كل سنة، تُصَدِّر سويسرا من السجائر أكثر مما تصدر من الشكلاطة. وقد بينت أبحاث ذات طبيعة استثنائية أن صناعة السجائر تمارس ازدواجية في المعايير المتبعة: فنسبة السموم في السجائر التي تباع في إفريقيا هي أعلى بكثير منها في السجائر التي تُدخَّن في أوروبا. ترجمة: إبراهيم الخشباني عندما يطلع النهار على الأزقة الضيقة للمدينة القديمة بالدارالبيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب، يأخذ السكان راحتهم في الثرثرة فيما بينهم، النساء يشترين ما يحتجنه من مسحوق الغسيل وغيره، فيما الأطفال يلعبون الغميضة وراء الأبواب الخشبية المنقوشة التي تزين المنازل. ويقف مروان أمام دكانه الذي يعرض فيه الجلابيب والتنورات، وهو يسحب الدخان من سيجارته، إنها ليست السيجارة الأولى ولا الأخيرة في يومه، الذي يبدو أنه سيكون طويلا جدا، بما أنه سيكون عليه انتظار المساء حتى يغلق دكانه. ما الذي يدخنه؟ يجيب بأنها سجائر شقراء”وينستون” وهو يمد إلينا علبته. وعندما نظرنا إليها عن قرب، بدت لنا إشارة مألوفة لدينا: “صنع في سويسرا”، هذه الجملة سوف نجدها حيثما انتقلنا خلال مقامنا في المغرب في منتصف شهر أكتوبر 2018، ومن المدينة القديمة إلى ثانويات المدينة، مرورا بالمقاهي والمطاعم، سوف نرى رجالا ونساء ومراهقين يدخنون سجائر مصنوعة في سويسرا، دائما هي نفسها: وينستون، وكاميل، ومارلبورو. إبتسام، شابة أخذت مقعدها في شرفة مقهى “Le Noble” بالحي التجاري “المعاريف”، تسحق عَقِبَ سيجارتها في المرمدة أمامها قبل أن تنسحب ذاهبة إلى عملها. تقول: «لقد بدأت التدخين منذ سن الثانية عشرة، ولا أريد أن أتوقف، فبالنسبة إلي إنها حرية». وهل تعرف أنها تدخن سجائر سويسرية؟ تجيب: «طبعا، وبالنسبة إلي هذا ضمان للجودة، إنها بكل تأكيد أفضل من السجائر المغربية بكثير». جبن، وشكلاطة، وتبغ غالبا ما تتباهى سويسرا بأنها تُصدر إلى العالم شكلاطتها اللذيذة، وتشكيلاتها من الساعات المذهلة. غير أن هناك صانعا سويسريا يحقق نجاحا كبيرا جدا، ولكنها لا تروج له بنفس القدر من الإشهار: إنها السجائر السويسرية. في سنة 2016 تم صنع أربع وثلاثين مليار وستمائة مليون سيجارة في سويسرا، أي ما يعادل تقريبا ملياري علبة. منها فقط 25% تم توجيهها للسوق الداخلية، فيما تم تصدير حوالي 75%: أي ما يكفي لتغطية حاجة أربعة ملايين شخص ممن يدخنون علبة واحدة في اليوم. وعرفت حصة الصادرات منذ 2011 تراجعا بالنصف. وبالنسبة لتصنيفه فإن البلد لا يحتل إلا المرتبة الخامسة عشرة من بين مصدري السجائر في العالم، بعيدا وراء الإمارات العربية المتحدة، وبولونيا. ولكن، بالنسبة للاقتصاد السويسري تبقى هذه التجارة ذات أهمية كبرى. تؤكد دراسة صدرت في نهاية سنة 2017 عن الشبكة الدولية لمؤسسات الافتحاص (KPMG) أن: «مداخيل الصادرات الناتجة عن مصنوعات التبغ في سنة 2016، التي تبلغ 561 مليون فرنك سويسري، تضاهي نفس مداخيل صادرات أهم السلع السويسرية، مثل الجبن (578 مليون فرنك، أو الشكلاطة (785 مليون فرنك)». إلى أين تذهب هذه السجائر؟ من بين الوِجهات، هناك اليابان التي تحتل المرتبة الأولى. هل تكون منتوجات “مؤسسة التبغ الدولية لليابان” هي التي تتجه نحو اليابان؟ لم تجب هذه المقاولة عن السؤال عندما طُرِح عليها. فيما المغرب وإفريقيا الجنوبية يأتيان على رأس بقية اللائحة. عمالقة صناعة السجائر “فليب موريس الدولية” ((PMI أقامت مركزها العملي في لوزان. وتمتلك كذلك مصنعا في “نوشاطل”، وهما مدينتان سويسريتان. وقد خرجت من نوشاطل وحدها في سنة 2017 أكثر من 15 مليار ما بين سجائر ووحدات التبغ المُسخَّن (الخاص بالسجائر الإلكترونية)، أي15% من الإنتاج العالمي لهذه المجموعة، من بينها ماركات “إيكوس هيل”، و “مارلبورو”، و”شيسترفيلد”، و”إيل آند إيم”. ويوجد مقر هولدينغ “فليب موريس” كذلك في نوشاطل. وقد حقق في سنة 2017 رقم معاملات بلغ 29 مليار فرنك سويسري. وتمتلك المؤسسة البريطانية – الأمريكية للتبغ (BAT)، مكاتب في لوزان، وكذلك