"الاتحادُ الأوروبِي لا يضعُ احترامَ المغربِ لحقوق الإنسان، شرطًا لتمكينه من المساعدات التِي يتلقاها سنويًّا"، ذلكَ بعضٌ مما أفصحَ عنهُ سفير الاتحاد السابق لدى الرباط، إنيكُو لانْدابورو، الإسبانِي الجنسية، الذِي سبق له أنْ كان مديرًا عامًا للعلاقات الخارجيَّة بالبعثة الأوربية. فِي حوارٍ لهُ مع موقع "إيركتيفْ" الفرنسي، يكشفُ المسؤول الأوربِي الذِي مثل الاتحاد الأوربي لدى الرباط، ما بين عاميْ 2009 وَ2013، عنْ رؤيته لما عرفه المغرب من تحولات في سياق الربيع العربي، وأفق التعاون مع المغرب، لحل إشكالات الهجرة السريَّة. غَادَرتمْ قبل مدة ليستْ بالطويلة، منصبكمْ كسفير للاتحاد الأوربِي لدَى المغرب، الذِي تعتبرهُ أوربَا أحد شركائها البارزِين في حوض المتوسط..بأيَّة صورة يتحركُ الاتحاد الأوربِي في مجال دعم التنميَة، بالمملكة؟ قوة العلاقات بين الاتحاد الأوربي والمغرب مردها، لاعتبارات تاريخيَّة، وجغرافيَّة تتعلقُ بعامل القرب. وبالنظر إلى طبيعة النظام، فِي المغرب الذِي يتمتعُ ببعض الاستقرار، قياسًا بباقِي الدول العربيَّة التي اجتاحتها حركات "الربيع العربِي". التي عرف المغرب في أعقابها تشكيل حكومة ائتلافيَّة يتزعمهَا الإسلاميُّون، في ظلِّ وجود مؤسسات قويَّة، والتحام شعبِي جد قويٍّ بالملك. الاستقرارُ في المغرب سمح منذ عدة سنوات، بالعمل بطريقة حسنة، وبتطوير سياسات المساعدة، فالمغرب هو البلد الذِي يتلقَّى أكبر نصيبٍ من المساعدات الأوربية، يبلغُ حوالَيْ 200 مليُون يورُو من المساعدات العموميَّة على قاعدةٍ سنويَّة. زيادةً على أسهم البنك الأوربِي للاستثمار، الذِي يمنحُ 500 مليون من القروض سنويا للمملكة. مما تكونُ به أوربَا الأولى في مدِّ المغرب بمساعدات عموميَّة، لكونه شريكًا مهمًّا ومميزا لديها. لكنْ فيمَ تفيد تلك المساعدات؟ الهدفُ من تلك المساعدات هو عصرنة الاقتصاد المغربِي. حيث إنَّ جزءً منهَا، يذهبُ إلى الاستثمار في البنى التحتيَّة، زيادةً على المساعدة على تحقيق الحكامة الاقتصاديَّة، من خلال المساعدة التقنيَّة المكثَّفَة، والتدخل لعدم المقاولات الصُّغْرَى والمتوسطَة. أمَّا فيما يخصُّ المشاركة في جهود السياسة الاجتماعيَّة، فنحنُ نساهمُ، بصورة عامة، في برامج محاربة الأميَّة، التي تبلغُ نسبتها في المغرب،30 بالمائة، وبالتالِي فإنَّ الأمرُ يتعلقُ بمشكلٍ بنيوِي يعانيه المغرب. ومن الأمثلة على تدخلنا للمساعدة، أذكر تجربة عشتها، كانتْ ترومُ تمويل نظامٍ للصحة الجامعيَّة، مكن الفئات الأكثر عوزًا في المجتمع من العلاجات الطبي، كما تدخلنا أيضًا بفضل برنامج خاص، من أجل تنمية النظام التعليمي، بالعالم القروِي على وجه الخصوص، والهدف من وراء ذلك، كان هو استقدام الأطفال الذِين لمْ يكونُوا قادرِين على التمدرس بسبب بعد منازلهمْ عن المؤسسات التعليمية. بيد أنَّ ما استجدَّ في اعقاب الربِيع العربِي، هو أنَّ الاتحاد الأوربِي أعاد النظرَ في سياسة المساعدات. بحيث إننا نتجه أكثر فأكثر نحو دعم المجتمع المدنِي، باعتباره أداة لتقوية الديمقراطية وتكريس مكتسباتها..نمولُ جمعيات تدافعُ عن حقوق الإنسان وتعمل على تحسين ظروف السجناء. كما نمولُ البرلمان المغربِي لتمكينه من المساعدة التقنية، فِي إعداد القوانين. لكنْ هل تسمحُ لكم الدولة في المغرب بالقيام بذلك؟ على حد علمِي، المغرب دولة "سلطويَّة" أليسَ كذلك؟ نعمْ، يسمحُ بذلكَ. صحيحٌ أنَّ الفترة التي قضيتها في المغرب سفيرًا للاتحاد الأوربِي، شهدتْ بعض التوترات مع المصالح الحكومية. كما حصل حين شرعنا في تنفيذ برنامج مهم لدعم المساواة، بالنسبة إلى النساء، حيث كان هناك كثيرٌ من التحفظ. إلا أنها مسألة تتعلقُ بالإقناع، والمفاوضات السياسية، وبمتانة العلاقات. لحسن الحظ، للاتحادُ الأوربِي مكانةً مهمَّة لدى المغرب، ولذلك فهوَ يستمعُ إلينَا. وإنْ كان ذلك لا يعنِي أنَّ المملكة دائمًا ما تتبعنا. استطعتُ أنْ أؤَدِّيَ مهامِّي في كامل الحريَّة. كنت أوجه أحيانًا بعض الانتقادات، بيد أنَّ انطباعِيَ كان يذهبُ إلى أننا، كنا ذوِي حضور وقوة سياسية كافيين للقدرة على الخوض في بعض المواضيع، حتَّى وإنْ لمْ يرقْ ذلك لوزيرٍ أوِ لآخر. هلْ بإمكاننَا أنْ نتحدث عن اشتراط الاتحاد الأوربي احترام المغرب حقوق الإنسان مقابل حظوته بالمساعدات؟ لا شرُوطَ لدينا فيما يتعلقُ باحترام حقوق الإنسان، لأننا نساعد أو نمول عمل عدد من الجمعيات. ولسنا في مفاوضات مع الحكومة. ولا البيداغوجيَّة؟ اِتَّخذَ المغربُ جملةً من القرارات، في الآونة الأخيرة، من قبيل توسيع حقل الحريات وحقوق الإنسان، بفضل الدستور الجديد. حتَّى وإنْ لمْ يتم إلغاء عقوبة الإعدام، بسبب موقف الحكومة. لكننا لا زلنا في نقاش. حين كنت في المغرب، كنا نحتفلُ بشكل قوي سنويا، بيوم المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام. والمغاربة يعلمون في ذلك، جيدا، موقف الاتحاد الأوربِي من تلك النقطة. نحن محاورٌ يمارس ضغطه، ولنا حضور، كما أننا فطنون إلى تطور انتهاك حقوق الإنسان في المغرب. تابعَ الكثيرون، مؤخرًا، مشاهد صادمة لمهاجرين أفارقة من جنوب الصحراء يحاولون عبور الجانب المغربي إلى التراب الإسباني. موازاةً مع مأساة قارب "لامبيدوزَا". التي ذكرتنا بالطرق البحرية التي دئب على سلوكها من أجل بلوغ أوربا...ما الذي قمتمْ به حين كنتمْ سفيرًا في الرباط من أجل معالجة الإشكال؟ الاتحاد الأوربي يناقش مع المغرب، في الوقت الراهن، اتفاقًا جديدا حول شروط التنقل ومنح التأشيرات، من أجل مواكبة المهاجرين الشرعيين بشكل أمثل لدى وصولهم إلى البلدان الأوربيَّة، ومعالجة تداعيات الهجرة غير الشرعية، التي لم نعد قادرين على تحملها في أوربا. نحنُ نأمل بلوغ تعامل مع الناس، ينسجمُ تمامًا مع احترام حقوق الإنسان والمواطنين. كما أننا ندعُو المغرب إلى وضع سياسة للجوء، لأنَّ مربط الفرس، وللأسف، هو أنَّ لا وجود لسياسة هجرة مهيكلة بما فيه الكفاية ،على مستوى الاتحاد الأوربِي. كل بلدٍ أوربي يلعبُ دوره، ووزراء الداخلية الأوربيون لا يوافقون على بعض الإجراءات التي من شأنها أنْ تكلف بعض المال للميزانية الأوربية، كتكلفة لحل جميع تلك الإشكاليات. لأنَّ المشكل ليسَ مشكلًا أمنيًا فقطْ، وإنما هناك حاجة إلى ضمان عدم تكرار المأساة مرة أخرى، بعد وصول المهاجرين إلى أوربا. موازاةً مع لزوم تقنين الهجرة، ووضع معايير لقبول المهاجرين، وامتلاك رؤية واضحة بشأنهَا. أوربَا لا تمتلكُ رؤية واضحة المعالم لملف الهجرة. ونحن سنكون في حاجة إلى المهاجرين. فأوربا، التي تمثلُ 7 بالمائة من ساكنة العالم، قارةٌ ذات ساكنة شائخة. وبالتالِي فإنه في حال أردنا مواصلة التقدم والازدهار، يلزمنا مهاجرون من الخارج. ومأساة "لامبيدُوزَا" وضعتْ الإصبع على تلك الحقيقة. وهي أنَّ لا سياسة للهجرة على مستوى أوربا. وأعتقدُ أنَّ الوقتَ قدْ حان لوضعها. ألا يوجد اتفاق لإعادة تسليم المهاجرين بين الاتحاد الأوربي والمغرب. وبصيغة أخرى، أليس المغرب ملزمًا باستيلام المهاجرين الذين يصلون إلى أوربا كيْ يرحلهم انطلاقا من أراضيه؟ كلَّا لا يوجد أيُّ اتفاقٍ بذلك الشأن، لكن مناقشته جارية. حيث إن المباحثات حول الميثاق الجديد الذي تقدمه البعثة الأوربية للمغرب، تشمل ذلك، لكن في المقابل، يجبُ منح تسهيلات للمواطنين المغاربة، عند تقدمهم بطلب الحصول على تأشيرة. المغرب يشهدُ بدوره هجرة من البلدان الإفريقية الأكثر فقرًا. وَاتفاقية إعادة الدخول، ستُلزمُ المغرب بالسماح للمهاجرين الذين يأتون عبره بالدخول، حتَّى وإنْ كان من الصعب تحديد البلد الذِي قدمُوا منه، لأنَّ لا وثائق في الغالبِ الأعم، بحوزتهمْ.