وافق السويسريون يوم 3 مارس على مبادرة ضد الأجور المبالغ فيها التي اقترحها رجل الاعمال توماس ميندر الذي بدأ حملته سنة 2007 ،عندما أعطت شركة الطيران السويسرية" سويس اير" أجرا خياليا للرئيس المدير العام للشركة القادم من شركة نيستلي، لكنه فشل في النهاية في إنقاذ الشركة من انهيار مدو، ث توالت العديد من الفضائح والاخبار المستفزة حول الاجور الخيالية الممنوحة لبعض رؤساء ومسيري الشركات، والمنح التي يتقاضاها مسيرو العديد من الابناك الذين سيكتشف الرأي العام بعد ذلك أنهم ساعدوا زبناءهم على الغش والتهرب الضريبي. رجل الاعمال صاحب المبادرة، اقترح على السويسريين أن يتم تحديد أجور مسؤولي الشركات المدرجة في البورصة كل سنة من طرف الجمعية العمومية للشركاء. بطبيعة الحال فيدرالية رجال الاعمال السويسرية، لم تدخر جهدها في محاولة إقبار ومواجهة هذا المشروع. تمكن رجل الاعمال ميندر وهو نائب في مجلس الشيوخ، ضد كل ضغوط الطبقة والاوساط الاقتصادية السويسرية، من تحقيق نصر تاريخي، نصر يؤكد ان طبقة رجال الاعمال لم يعد لها ذلك النفوذ المباشر، وأن الديمقراطية المباشرة تعاقب كل الذين لا يستطيعون تقديم جواب واضح لشكل من أشكال الغضب الجماعي. طوماس ميندر، حقق نصرا شخصيا لأنه قاوم كل الضغوط، وصمد أمام برلمان لم يكن يرغب في التشريع في قضية حساسة، ودخل التاريخ من بابه الواسع، الرجل الذي نجح في تعبئة الشعب ضد الأجور الضخمة والمبالغ فيها ..تلك المداخيل التي يحصل عليها المسؤولون والتي يعتبرها الرأي العام لا أخلاقية وغير مشروعة. نتيجة التصويت لم تكن مفاجئة. لكن حجمها يطرح حقيقة مرة وهي أن الشعب السويسري عبر عن امتعاضه وغضبه أمام تجاوزات كبار رجال الاعمال والمكافآت والعلاوات الخيالية التي يحصلون عليها. التصويت تعبير كذلك عن امتعاض تجاه الشركات متعددة الجنسيات التي أصبحت صورتها تثير الريبة والشك في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، حيث أصبحت العولمة تعني عدم الاستقرار والامان. واخيرا التصويت يعني بشكل عام أن الفوارق أصبحت صارخة بشكل مستفز من الصعب تقبلها في مجتمعات قلقة أكثر فأكثر، وتجد صعوبة كبيرة في الاقلاع من جديد وتحقيق النمو. التصويت هو كذلك رسالة الى البرلمان السويسري الذي تلكأ لعدة سنوات ورفض في النهاية فتح الملف. وهذه النتيجة هي هزيمة قاسية للاوساط الاقتصادية، تؤكد أنهم فقدوا نفوذهم المباشر ولم يستطيعوا تقديم استراتيجية واضحة ومقنعة خاصة أمام مبادرة بسيطة وصادقة، ولم يستطيعوا إيجاد الكلمات والبيداغوجيا الملائمة لمواجهة مبادرة رجل أعمال صغير. التصويت رسالة واضحة للأوساط المالية والاقتصادية السويسرية بأن الشعب لم يعد يثق بالنظام الفيدرالي، وبالتنظيم الذاتي للأسواق وبالوعود الكثيرة التي لم تتحقق، والاسئلة الكثيرة التي لم تجد جوابا. إنه أمر مقلق ويدعو الى التفكير من طرف من يخشون ثقل القواعد الجديدة، ولكنه في نفس الوقت تجسيد حي على أن الديمقراطية المباشرة الشعبية تعاقب من لا يستطيعون الجواب عن الغضب الجماعي في الوقت المناسب.