مصنعا في “بونكورت”، الذي اشترته سنة 1999 من “روثمان”، التي كانت قد اشترته من عائلة “باروس” قبل ذلك بثلاث سنوات. وتُصَنِّع الشركة هناك: “بال مال”، و”غادستون”، و”دانهيل”، و”لوكي سترايك”، و”كينت”، و”وينفيلد”، و”فوغ”، و”بلاييرس”، و”باريسيان”، و”آلان دولون”. وعرفت سنة 2017 رقم معاملات بقيمة 26 مليار فرنك. أما “اليابانية الدولية للتبغ” (JTI)، فاتخذت مقرها في “جنيف”، في عمارة بنيت حديثا جدا. وتمتلك (JTI) أيضا معملا ضخما في سويسرا الألمانية بمدينة “داغميرسلين”، بكونتون “لوسيرن”. وقد صنعت المجموعة اليابانية في هذا المصنع سنة 2017 عشرة ملايير وثمانمائة مليون سيجارة، موزعة على 16 ماركة، الأكثر انتشارا منها هي “وينستون”، و”كاميل”، و”نيتورالآمريكانسبيريت”. برقم معاملات بلغ في نفس السنة 2017 18 مليار فرنك سويسري. إلى غزو المغرب تم خلال سنة 2017 تصدير 2900 طنا من السجائر السويسرية نحو المغرب، أي ما يعادل ثلاثة ملايير وستمائة وخمس وعشرين مليار سيجارة. ويبلغ ثمن العلبة في متاجر المغرب 33 درهما” (3,5 فرنك سويسري). والمدخنون البسطاء يشترون السجائر بالتقسيط، درهمان للسيجارة الواحدة. والعلب معلن عنها صراحة بحيث تحمل طابع المجموعة السويسرية للإشهاد والمصداقية (SICPA). إلى حدود 2003 كانت السجائر تصنع محليا، في معامل الشركة المغربية للتبغ. وبعد وفاة الحسن الثاني تم الإعلان عن تحرير القطاع، مع التصديق على القانون 46.02 حول التبغ المصنع. وهذا ما سرع من غزو المجموعات الدولية للسوق المغربي. واليوم، فإن 55% من السجائر التي تُدخَّن في المغرب هي مستوردة، أغلبها من سويسرا، ثم تليها تركيا. تصل السجائر إلى المغرب بالبواخر عبر ميناء طنجة المتوسط، أو عبر ميناء “كازا”، أي الدارالبيضاء. يؤكد محاورونا في عين المكان أن المراقبين الجمركيين يفتشون السلع: فهم يفتحون الحاويات، وينتقون صندوقا من بين الصناديق بدون تحديد ويختبرون الحمولة هي هل موافقة للتصريح أم غير موافقة. ومع ذلك، وهذه ملاحظة عامة اكتشفها تحقيقنا، فإن المراقبات تهتم فقط بأداء المكوس والضرائب: أما مكونات السجائر ومدى سُمِّيتها فلا تخضع لأي مراقبة أو ملاحظة. يعيش8% من المدخنين عبر العالم في دول ذات دخل ضعيف أو متوسط. وحسب تقديرات المنظمة العالمية للتجارة فإن 77 مليون مدخن يوجدون في إفريقيا، أي ما يعادل 6,5% من سكان القارة. وتتوقع المنظمة أن يرتفع هذا الرقم من الآن إلى حدود سنة 2025، إلى ما يقارب 40% مقارنة مع 2010، أي الارتفاع الأكبر على مستوى العالم. إن هذا يُعتبر “وباء” حسب المنظمة العالمية للتجارة، التي تكشف أنه من الآن إلى سنة 2030 سوف يتضاعف عدد الموتى المرتبطين بالتدخين في القارة إلى ضعفين. ويبدو المغرب بالنسبة للمصنعين بوابة ممتازة لولوج تلك الأسواق. وحسب دراسة لوزارة الصحة المغربية، فإن 13% من المدخنين في المملكة المغربية يبلغون أقل من 15 سنة. ونسبة الفتيات المدخنات في طريقها إلى أن تعادل نسبة الأولاد. تعويض تراجع المبيعات أما في أوروبا فالأمور تميل إلى العكس، ففي ظرف عشرين سنة تراجعت مبيعات التبغ في سويسرا بنحو 38%، وذلك بفضل حملات التوعية والوقاية وبفضل الرفع من الأثمنة. ولهذا السبب أصبح صناع التبغ يضعون في الواجهة شعارهم الجديد الذي يسمونه “منتوجات ذات مخاطر منخفضة” (reduced-riskproducts)، حتى يشجعوا على استهلاك نيكوتين يفترض -حسب ادعائهم- أنه بدون التأثيرات السيئة للتبغ. غير أنه، كما أعلنت مؤخرا صحيفة ” Le Temps” السويسرية، بالنسبة ل”Philip Morris” فإن ال”IQOS”، وهي الأحرف الأولى ل”I QuitOrdinary Smoking” (أنا أترك التدخين العادي)، والمقصود التحول إلى ما يسمى بالسيجارة الإلكترونية: «على الرغم من الإمكانيات الضخمة المسخرة لهذا التدخين، الذي يدعون أنه أقل ضررا، ولتسويقه، فإنه لا يمثل لحد الآن إلا 6% من حجم منتوجات المجموعة، وفقط 12% من رقم معاملاتها». وفي انتظار أن تتمكن ال (IQOS) وغيرها من الخدع للتدخين دون دخان