وافانا برنامج التحدي-القوة العاشرة- الذي تبثه قناة (ال ام بي سي ) والذي يقدمه الإعلامي المشهور جورج قرداحي في الحلقة الماضية بتقرير إحصائي مفاده أن نسبة 19 بالمائة من الذكور في العالم العربي غير مستعدين لنجدة الوطن ومده يد المساعدة وإن كان في أمس الحاجة إليها. "" ولم تستطع المتسابقة المغربية أن تستوعب هذه النسبة المروعة , والجحافل الغفيرة من الرجال- عفوا الذكور- الذين لا يختلفون كثيرا عن القواعد من النساء, ولذلك اكتفت بالعشرة آلاف ريال عوض المليون ريال قيمة الإجابة على السؤال المذكور. ولست ادري إن صحت النسبة, كيف يمتنع الذكور من هذه الأمة المجاهدة بطبعها وبتاريخها الطويل والعريض في الملاحم ولبطولات المجيدة من تلبية نداء وطنهم المكلوم الذي تداعت عليه الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها . كما تعجز مداركنا العقلية عن فهم واقع هذا التردي والتدني في قيم الرجولة والمروءة والشهامة والبطولة وكان على المتسابقة المغربية أن تزيد قليلا في جرعة التشاؤم من حال شباب اليوم لتعرف أن الجميع قد ارتمى في حضن الخيارات الانهزامية والانبطاحية ولم يعد في أجندته إلا ركوب قوارب الموت بحثا عن الفردوس المفقود , أو الحصول على الفيزا طمعا في حياة أفضل وبأقل الخسائر والتضحيات الممكنة. وإذا علمنا بان قوات المارينز الأمريكية قد جندت ألفا من المغاربة في صفوفها ندرك أن الذي يعوز المغاربة و المسلمين عموما ليس هو الشجاعة أو الإقدام في يوم الزحام كما يقول عنترة العبسي . لقد كان حب الوطن و التفاني من اجل الذود عنه هو حادي المغاربة في نضالهم المرير ضد الاستعمار, و ضد أذنابه. و قد عرف تاريخ المغرب المعاصر صورا ناصعة البياض لرجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه, و استرخصوا كل غال و نفيس من اجل تلبية داعي الوطن لكي يتجاوز محنته التاريخية. ولقد عرفت فترة المقاومة وجيش التحرير صورا جليلة للتلاحم الذي يمكن أن يكون بين الشعب وقيادته المجاهدة, ومازال المغاربة يتذكرون صور المقاوم الكبير المغفور له محمد الخامس وهي ترتسم على صفحة القمر, وما كان لها أن ترتسم لولا جهاده رحمه الله وابتلاؤه بالنفي و الإبعاد ومساندته الكاملة والمطلقة لجيش التحرير. بل عرف المغاربة حزما عز نظيره في القتالية العالية والتفاني المطلق , ولعلنا نتذكر جميعا ما أبلاه الشهيد الزرقطوني الذي آثر الموت على أن يبلغ عن إخوانه المجاهدين , والشهيد علال بن عبد الله وهو يرتمي في أحضان المنون بتلك الطريقة البطولية والتي يقل مثيلها عند الأمم الأخرى. كما جسدت المقامة الريفية بقيادة البطل الأسطوري أسد الريف المجاهد الكبير عبد الكريم الخطابي ملحمة صمود استثنائية في تاريخ البشرية قاطبة نظرا لقوة التكالب المكون من جل الدول الاستعمارية وكذلك للعنف الوحشي الذي استخدمته الدول المذكورة في قمع أبناء الريف الصامدين, والذين لم يكونوا أكثر شراسة من إخوانهم في الأطلس الشامخ بقيادة المجاهد موحا حمو الزياني. ومازلت أتذكر تلك المرأة الطيبة في وجدة التي كانت تأوي المجاهدين و تحكي لنا عن قصصها وهي تخفيهم في أكوام التبن . رغم ما قد يكلفها ذلك من إيذاء و ابتلاء يهون طبعا, عندما تستحضر حبها لدينها ووطنها وملكها المجاهد. لقد قدم المغاربة من الريف الباسل إلى الأطلس المجاهد مرورا بشارع الفداء بالدار البيضاء ومارشي سنطرال و كافة جيوب المقاومة في مختلف ربوع الوطن الحبيب ملاحم رائعة تجلى فيها حبهم للوطن واستعدادهم لنجدته مهما كلف الثمن ."إن الله اشترى من المؤمنين أموالهم و أنفسهم بان لهم الجنة". لقد جاءت إحصائيات جورج قرداحي صادمة للشعور العام ومخيبة لآمال قاعدة عريضة من الشباب التواق لخدمة الوطن و كاشفة عن واقع متردي هو السبب في ما نحن فيه من هوان على الناس . وفي انتظار الكشف عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذه المهزلة العظيمة نقدم أحر التعازي لكل أولئك الذين رفضوا الاستجابة لداعي الوطن. ونقول لهم والحسرة تعتصر قلوبنا ما قاله أمير الشعراء رحمه الله: وطني إن شغلت بالخلد عنه نازعتني بجنة الخلد نفسي amourpoesie77.maktoobblog.com