انتهت قبل أيام قمة قادة الاتحاد الأوربي، وتبددت معها آمال المنظمات الحقوقية التي كانت تنتظر إقرار مزيد من المرونة في التعامل مع المهاجرين، خاصة القادمين من إفريقيا. أوربا اختارت حلا آخر هو مضاعفة ميزانية الإنقاذ والرعاية الاجتماعية ثلاث مرات، لكنها تريد من البلدان المتموقعة في الضفة الأخرى من المتوسط أن تكون بمثابة الدركي الذي يحمي حدودها بمنطق المال مقابل محاربة الهجرة. المغرب يدرك جيدا أنه أصبح بلدا مستقبلا للمهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، وأن الضغط يتزايد عليه بشكل سنوي، وإلى جانب ذلك، يدرك أن قضية الهجرة صارت قضية حقوقية تدرج في التقارير السنوية للمنظمات الدولية الرسمية وغير الرسمية. لذلك انتبه المغرب، ولو بشكل متأخر، إلى أن مقاربة المال مقابل محاربة تدفق المهاجرين السريين إلى الضفة الأخرى لم تعد صالحة، بل ودفعت المنظمات الحقوقية إلى توجيه انتقادات قاسية لتبرز المغرب بمظهر «التلميذ الحقوقي» الكسول فيما يتعلق بالتعاطي مع المهاجرين السريين. قبل شهور، اجتمع الملك مع لجنة صغيرة وأمر بتسوية وضعية المهاجرين السريين المقيمين بالمغرب. الخطوة التي وصفت بالذكية، شكلت منعطفا جديدا في التعاطي مع قضايا الهجرة، ففي الوقت الذي كان المغرب يوجه كل جهده نحو الحصول على المزيد من الدعم المادي واللوجيستي من طرف دول الاتحاد الأوربي، بات الآن طرفا رئيسيا يعالج قضية المهاجرين المقيمين على أراضيه، معناه أن المغرب اعترف بأن المآسي المترتبة عن قضية المهاجرين السريين تنتمي إلى صميم القضايا الاجتماعية الحارقة. اعتراف المغرب بضرورة البحث عن مخرج جديد لملف الهجرة كان خطوة ذكية، أولا لأنه سيحتوي غضب المنظمات الحقوقية التي عابت على المغرب تعامله «اللاإنساني» مع المهاجرين، ثم إنه يبعث إشارات قوية إلى الاتحاد الأوربي بكون ملف الهجرة ليس ملفا يخضع للمقايضة. الأخبار الأخيرة حول غرق مئات المهاجرين في حوض البحر الأبيض المتوسط أعاد إلى الواجهة نقاش «توزيع المآسي» كما سماه كاتب إيطالي: الاتحاد الأوربي يقول إن كل ما يمكن أن يفعله هو إنقاذ المهاجرين في عرض البحر، ودول الضفة الجنوبية من حوض المتوسط تقول إنها غير قادرة بتاتا على إيقاف آلاف المهاجرين من ركوب البحر. المغرب يريد أن يمسك العصا من الوسط في التعامل مع قضية «توزيع المآسي»، فهو يعرف أنه لا يستطيع التخلي عن مساعدات الاتحاد الأوربي، لأن مواجهة تدفق المهاجرين تتطلب ميزانيات ضخمة لا يمكن أن تتحملها خزينة الدولة المغربية، لكن من جهة أخرى دخل في التزام أخلاقي مع المهاجرين الأفارقة، بعد أن تلقى انتقادات موجعة في الكثير من المحطات الحقوقية، لكن هل يستطيع المغرب أن يسير بهذه الاستراتيجية إلى أبعد مدى، لاسيما أن بلدان الاتحاد الأوربي تحاول أن تضغط بكل الوسائل من أجل إرغام حلفائه في الضفة الأخرى على التعاطي بحزم مع قضية الهجرة. الاعتراف الذي تحدثنا عنه سلفا يقتضي الآن أمرين أساسيين: الأول هو توفير الاعتمادات المالية الكافية لإعادة إدماج «المهاجرين السريين» والسماح لهم بالولوج إلى الخدمات الأساسية (الصحة، التعليم..)