من جلب مداخيل حقيقية -هذا إذا كان هذا سيحدث في يوم من الأيام- فإن “فليب موريس الدولية (PMI) ومنافسوها عليهم أن يستمروا في بيع السجائر، وبكثافة كبيرة. والأسواق الصاعدة تمثل هدفا مفضلا، لسبب بسيط، هو أن هذه الدول لا تمتلك الوسائل الكافية للشروع في سياسات حمائية استباقية في مجال الصحة، ولهذا فالطريق سالكة. عمل ضاغط ومكثف للوبيات من أجل إغراء زبائنهم الشباب والجدد، ومن أجل وضع علب سجائرهم في واجهة الرؤية الجذابة، فإن صناع السجائر يشنون سياسة تجارية عدوانية جدا. في كينيا وفي أوغندا تعمل المجموعة البريطانية – الأمريكية للتبغ (BAT) على منع الدولتين من اتخاذ تدابير حمائية ضد التبغ، حسب ما أشارت إليه صحيفة “ذي غارديان” في أحد أعدادها لشهر يوليوز 2017. وقد رفعت المنظمة غير الحكوميةفي كينيا “الرابطة من أجل مراقبة التبغ” (KETCA) دعوى ضد هذه التصرفات. والقضية في الوقت الحالي بين يدي القضاء. وفي الطوغو، وبوركينا فاسو، وأيضا في إيثيوبيا، اضطر نفس المصنع إلى حملة مكتفة حتى يفسر بأن العلب السلبية ليس لها تأثير في تراجع الاستهلاك. وأما في الدول الغنية، ومن بينها سويسرا، فالصناع يلجؤون إلى خطاب معاكس تماما، بما أنهم أُرغموا على التنديد بالتأثيرات الضارة للتبغ. وحتى تبرهن على حسن نيتها، فإن “فليب موريس الدولية” (PMI) ذهبت إلى حد المساهمة في إطلاق منظمة “من أجل عالم بدون دخان”، بالتزامها بضخ 80 مليون دولار في السنة في حساب الجمعية على مدى 12 سنة. هذا البون الدلالي الشاسع أدانته منظمة الصحة العالمية، بتصريحها: «لقد تأكد بالدليل أن إجراءات مثل، زيادة الضرائب على مبيعات التبغ، وحملات التحذير الموضَّحة بالصورة، ومنع الإشهار بشكل تام، كما منع الترويج والاحتضان، والمساعدة على الانقطاع عن التدخين، كلها أمور تؤدي إلى تراجع الطلب على منتوجات التبغ. (…)، ولو كانت “فليب موريس الدولية” (PMI) حريصة بالفعل على عالم بدون تبغ، لساعدت هذه الإجراءات. غير أنها تعارض هذا، وتمارس ضغطا على نطاق واسع، وترفع أمام المحاكم، قضايا طويلة ومكلفة ضد سياسات مكافحة التدخين التي تقوم على أسس واقعية». وتذكر منظمة الصحة العالمية بهذا الخصوص مثال التحاكم بين “فليب موريس الدولية” ودولة الأوروغواي في سياق الاتفاق التجاري بين سويسرا والأوروغواي. عندما أنفق عملاق التبغ هذا 24 مليون دولار للاعتراض على وضع تحذير صحي على علب السجائر، وذلك في بلد لا يتجاوز عدد سكانه الأربعة ملايين نسمة. وقد خسرت “فليب موريس الدولية” القضية بعد معركة قضائية استمرت 6 سنوات. وفي المغرب، تم بالفعل تبني قانون يمنع التدخين الأماكن العامة، بما في ذلك داخل الحانات والمطاعم. غير أنه -كما يفسر باحث في مختبر متخصص وخبير في الشركة المغربية للتبغ فضل عدم ذكر اسمه، قانون لا يطبق. برامج الوقاية في المدارس نادرة جدا، وتنظمها جمعيات ذات ميزانية محدود جدا. وبالنسبة للسجائر نفسها فإن مكوناتها لا تخضع لأي مراقبة. في سنة 2012 مرر المغرب على غرار أوروبا، قانونا يحددنسبة ما يمكن أن تحتويه السجائر من الزفت والنيكوتين وأول أكسيد الكربون، غير أن المراسيم التطبيقية لهذا القانون لم تصدر قط. ومن تم فليس هناك أي مختبر يقوم بمراقبة هذه النسب. التجارب في المختبرات بما أنه ليس هناك دخان بدون نار، أردنا أن نعرف أكثر عن مكونات ومحتويات السجائر التي تُصنع في سويسرا وتباع في المغرب. فبادرنا إلى إجراء حسب علمنا غير مسبوق: عبارة عن دراسة مقارنة بين السجائر التي تُدخن في أوروبا وتلك التي تدخن في المغرب، من حيث محتوياتها من الزفت، والنيكوتين، ومونوكيسد الكاربون. لم يكن الأمر سهلا، إذ لا وجود لمعطيات عمومية في الموضوع. صحيح أن المكونات تكتب أحيانا على العلب، ولكن هل يتم احترامها من طرف الصناع؟ في النهاية، هل السجائر السويسرية التي يتم تدخينها في المغرب هي نفسها تلك التي نشتريها هنا في “كوانتران” أو فرنسا؟ الوسيلة الوحيدة للتأكد بما لا يدع مجالا للشك هي إجراء تحليل مختبري للعينات. غير أنه كما أشار إلى ذلك “آدريان كاي”، الناطق الرسمي باسم المكتب الفدرالي للصحة: «لا وجود في سويسرا لأي مختبر مجهز بالآلة الضرورية لإنجاز هذه المهمة». ومع ذلك فقد تمكننا من تحديد مختبر قادر على القيام بمثل هذه التحاليل: إنه المعهد الصحي للشغل بلوزان، التابع ل”المركز الاستشفائي الجامعي ﭭودوا”، والذي هو جزء من شبكة المختبرات المصادق عليها من طرف منظمة الصحة العالمية. آلة تدخين غير مسبوقة من أجل التمكن من الاستجابة لطلبنا قام كل من “ﯕرﯕوري ﭘلاتيل”، رئيس قسم المختبرات، وخبير التحليلات “نيكولا كونشا-لوزانو” بفبركة آلة تُدخِّن. المنهجية بسيطة وتقليدية تقريبا: ثلاث مَسَّاكات تحمل السجائر، ومضخة للعَبِّ، وصحن يذهب إليه الدخان الذي يتم تركيزه. لا شيء متروك للحظ: فهناك حاسوب يتحكم في تسيير هذه الآلة التي تعُبُّ كمية 35 مللتر من الدخان في ثانيتين، على رأس كل عشر دقائق. وحتى يكونا على يقين تام بأن آلتهما مضبوطة جيدا وتشتغل بإتقان، قاما أولا بتجربتها على سيجارة معيارية من فئة “1R6F”: التي لا تحمل أي ماركة ويتم التزود بها من جامعة “كانتوكي”، وهي سيجارة مخصصة فقط لمختبرات البحث. بعد أن تدخن الآلة السيجارة، يتم تحليل الدخان، وكذلك المصفاة، حتى تحدد نسبة جزيئات القذى المشتملة عليها السيجارة بأكملها، من نيكوتين ومنوكسيد الكاربون… وبطبيعة الحال، لا يمكن اعتبار سيجارة واحدة كافية لتمثل باقي السجائر: وعليه، فللحصول على بيانات موثوقة أخذا سيجارة من كل واحدة من ثلاث علب متفرقة، ثم سجلا معدل حمولتها بثلاثتها. هذه العملية استغرقت الباحثين لعدة أسابيع من العمل. معيار مزدوج أجرى “ﯕرﯕوري بلاتيل و”نيكولا كونشا-لوزانو” تحليلاتهما على ما لا يقل عن ثلاثين علبة سجائر قادمة من المغرب وفرنساوسويسرا، سلمناها لهم في شهر شتنبر. منهجيتهما متوافقة مع معايير المنظمة الدولية للمعايير (ISO)، التي تعتبر المرجع لجميع الباحثين الذين يقومون بهذا النوع من التجارب. في سويسرا كما في كل أوروبا، حددت السلطات معيار (10-1-10)، أي 10 ملغرامات من الزفت، و1 ملغرام من النيكوتين، و10 ملغرامات من مونوكسيد الكاربون: وهذه أعلى ما يسمح بأن تحتوي عليه أي سيجارة تباع في سويسرا وفي أوروبا من تلك المكونات. وهذا المعيار هو الذي تم اتخاذه كمرجعية لتحليل عيناتنا. جاءت النتائج صارخة الوضوح: السجائر المصنَّعة في سويسرا والتي تباع في المغرب، هي أقوى بكثير، وأكثر تسببا في الإدمان، وأكثر تسميما من تلك التي توجد في أكشاك سويسرا أو فرنسا. المستويات التي عثر عليها في تلك السجائر تكشف عن معيارية مزدوجة: المغاربة يدخنون سجائر أكثر إضرارا من الأوروبيين. فبالنسبة لكل واحد من المحددات الثلاثة التي تم تجريبها، فإن مجموع السجائر المصنعة في سويسرا التي تباع في المغرب تم فيها تسجيل حمولة أعلى بكثير من السجائر نفسها التي تباع في سويسرا وفي فرنسا. إن عينة من ماركة وينستون مثلا تحتوي سيجارة واحدة منها على 16.31 مليغرام من الجزيئات الشاملة الثلاث، مقابل 10.5 بالنسبة لسيجارة من نفس الماركة اشتريناها في لوزان. وبالنسبة للنيكوتين مثلا، فالفارق بين سجائر “كامل” المصنوعة في سويسرا، التي تباع في المغرب والتي تباع في سويسرا، فارق ضخم جدا بدرجة صادمة: 1.28 مليغرام حسب نتائج بحث معهد صحة الشغل (IST) الذي تم فيه التحليل، مقابل ما لا يكاد يبلغ ال 0.75 مليغرام بالنسبة لسيجارة من نفس الماركة تباع في سويسرا. وبالنسبة لمونوكسيبد الكاربون الذي من تأثيراته أنه يقلل من حجم الأوكسيجين الذي يسري في الدم، فإن المحتويات جد مختلفة حسب أن يدخن المرأ سيجارة وينستون الزرقاء في المغرب (9.62 مليغرام في السيجارة الواحدة) أو في سويسرا (5.45 مليغرام). وعلى الرغم من الشعار المطمئن فإن تدخين سجائر “كامل لايت”، أي الخفيفة، في الدارالبيضاء يعني استهلاك سجائر أكثر ضررا بكثير من تدخينها في لوزان. غير أن هناك ما هو أخطر بكثير. ففي حالات عدة، تكون النسب