سيقرر الناخبون السويسريون، في استفتاء شعبي يوم 24 نوفمبر الجاري، تحديد سقف الرواتب والمكافآت التي يتقاضاها أصحاب المناصب العليا في الشركات، والتي تتجاوز كثيرا، في الشهر الواحد، 12 ضعف متوسط ما يحصل عليه أقل العاملين أجرا في سنة كاملة. لا تقتصر هذه القضية علي مجرد صغار أصحاب الأسهم في شركة "نوفارتيس" الصيدلية السويسرية متعددة الجنسيات الذين شعروا بالاشمئزاز أمام صرف الشركة مبلغ 79 مليون دولار كمكافئة للمدير التنفيذي دانييل فاسيلا الذي ترك منصبه هذا العام... فقد أثار ذلك غضبا شعبيا واسع النطاق. وبعد مرور مجرد أسبوعين على الإعلان عن هذه المكافأة المالية الضخمة، أرسل المواطنون السويسريون رسالة واضحة إلى المسؤولين التنفيذيين بأنهم لن يتساهلوا بشأن الرواتب والمكافآت المفرطة التي يحصل عليها أصحاب المناصب العليا. وأعرب 68 في المئة من الناخبين عن تأييدهم ل"مبادرة القط السمين" الداعية للحد من التجاوزات في المرتبات وحظر المكآفات الكبيرة. بيد أن هذا الاستفتاء لا يقتصر علي تحقيق غاية تعزيز الديمقراطية للمساهمين. فبمجرد تنفيذ المبادرة بشكل كامل، سوف يكون للمساهمين في الشركات السويسرية حق الفيتو أي الاعتراض على المدفوعات المقدمة للمديرين التنفيذيين. ومع ذلك، فضمن إطار مبدأ "صوت لكل مساهم" المعمول به، عادة ما يخسر صغار المساهمين المعنيين أمام الأغلبية التي يحظي بها كبار المستثمرين. "مبادرة القط السمين" تشمل بعض الجوانب الجيدة، لكنها لن تساعد كثيرا في الحد من الرواتب الكبيرة، ولا في توفير حل لعدم المساواة في توزيع الدخل "، حسب ديفيد روث، رئيس حزب الشباب السويسريين الاشتراكيين". فقد أطلق هذا الحزب "مبادرة 01:12" التي تقضي بأن لا تتجاوز رواتب المدراء التنفيذيين 12 مرة ما يتلقاه العامل الأقل أجرا في نفس الشركة، أي أنه "لا يجب أن يكسب أي مدير في غضون شهر واحدا ما يحصل عليه العاملون لديه في سنة كاملة". وبالطبع، بذل اللوبي النيوليبرالية السويسري القوي جهودا مضنية لمنع نجاح "مبادرة القط السمين". وبعد فشل حملته المكلفة للغاية وظهور مبادرة 01:12 في الأفق، أصبح هذا اللوبي يشعر بعصبية متزايدة. وعلاوة على ذلك، من المقرر عقد استفتاء في عام 2014 على وضع إدخال حد أدنى للأجور في سويسرا. ومن المعروف أن سويسرا تعد واحدة من أغنى البلدان في العالم، وتمتع بواحدة من أعلى مستويات الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد في العالم، فيما تقتصر نسبة البطالة على ثلاثة في المئة فقط. أما من حيث عدم المساواة في الدخل، فتحتل سويسرا مرتبة متوسطة في أوروبا. ووفقا لأحدث البيانات، يعتبر 3.5 في المئة من العاملين في سويسرا ضمن فقراء العاملين، بينما يحصل 11،586 الأعلى دخلا علي أكثر من نصف مليون فرنك سويسري سنويا. في هذا الشأن، يشرح دانيال لامبارت -كبير خبراء الاقتصاد في الاتحاد السويسري لنقابات العمال- أن السبب وراء تجاوزات الرواتب المتزايدة على مدى السنوات الثلاثين الماضية، هو حقيقة أن أرباح المدراء التنفيذيين ارتبطت بشكل متزايد بأرباح الشركات وأسعار أسهمها، "فأتاح لهم نهج منح المكافآت للمدراء تحويل مبالغ كبيرة من المال من الأجور الإجمالية إلى جيوبهم الخاصة". ويشار إلي أن النقابات العمالية ضعيفة نسبيا في سويسرا، وأن عدد اتفاقات المفاوضة الجماعية علي الأجور منخفض. كما لا وجود لحد أدنى للأجور، والعلاقة بين العمال وأرباب العمل تسير بمفهوم الشراكة الاجتماعية، والاضرابات نادرة. وأخيرا، إذا تم التصويت على مبادرة 01:12، فسوف تؤثر مباشرة على ما بين 1،000 و 1،300 من الشركات الكبيرة المتعاقدة مع نصف مليون موظف، في حين سوف يضطر حوالي 4،400 من المدراء الأعلى دخلا إلي مواجهة خفض المرتبات. أما حملة المعارضين للمبادرة -وهي التي عجزت حتى الآن عن تفسير لماذا يمكن لشخص ما أن يكسب 30 أو 50 أو 100 مرة قدر الموظف- فتركز على تحذير الجمهور من أن الجميع سوف يتأثر سلبا في حال نجاح مبادرة 01:12. * إنتر بريس سيرفس