، وعلى المغرب أن يتحمل كلفة ذلك، والأمر الثاني يرتبط بالنظر إلى قضية المهاجرين، ليس من باب أنه يجنب المغرب حملات الجمعيات الحقوقية، بل كقضية إنسانية، مع العلم أن المهاجرين الأفارقة صاروا جزءا من المجتمع المغربي. ويقتضي الاعتراف، أيضا، أن يكون هناك وعي بأن قضية الهجرة أعمق من أن تفسر بالجملة المشهورة «مهاجرون سريون قضوا في عرض البحر»، وأن المسؤولية لا تتحملها دول أو كيانات، بقدر ما هي مسؤولية عالمية تمخضت عن نظام اقتصادي غير عادل وعن تفاوتات طبقية صارخة أفرزها نظام رأسمالي لا يهمه من يموت في البحر أو من يلقي بنفسه إلى الهلاك. أغلب الانتقادات التي تلقاها المغرب كانت بسبب «المقاربة الأمنية» في التعاطي مع ملف المهاجرين، متكئة على مجموعة من التدخلات نفذتها قوات الأمن، خاصة في مدن الشمال. المبادرة الملكية في التدخل الاستعجالي لمعالجة قضايا الهجرة كانت ذكية جدا، لأنها أحدثت بالفعل قطيعة مع نظرة تقليدية كانت تنظر إلى المهاجر الإفريقي على أنه «عالة اجتماعية». بطبيعة الحال، فإن الدور الذي تريده بلدان الاتحاد الأوربي من المغرب، يتمثل في وضع حد لتدفق المهاجرين السريين مقابل تقديم دعم سخي، أي أنها تسعى إلى أن تبقى بمنأى عن تأثيرات الهجرة، فيما يريد المغرب أن ينهج الحل الوسط. صحيح أن المغرب لا يمكن أن يتخلى عن الاتحاد الأوربي، لكنه لا يمكن أن يتعامل بنفس المقاربة مع مهاجرين من قارة يقول عنها دائما إنها تنتمي إليه. الهجرة ملف معقد جدا لا يمكن حله بمجرد حلول ظرفية أو زيادة الدعم المادي، ومن المضحك حقا أن تقول دول أوربية كبيرة تدعي أنها تدافع عن حقوق الإنسان، إنها ستوفر ما يلزم من الإمكانيات لإنقاذ المهاجرين في عرض البحر. إنها في الأخير نتيجة نظام رأسمالي مجنون يقودنا جميعا لنؤمن بأن الموت ليست سوى.. وجهة نظر.
«الهجرة السرية».. ورقة المغرب القوية لمواجهة الاتحاد الأوروبي الوافي: المغرب لم يوظف «الهجرة» لمواجهة تعقيدات التنقل نحو أوروبا خديجة عليموسى ظل المغرب على مر السنين بوابة للهجرة السرية نحو أوروبا، وهو ما جعله مركز اهتمام من لدن دول الاتحاد الأوروبي، عبر عقد اتفاقيات تهدف إلى وضع حد لهذه الظاهرة المرتبطة بالتغييرات على المستوى العالمي، خصوصا في ظل تزايد نزوح عدد من الأفارقة نحو المغرب، بسبب الحروب والكوارث الإنسانية التي تعرفها بلدانهم. وقد أعلن الاتحاد الأوروبي، مؤخرا، عن تقديمه منحة مالية للمغرب بلغت 10 ملايين يورو، لصالح المهاجرين واندماجهم في المجتمع المحلي، وفق ما أعلن عنه مفوض الاتحاد الأوروبي للهجرة والشؤون الداخلية، ديميتريس أفراموبولوس، هذا الأخير نوه بدور المغرب الذي اعتبره «نموذجا إقليميا لسياسات الهجرة في المنطقة»، معلنا أن «الاتحاد الأوروبي سيواصل دعم السياسة الجديدة للهجرة التي اعتمدها المغرب منذ مطلع السنة الماضية، من