المسجلة من طرف العلماء الرومانديين (أي المنتمين لسويسرا الفرنسية) أعلى بكثير من النسب المعلنة من طرف الماركات على العلب. وهي حالة نسبة النيكوتين المتضمَّن في السجائر المغربية: إذ تحتوي سجائر وينستون على ما يقارب ال1,5 مليغرام، بينما ما هو معلن على العلبة هو فقط 1 مليغرام. وحسب العالم المتخصص في التسممات بباريس وفي لوزان “إيفان بيرلان” والمعترف عالميا بخبرته في مجال السجائر، فإن نسبة أعلى بقليل من النيكوتين ترفع من درجة الإدمان. ويؤكد في هذا الصدد: «وإدمان وتبعية أكثر، تعني صعوبة أكثر في التخلص، وبالتالي تسمم أكثر». وهذا “جاك كورنوز”، مدير المستشفى الجامعي المتعدد الاختصاصات بلوزان، وهو كذلك دكتور في علم الأوبئة ومتخصص في التبغ، والذي كان قد قاد اللجنة الفيدرالية للوقاية من التدخين ما بين 2014 و2017، عندما عرضنا عليه نتائجنا هذه قال بدون تردد، ودون لف ودوران: «يمكن القول منطقيا إن هذا كما لو أن شاحنة لا تتعدى حمولتها الطبيعية 20 طنا، حُمِّلت 40 طنا». ردود المصنعين تؤكد “اليابانية الدولية للتبغ” (JTI) التي تصنع هاتين ال “وينستون” و”كامل” في ردها على أسئلتنا بالقول: «إن جميع المنتوجات المتعلقة بالتبغ تتضمن مخاطر على الصحة، وهذا يعني ألا منهجية معيارية يمكنها أن تعيد إنتاج العادات الحقيقية لاستهلاكات المدخنين». وعلى هذا الأساس فهذا المصنع يعتبر أن النتائج المحصل عليها هي نتائج غير دقيقة. وتضيف هذه المقاولة: «ثم، علاوة على كل هذا، فلا أحد يمكنه القول إن هذه السيجارة هي أقل أو أكثر سُمِّية من تلك، على مستوى الذوق مثلا». وعن سؤال: لماذا إذن السجائر التي تباع في المغرب هي أقوى من غيرها؟ لم نحصل من المقاولة على أي جواب. أما فيما يخص “فليب موريس الدولية” (PMI)، فقد صرحت مصلحة الصحافة عندها بأن: «مستهلكي السجائر في العالم أجمع مختلفون فيما يفضلونه، وعلى أساس هذه التفضيلات يتم انتقاء التبغ حسب خلطات خاصة لكل على حدة، وحسب درجة الأوراق بغرض الحفاظ على صلابة وتماسك كل ماركة، مثل مثلا سجائر المارلبورو الحمراء». لماذا تحتوي سجائر المارلبورو التي تباع في المغرب على نسبة أعلى من الزفت من تلك التي يتم تدخينها في سويسرا؟ يجيب الصانع: «نحن لا ننصح بالتركيز على الزفت. فهناك إجماع علمي على اعتبار “الزفت” ليس مؤشرا دقيقا على المخاطر أو الأضرار، وأن نشر المعلومة التي تعتمد معيار “الزفت” هو أمر خادع بالنسبة للمستهلكين». وماذا عن النتائج التي أثبتت أن نسب النيكوتين هي أعلى مما هو معلن عنه في العلب، كان الجواب هو: «إنها نسب مطابقة لمتطلبات معيار إيزو 8243، الذي يرخص بهامش معين من الفارق». عند صانع سجائر انطلاقا من المغرب، حوالنا أن نصعد عبر سلسلة مصادر التبغ حتى نفهم كيف يتم تصنيعه، ولماذا تستضيف سويسرا عمالقة الصناعة هؤلاء، ما الذي يجعل من الممكن تصدير سجائر ذات قيمة رديئة إلى دول في طريق النمو. توجهنا عند معمل صناعة السجائر الوحيد الذي قبِل مديره أن يفتح لنا أبوابه: ذهبنا عند “كوش آند غْسل آ ج”، ب”ستيناش”، التي تقع في المنطقة الصناعية لضاحية “سانت غال”، وهي مقاولة تم إطلاقها سنة 2015 من طرف “روجي كوش”، وهو سويسري-ألماني في عقده الرابع كان يمتلك فيما مضى مقاولة للترجمة. هو اليوم ينتج 30 000 علبة في الأسبوع، جزء صغير منها يتم تصديره فيما الكثير منها يتم تدخينه في سويسرا. والسلطات؟ يحدث أحيانا أن يمروا به. موظفون من مختلف الأجهزة الفدرالية يأتون ليتأكدوا من سلامة الآلات وظروف اشتغال العاملين، ويتأكدون كذلك من خلو المنتوجات مما يمكن أن يسبب ضررا بالبيئة. والجمارك؟ يعرفهم أيضا، ذلك أن الجمارك هي التي تشهد على المنتوجات بأنها تم التصريح بها حسب القانون وعلى أن الرسوم الضريبية قد دفعت بالكامل، إلى آخر سنتيم. وماذا عن المراقبة على مكونات السجائر؟ يجيب: «لم يحدث أبدا، إلى حدود أكتوبر الأخير أخذت المصالح المكلفة بتفتيش المواد الاستهلاكية عينة من عندنا لتحليلها. غير أننا لم نشهد أي عودة لهم، أعتقد أنهم ربما يكونون قد قاموا بتحليل نسبة وجود عشبة القنب». فجزء من منتوجات “روجي كوش” تحتوي بالفعل على نسبة من مشتق القنب الهندي. ومن أجل إجراء الاختبارات اللازمة يبعث في كل شهر مائة سيجارة إلى مختبر (ASL) الألماني، الذي يتولى اختبار نسب الزفت، والنيكوتين، ومونكسيد الكاربون، وفقا للمعيار 10-1-10 المعتمد من طرف السلطات الفدرالية. تساهل السلطات تنص التشريعات الفدرالية بشأن منتجات التبغ على وجوب احترام العتبات التالية: «يجب على كل جهة تضع سجائر في السوق أن تكون قادرة على الإدلاء بالأدلة التي تؤكد أن منتوجها مطابق للالتزامات».والكونتونات السويسرية ملزمة مبدئيا بالسهر على احترام هذه التعليمات. فهل يحدث لها أن تقوم بتحليل السجائر المروجة؟ أو أن تتدخل لدى المصنعين، حتى تكون متأكدة بأن المكونات قانونية، كما يحصل أحيانا مع موزعي المواد الغذائية؟ يقول “آدريان كاي”، الناطق الرسمي باسم المكتب الفدراليللصحة(OFSP): «حسب ما نعلم، فالأرقام المصرح بها في العلب لا تخضع لأية مراقبة في سويسرا». ما الذي يحدث عندما تكون نتائج تحليلات سجائر “هايمات” أعلى من هذه النسب؟ تقرير المختبر لا يتم إرساله إلى السلطات، بل إلى مختلف الزبناء، مثل لا كوب” (la Coop). ومن تم فلا عقاب. ويقول “روجي كوش” مفسرا: «إنه علينا نحن أن نغير بعض الأمور، والحل الوحيد هو تعديل طفيف في عملية مزج التبغ، ذلك أنه لا وجود لوصفة سحرية لتعديل هذه النسب، فيمكن مثلا غسل التبغ بقليل من الماء، غير أن هذا يفقده من جودته. يمكن كذلك إحداث ثقوب في المصفاة، حتى تصبح عملية امتصاص الدخان أكثر تهوية. ولكن كل هذا هو في الحقيقة من الغش الذي لا نمارسه». في سجائره، يمكن ل “روجي كوش” أن يضع عشرات المنتوجات، حسب اللائحة التي ينشرها المكتب الفدرالي للصحة (OFSP) في موقعه على النيت. غير أنه لا يفعل. فكما يقول: «مثل هذه الحرية غير ممكنة داخل الاتحاد الأوروبي». وحتى يتمكن من بيع سجائره ال”هايمات” ينوي بناء معمل في ألمانيا، على بعد بضع كلمترات من “ستيناخ”. جنة تشريعية تبدو بيرن الفدرالية جد مترددة أمام احتمال إحداث أي تشدد فيما يخص التشريعات. وأكيد أن تواجد عمالقة صناعة التبغ فوق التراب السويسري غير بعيد عن أسباب هذا التردد. وحسب تقرير للشبكة الدولية لمؤسسات الافتحاص (KPMG) صدر في أكتوبر 2017، فإن الفوائد الإجمالية (بما فيها المباشرة، وغير المباشرة، والمساهمات العمومية) لهذه الصناعة تقدر ب 6,3 مليار فرنك سويسري في السنة، وهو ما يعادل تقريبا 1% من الناتج الداخلي الخام(PIB) السويسري. ويُشغل القطاع بصفة مباشرة 11 500 أجيرا، أي حوالي 0,2% من السكان النشيطين في البلد. هذا دون حساب الوظائف غير المباشرة، مثل مزارعي التبغ المرتبطين بالقطاع. وكذلك، فإن ما توفره هذه الصناعة من مداخيل ضريبية لا يمكن تجاهله. غير أن التكتم هو سيد الموقف في هذا الموضوع. ولكن هناك تسريبات بكون مساهمة ال PMI تمثل نصف الضرائب التي تؤديها مقاولات الكونتون (الجهة من الفدرالية). وفي مسعى لإغراء صناع السجائر، فإن سويسرا تتوفر على أكثر من ورقة في جعبتها. غير أن قوانينها المرنة بشكل خاص هي ربما أهم ورقة لديها. فالسجائر ومكوناتها هي بالفعل خاضعة للمدونة حول التبغ، وحسب هذه الوثيقة القانونية، فإن المكونات المرخصة تتضمن مجموع المنكهات المسموح بها في المنتوجات الغذائية، من سكر، وعسل، وبهارات،وجميع المسوغات الغذائية باستثناء اثنين: “السوكرالوز” و”ملح الآسبارتام-آسيسولفام”. وعليه يمكن أن نجد في السيجارة السويسرية لوحة من المكونات المسوغة، مثل مواد تبييض الرماد، ومسَرِّعات الاحتراق، والمواد الحافظة، وفي الأخير مسببات الإدمان وما يرتبط بها. يقول “باسكال دييتهيلم” رئيس جمعية مكافحة التبغ “أوكسيرومامندي” (l'association antitabac OxyRomandie): «أصلا، هذه المكونات ليست موجهة للإحراق حتى يتم بعد ذلك استنشاقها، بل إن إحراقها تنتج عنه في الغالب مواد سامة، بل مسرطنة». كما