسائر بترول العالم. يبدو الوضع مفارقا أن نرى اليوم – بعد كل هذا التاريخ الواحد والعميق- جزائر لا تستمد وجودها ،ولا تبني مستقبلها ،إلا مستثمرة كراهية المغرب . حتى عقدة أوديب – في التحليل النفسي- تنحل تلقائيا حينما يعبر الطفل المرحلة القضيبية؛ولا تنحل العقدة النفسية التاريخية للجزائر ،رغم استوائها دولة ذات سيادة كاملة ؛بمساحة بعضها مُتَحَيف من المغرب ،وبثراء لا تضاهيه المملكة.كل هذا لم يشف غليلا. وتتكثف الكراهية لتصير مقتا شديدا حينما يقيم المغرب – اليوم- الدليل المادي، العمراني،التنموي والحقوقي ،على أن استعادة الصحراء لا رجعة فيها ،ولا مساومة؛وأن كل مغربي ليس مواطنا فقط بل مَلِكا في الصحراء. أما المطالبة ،ولو غير رسمية،بما للمغرب من حقوق ترابية في الجزائر ،فإنها أربكت جميع الحسابات ،وأنتجت هستيريا عامة ،شبيهة بما وقع للفرنسيين حينما اكرهوا على مغادرة جزائر اعتقدوها فرنسية ،مما حررته "جاندارك". كيف؟ يطالبوننا بولايتين جزائريتين:تندوف وبشار؟ في تندوف فقط نطالبكم بثلاث مدن مغربية ،كما يشهد على ذلك حتى"تيودور مونود" عالم الصحراء ،وقد رآها بعين الخبير الموسوعي والموضوعي. حالة نفسية،دولتية معقدة ؛لا يفيد فيها التحليل السياسي ؛لأنه يقف عند ظواهر الأمور؛ويسقط مناهجه ونظرياته العامة على قضية دولية بخصوصيات قل نظيرها. من هنا فشل هيئة الأمم في إيجاد حل لملف الصحراء،وضعف اعتماد ممثلي الأمين العام –خصوصا كريستوفر روس- للمفاتيح الفعالة الكفيلة بفحص ما خفي من جبل الجليد العائم،وهو أعظم،لتفسير ما ظهر منه. وراء الأعراض الظاهرة فيروسات نفسية مزمنة ومستعصية. ليعلم كل هؤلاء أن المملكة المغربية حتى لو سلمت في الصحراء ،طرا، للجزائر ،وزادت حتى مراكش وفاس ،فلن تنحل العقدة ؛وستجد هيئة الأمم نفسها أمام وضعية أخرى – في طنجة ربما- من إنتاج الجزائر العميقة-كما يسيرها العسكر البترولي- لتصفية الحساب مع تاريخ أعمق. وليعلم المحتجزون في تندوف،طوعا أوكرها ،أنهم مغاربة يشاركون إخوانهم هنا هدية الجزائر إلى الأزمنة الحديثة:الكراهية أولا الكراهية أخيرا. وثقوا أن العسكر البترولي الذي يحميكم اليوم سينقلب عليكم،قبل أن يرتد إليكم الطرف، لو تنازل المغرب عن صحرائه لجنرالات بأمية تاريخية مقيتة ومركبة. إن من لايقرا التاريخ الواحد إلا احتلالا، و منجما للكراهية ،ومن لايقيم دولة إلا عسكرية بأوتاد ضاربة في الكراهية؛ومن لا يحب الصحراء إلا شلالا من النفط،خالية من سكانها؛ لا يمكن أن يحب شعبا إلا وهو منافق يضمر غدرا . إن من غدر بقرون من التاريخ،وبِجَدّ مغاربي من عيار عبد المومن بن علي الكومي،لا يمكن أن يحب ماء العينين وحفدته وجنوده. وهل أقام لكم غير الخيام لتطمئن قلوبكم؟ لماذا لم يسكنكم ولو مجرد دور بسيطة ،حينما أسكن قيادييكم الفنادق الفخمة في العاصمة؟ هل يسمح لكم بالتجول حيثما شئتم في الجزائر؟ هل هناك شرط أممي لا يعترف باللاجئين إلا إذا سكنوا خياما؟ هل يخاف أن تستعيدوا- بالعمران- تندوف نيابة عن إخوانكم هنا؟ كيف يستسيغ مدعي حب الشعوب أن يولد الطفل ،في عصرنا هذا ،ويشب ويكتهل،وهو لا يبارح سكن الخيمة؟ قارنوا مع عمران الصحراء،و منازل وحقوق إخوانكم هنا في المملكة،بكل جهاتها الأربع ؛ومع تصرف الوطن الأب دون انتظار أن توثق الأممالمتحدة أبوته. انه الأب المحتاج الذي ينفق من شماله على جنوبه . اننا هنا في المغرب نرتوي من نفس المياه التاريخية الزلال لكن بدون فم الكراهية المر: وصدق المتنبي إذ قال: ومن يك ذا فم مُر مرض *** يجد مرا به الماء الزُّلالا. ويزداد الوضع تأزما حينما يُنتدب موظفون ،أو مؤسسات،لتشخيص الحالة فلا يملكون أمام جهلهم للحفريات السيكولوجية الدولتية الا عرض جهلهم هذا للبيع ؛خصوصا في وجود من هو مستعد،دائما، ليدفع أكثر. هاهو المغرب الرسمي يكشف للعالم بعض أسباب فشل الأممالمتحدة؛وهي غير راجعة فقط الى جشع بعض الجهات ،وخلقها لبورصة دولية للرشوة ،بل لأنها –أمام تعقد الحالة،نفسيا وليس سياسيا- لم يبق لها سوى خيار تسويق الجهل والاجتهاد ما أمكن ليظل المنجم ريعا أُمَمِيا مفتوحا. لن يكون هناك حل ما لم تُحِط ْالأممالمتحدة ،والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بكل الحفريات النفسية التي تجعل المغرب يعلن الحب التاريخي، من طرف واحد، على الجزائر،وهذه الأخيرة تقابل بإعلان الكراهية التاريخية من طرف واحد. قد تساعد فرنسا في فهم بعض الأمر وليس كله. أما المؤهل الحقيقي لرأب الصدع فقد مات .