خلال تمويل مشاريع تهدف إلى تعزيز اندماج المهاجرين وانخراطهم في وسطهم الجديد». وفي هذا السياق أكدت نزهة الوافي، الخبيرة في شؤون الهجرة والعضو في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، أن المغرب حقق نجاحات متميزة في مكافحة الهجرة السرية، باعتراف تقارير عديدة للاتحاد الأوروبي، وذلك منذ الاتفاقية التي وقعها سنة 1991 لمحاربة الهجرة السرية، غير أن السؤال المطروح هو إلى أي حد استطاع أن يكون محاورا ومفاوضا قويا، ويستخدم هذه الورقة في الشق المتعلق بالتنقل القانوني للمغاربة نحو الاتحاد الأوروبي الذي أصبح يعرف تعقيدات يوما بعد يوم، تقول الوافي، التي أشارت إلى أنه إلى جانب ذلك، فإن المغرب أصبح يتحمل مسؤوليته في ما يهم استقبال المهاجرين الأفارقة الراغبين في النزوح نحو إسبانيا، حيث قام بتسوية الوضعية القانونية لحوالي 28 ألف مهاجر، وهو ما يتطلب أن يتحمل الاتحاد الأوربي بدوره مسؤوليته في دعم عدد من البرامج الخاصة بالمهاجرين. وبالعودة إلى عدد من التقارير الرسمية في مجال الهجرة، نجد أن هناك اتفاقا مع الاتحاد الأوروبي على خطة عمل لتفعيل مقتضيات «الوضع المتقدم» للمغرب برسم الفترة الممتدة ما بين 2013و2017، حيث يتمحور التعاون فيما يتعلق باختصاصات وزارة الداخلية حول مجالات تدبير الحدود ومحاربة الهجرة غير الشرعية والشبكات الإجرامية لتهريب البشر والاتجار في الأشخاص والحكامة في ميدان الهجرة والحماية الدولية لطالبي اللجوء، وفق وثيقة رسمية صادرة عن وزارة الداخلية خلال شهر أكتوبر من السنة الماضية. ومن بين الآليات في تدبير هذا الملف، تم التوقيع على إعلان مشترك حول «الشراكة من أجل الحركية» مع الاتحاد الأوروبي و8 من دوله الأعضاء (البلدان المتوسطة خصوصا)، وقد انخرط الجانبان لتفعيل هذه الشراكة في مجالات الهجرة وتنقل الأشخاص والأمن. وقد ترأست وزارة الداخلية اللجينة الخاصة بالتعاون القضائي والأمني، حيث انصبت المحادثات حول سبل تدعيم التعاون في مجال محاربة الاتجار في الأشخاص ومحاربة تبييض الأموال ومحاربة الإرهاب وكذا التعاون القضائي. وبحكم الجوار مع إسبانيا، فإن المغرب له تعاون ثنائي مع هذا البلد في إطار «المجموعة المشتركة الدائمة المغربية الإسبانية حول الهجرة»، وهمت علاقات التعاون «إنشاء فريق عمل مختلط للتعاون الأمني في مجال البحث والتقصي ومكافحة الهجرة غير الشرعية بين المديرية العامة للأمن الوطني ونظيرتها الإسبانية، وتفعيل دور «مركزي التعاون الأمني»، المحدثين بكل من طنجة والجزيرة الخضراء في إطار تقوية آليات التعاون بين الأجهزة الأمنية المغربية ونظيرتها الإسبانية، مع تعزيز التنسيق الميداني في مجال مكافحة تهريب البشر والهجرة غير الشرعية، من خلال الدوريات البحرية والجوية والبرية المختلطة بين الدرك الملكي والحرس المدني الإسباني، فضلا عن تقوية تبادل المعلومات عن طريق ضباط الربط حول شبكات التهريب التي تنشط في ميدان الهجرة السرية وتهريب البشر. وقد استطاع