يشير إلى ملاحظة أن المدونة التشريعية الخاصة بالتبغ لا تشترط أية حماية لصحة المستهلك، كل ما هنالك النص على أن «البيانات السُّمِّية للمواد المضافة المستخدمة، مع أو بدون احتراق يجب أن يُعلن عنها حتى تكون معلومة لدى الشخص الذي يخضع للقرار». وبهذا حسب تحليل السيد “باسكال دييتهيلم”، فإنه يكفي أن يصرح الشخص الخاضع للقرار بأنه لا يعرف البيانات السُّمِّية حتى تحصل وصفته على الترخيص. وبالمقارنة فإن التقنينات الأوروبية هي أكثر تضييقا في هذا المجال. صادرات منفلتة من الرادار تؤكد المديرية الفدرالية للجمارك السويسرية (AFD)، على أنه إذا كانت سويسرا لا تراقب السجائر التي يدخنها سكانها، فإنها كذلك لا تهمتم إطلاقا بتلك المصنعة في أرضها والمصدرة إلى الخارج. ذلك أنه ليست المعايير السويسرية هي التي تطبق هنا، بل معايير البلد المستورد لهذه السجائر. وعلى عكس الاتحاد الأوروبي الذي تحدد مذكرته التوجيهية (2001/37/CE)، بالنسبة للحمولة من الزفت والنيكوتين ومنوكسيد الكاربون، حدا أعلى لكل منها، يسري العمل به كذلك بالنسبة للسجائر المصدرة، فإننا إذن بالمقارنة أمام امتياز تفضيلي لصالح سويسرا: فهي الدولة الوحيدة في القارة الأوروبية التي تنتج سجائر أكثر سُمِّيَّةً من تلك التي يدخنها مواطنوها هي. فالكونفدرالية بهذا، تروج وتستفيد من الكيل بمكيالين، حتى وإن كان ذلك سيفاقم من مشاكل الصحة العمومية في الدول المستورِدة. عن هذا السؤال أجاب المكتب الفدرالي للصحة العمومية مفسرا الأمر بكون غياب المراقبة على الصادرات يعود إلى “إرادة البرلمان”. في سنة 2012 وضع نائب مدينة “نوشاتل” عن الحزب الليبرالي الراديكالي “لوران فافر” -الذي أصبح بعد ذلك مستشار الدولة عن نفس الكونتون-ملتمسا يطالب بمقتضاه أن تستمر السجائر المصنعة في سويسرا تصديرها إلى الدول الغير أعضاء في الاتحاد الأوروبي بدون أية قيود. وقد تم إقرار ملتمسه. وكما لاحظنا ذلك في الدارالبيضاء، فإن المغرب لا يراقب مكونات سجائر “وينستون” و”كاميل” المستوردة من سويسرا. إذ تكتفي الجمارك المغربية بالتأكد من تسوية الوضعية الضريبية للحاويات. والحالة المغربية ليست وحيدة: فقليلة هي الدول الإفريقية التي تتوفر على مختبر مجهز لتحليل ممنهج للسجائر المستوردة. فحسب المنظمة العالمية للصحة فإن “بوركينا فاسو” هي البلد الإفريقي الوحيد الذي يقوم بمثل هذه المراقبة. وحتى عندما توجد مراقبة، فإن القواعد تكون أحيانا مُلَغَّمة: ففي فرنسا رفعت لجنة محاربة التدخين مؤخرا دعوى قضائية ضد المصنعين، متهمة إياهم بتزوير التجارب عن طريق إحداث ثقوب دقيقة جدا في المصافي بغرض أن تعطي النتائج أن الكميات الخاضعة للتحليل أقل من تلك التي يستنشقها المستهلك من سيجارته وهو ضاغط على المصفاة بأصابعه… وهي إمكانية كان قد أشار إليها كذلك “روجي كوش”. هذا المنهج العملي يذكر كذلك بفضيحة المحركات المغشوشة ل”فولسفاغن”، التي واجهت مؤخرا محاكماتها الأولى في ألمانيا لكونها جهزت سياراتها ببرمجيات إلكترونية قادرة على تزييف تجارب مكافحة التلوث. جيش من اللوبيات يبذل المصنعون الكثير من طاقتهم لتقويض إرادة السلطات العمومية في إصدار تشريعات تهم التبغ. إن سويسرا ليست في منأى عن “جهود التثبيط والردع”. في بلد صغير مثل سويسرا، تؤدي فيه الصناعة دورا رمزيا، فالعلاقات بين المقولات والسياسيين جد مهمة. ولقد أبان شريط وثائقي تم عرضه مؤخرا على القناة المتخصصة في الوثائقيات “الزمن الحاضر” (Temps Présent) عن الدور الذي تقوم به جمعية “رابطة المقاولات من أجل سياسة وقائية معتدلة” [l'Alliance des entreprises pour une politique de prévention modérée (AWMP)]، والتي تتوفر حاليا على اثني عشر سيناتوراً وأربعين نائبا في البرلمان، أي حوالي ربع مجموع البرلمانيين الفيدراليين، وتناضل ضد تشديد إجراءات مكافحة التدخين. الوثائقي الذي بثته القناة المتخصصة يوم 6 شتنبر 2018، يحمل عنوان “حذارِ، إن هذا البرلمان يمكن أن يضر بصحتكم” (Attention, ce