انه جامعة الدول العربية التي لم تجمع شيئا إلى أن داهمها "الربيع' وقتلها في ما قتل. مغربة الجزائر، من مكر التاريخ: أمر لا يصدق لكنه الواقع واليكم الأدلة: إذا تجاوزنا حضور المغرب القوي في حرب التحرير الجزائرية - وصولا إلى رفض التفاوض مع فرنسا بخصوص الحدود,وتفضيل الدفع باستقلال الجزائر أولا- وبحثنا في فجر تأسيس الدولة الجزائرية المستقلة فسنقف على توظيف فريد للعصبية،كما نظر لها ابن خلدون وهو يفسر نشوء الدول وانهيارها. توظيف من إبداع بعض رموز جبهة التحرير، ويصفه خاصة من جماعة وجدة. كان المفروض أن تُبنى الدولة المستقلة على نفس عصبية جبهة التحرير:مواجهة الاستعمار المشترك بين الدول المغاربية ببث قيم الأخوة،المصير المشترك، و الجهاد ،ثم الإبقاء – بعد الاستقلال- على هذه الجذوة مشتعلة ،بين شعوب المنطقة، والانطلاق في البناء السياسي والإداري ،القطري والمغاربي أيضا؛لأن مغرب الشعوب كان،ولا يزال، ركنا أساسيا في العصبية المغاربية. لكن ما حصل في الجزائر يشبه حركة أرضية "تكتو نية" أدت إلى ركوب عصبية الكراهية للمغرب فوق عصبية الأخوة. من هنا مغربة التأسيس ،بدل الجزأرة التي كانت ستفضي إلى جزائر غير مفارقة لقيم جبهة التحرير ،ولطموح الشعوب المغاربية.هذه الجزائر آمن بها بعض القادة فقط ،وقد تمت تصفية بعضهم. كراهية موجودة بالقوة ،من سوء فهم للتاريخ،وبكيد استعماري تركي ثم فرنسي ،وأُوجدت بالفعل اصطفافا مع المعسكر الشرقي . ولا نغفل – سيكولوجيا- أيضا محاكاة تمرد الأبناء على الأب لإثبات وجودهم بعيدا عنه ؛حتى وهو لا يشهر ابوته في وجه أحد. استعادة لقاء المرحومين الحسن الثاني وبنبلة ،في الجزائر غداة استقلالها،يحاكي مراهقا يشاكس أباه –توهما فقط- ليثبت له أنه واقف على رجليه بدونه؛وليس بحاجة الى نصائحه وهداياه. مشاكسة انتهت بحرب الرمال المعروفة،كنتيجة لحرب مضمرة ومزمنة في أعماق الرمال. ثم نسيت الجزائر،كلية تقريبا، أن تكون جزائرية،بفعل توظيف الكراهية للمغرب في تغذية العصبية المؤسسة للدولة الفتية ،ولم تشتغل ،والى اليوم إلا مغربية: *الجزائر الاشتراكية لأن المغرب رأسمالي. *الثورة الصناعية لأن المغرب اختار الثورة الخضراء ،وزرع مليون هكتار وبناء السدود.'من هنا شح الغلال في الجزائر، وشوق المواطنين إلى بطاطس وطماطم وحوامض المغرب). *الثورة الثقافية التي مست حتى إسلام الشعب رغم أنف ابن باديس، لأن المغرب محافظ ،ويدلي بإمارة المؤمنين. (من هنا جبهة الإنقاذ وعشرية الدم والحديد). *الجمهورية الصحراوية للرد على مغربية الصحراء .(أنت تملك الأرض وأنا أملك الشعب). *وتلحق بهذه المفاصل الكبرى فروع عديدة تشتغل مغربيا : استنساخ الأنشطة الروحية التيجانية، استنساخ الدروس الحسنية ؛ووصولا إلى أطباق شوميشة التي أنست الجزائريين في الطبخ التركي ،رغم لذته. مكر التاريخ ربما ،فمن شدة كراهية الجزائر العميقة للمغرب صارت مغربية الهوى . لأاعتقد أن هذه الوضعية ستتغير مالم تتصالح الجزائر مع تاريخها/تاريخنا ،وما لم تتجه صوب المستقبل الذي لا يقترح التكتل المغاربي فقط بل يلح عليه ويلزم به. لا يمكن للقيادة الحالية أن تتجاوز الحاجز النفسي ؛لأنها ستبدو انتحارية ومقوضة لمعمار الدولة وعصبيتها المصنوعة صنعا. من هنا الرهان على جيل الشباب الذي يطمح إلى جزائر جزائرية فعلا ،لأن الحالية ظل للسلطان فقط. من هنا يجب أن تبدأ الأممالمتحدة لفهم قضية الصحراء،وحقوق الإنسان في الصحراء ،وكل ما سيولد في مختبرات العسكر من أجيال المشاكل التي تغذي دوام دولة الجزائر الأوديبية. Ramdane3.ahlablog.com