parlement peut nuire à votre santé). فالمنتخَبون الذين يتبنون وجهة نظر صناع السجائر هم إذن كثر. بعضهم يمكن التعرف عليهم بسهولة، مثل “غريغورروتز” المستشار الوطني عن حزب الاتحاد الديمقراطي للوسط (l'Union démocratique du centre (UDC) )، ورئيس المجموعة للاتجار في التبغ. وهناك آخرون لا يرتبطون بالقطاع إلا بروابط غير مباشرة، ولكنهم يناضلون ضد أي تشديد للسياسات الوقائية في الموضوع، مثل “هانساولدريتشبيغلر” مدير “الاتحاد السويسري للفنون والمهن” (USAM)، وهناك نواب سابقون أصبحوا أجراء في هذه المجموعات، مثل النائبة السابقة عن “نوشاتل” سيلفي بيران جاكي”، التي تتبجح في موقعها على الأنترنيت بكونها مستشارة عند “فليب موريس الدولية” (USAM)، وأنها تتوفر على رخصة الولوج إلى البرلمان (بادج). في نوشاتل، “الكونتون” الذي يوجد فيه المقر المركزي ل”فليب موريس الدولية” وكذلك مصنعها، ناضل رئيس مجلس الدولة “لوران فافر” خلال سنة 2012، عندما كان نائبا عن الكونتون، في بيرن، ضد تبني سويسرا للمعايير الجديدة (10-1-10) التي أقرها الاتحاد الأوروبي. وهو اليوم يرفض طلبنا لاستجوابه في الموضوع، بمبرر أن الأمر يتعلق ب”ولاية برلمانية قديمة”. رهان آني في شهر أكتوبر الأخير كانت تنعقد “الدورة الثامنة لمؤتمر أطراف المعاهدة-الإطار للمنظمة العالمية للصحة لمحاربة التدخين” هذا المؤتمر الذي أطلق عليه إسم (COP8)، كان يهدف إلى تشديد المراقبة وضبط تتبع خط سير صناعة التبغ، وكذلك منع الإشهار. كان حينها ممثل سويسرا يذرع الدهاليز جيئة وذهابا: وبيرن لم تصادق على الوثيقة، وهي ليست مستعدة لإبرام أي اتفاق في الموضوع. هذا مع أن أرقام منظمة الصحة العالمية صادمة: التبغ يقتل مدخنا من كل اثنين. وفي كل سنة يموت سبعة ملايين شخص بسبب التدخين. ومهمة تغيير هذا الأمر تعود إلى البرلمان. والنواب حاليا يناقشون القوانين الجديدة حول التبغ، التي كان من المفترض أن تحد من الإشهار للسجائر. غير أن المعلومات التي توصلنا بها عن مسودة المشروع تبين أن العكس هو الذي قد يتم تمريره: العلبة الحيادية سوف ترمى في غياهب النسيان، ونفس المصير ينتظر مشروع فرض قيود على الإشهار للسجائر. إنه على النواب السويسريين أن يعارضوا هذا المشروع، وأن يضعوا حدا لهذه السكيزوفرينيا لبلد ينفق مليارا وسبعمائة مليون فرنك في السنة لمعالجة الأشخاص الذين تم جعلهم مرضى بسبب التبغ. ويفتح في نفس الوقت الأبواب مشرعة أمام صناعة قاتلة. بلد يمول برامج ضد التدخين في طانزانيا، ويسمح في نفس الوقت ل PMIو BAT و JTI بأن تصنع سجائر عالية السُّمِّيَّة سوف يتم تدخينها في نفس البلد هناك. 6 ماري موريس فائزة بجائزة التحقيقات ل Public Eye جائزة «عين الجمهور»(Public Eye) للتحقيقات إن الكشف عن أحداث وأفعال مخفاة يمكن أن يغير العالم: إن (Public Eye) قويةً بقناعتها هذه، قررت بمناسبة ذكرى تأسيسها الخمسين أن تُحدِث “جائزة للتحقيقات” موجهة لدعم الصحفيين والمنظمات غير الحكومية التي تحقق في ممارسات الشركات السويسرية وفي تداعياتها ومخلفاتها المُؤْذِية والمُضِرة في الدول التي هي في طريق النمو أو الصاعدة. ومن بين 55 مشروعا قادمة من عشرين دولة، انتقت لجنة لها اعتبارها الهام مشروعَين تم تمويلهما من طرف المجموع: الذي ضم أكثر من 300 شخصا شاركوا في حملتنا التمويلية التشاركية. وقد مكنوا “ماري موريس” بهذا من إنجاز هذا الحقيق، كما مكنوا “نيكولا موليناريس” من المنظمة غير الحكومية “منصة تحطيم السفن” (Shipbreaking Platform)، ومكنوا كذلك “جي جوريس” من “مجلة مو” البلجيكية من تسليط الضوء على التفكيك المتوحش للسفن في آسيا الجنوبية، من أن يحضروا معنا هنا. ومع كونها متمركزة على الحاضر، فإن جائزة (Public Eye) تعكس كذلك تقاليد طويلة من التحقيقات لهذه المنظمة، التي قرنت دائما عملها الدعوي وعملها في حملات تسليط الضوء -وهو عمل غالبا ما يكون عويصا وصعبا- على تصرفات غير مشروعة وغير قانونية، مما يؤكد على ضرورة الفعل.