المغرب تقليص عدد المهاجرين غير الشرعيين المغاربة الذين يصلون إلى الشواطئ الإسبانية انطلاقا من المغرب بأكثر من 90 في المائة منذ سنة 2004، وفق إحصائيات رسمية لوزارة الداخلية، هذا في الوقت الذي أصبحت الشواطئ الليبية معبرا لعدد من المهاجرين السريين ومن بينهم مغاربة، لدرجة أنها أصبحت محط كوارث إنسانية يذهب ضحيتها مئات الأرواح، ولعل آخرها فاجعة موت حوالي 800 مهاجر سري جلهم من إفريقيا وآسيا، وخلال الشطر الأول من سنة 2015 توفي حوالي 1500 مهاجر غرقا وهم في طريقهم من الشواطئ الليبية نحو إيطاليا، وفق أرقام قدمتها الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، هذه الأخيرة، التي عقدت لقاء لها خلال هذا الأسبوع فعرفت نقاشا ساخنا حول الإجراءات التي يجب وضعها، من أجل وضع حد لهذه المآسي الإنسانية، بعدما تحول البحر المتوسط إلى مقبرة للأفارقة الفارين من جحيم عدم الاستقرار والمجاعة، تقول نزهة الوافي، عضو الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، والتي أشارت إلى أنه تم النقاش حول إعادة تفعيل آليات عملية «ماري نوستروم»، الذي وضع بعد الربيع العربي من أجل إنقاذ كل من يصلون عبر الهجرة السرية إلى السواحل الإيطالية أو اليونانية، غير أن هذا البرنامج، الذي انطلق وساهم في إنقاذ عدد من المهاجرين السريين، توقف العمل به بسبب التمويل. واعتبرت الوافي، خلال مناقشتها للتقرير خلال اجتماع لجنة الهجرة للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، أن الفاجعة الإنسانية تسائل الرصيد الحقوقي الأوربي، داعية الجميع إلى التحلي بالشجاعة للحديث عن المسؤولية السياسية في الهجرة السرية عموما والتهجير السري للأطفال أو التخلي عنهم والاتجار بالنساء خاصة. وتساءلت عضو الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا بالقول: هل أوروبا قامت بواجب الدعم للديمقراطيات الناشئة قبل أن يصل الوضع إلى ما هو عليه؟ وهل كانت لها الإرادة الواضحة على المستوى الاستراتيجي لدعم مسارات الديمقراطية ببلدان ما سمي بالربيع الديمقراطي والحراك الشبابي، والتي هي اليوم مشتلا للاتجار بالبشر؟ أم كان همها هو الحفاظ على مصالحها والتضحية بكل أمل للتغيير؟.
الصبار: القول بأن المغرب قد تحول إلى دركي لأوربا فيه إجحاف كبير قال إن الهجرة ملف معقد ويطرح عدة تحديات حاورته حليمة بوتمارت أكد محمد الصبار، الكاتب العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، في هذا الحوار، أن القول بأن المغرب قد تحول إلى دركي لأوربا، فيه إجحاف كبير، معتبرا أن أوربا وظفت مواردها وإمكانياتها لتقليص فرص الوصول إليها أمام غالبية المتنقلين، وعملت على تحويل نفسها إلى قلعة حصينة من الصعب الوصول إليها. وأوضح الصبار أن تأطير الأحزاب والنقابات لمنخرطيها يجب أن يساهم في الاندماج المجتمعي للأجانب وعدم استغلال وضعيتهم في مزايدات سياسوية وتغذية الفكر الشوفيني الضيق. – كيف ترى وضعية المهاجرين في المغرب؟ حسب الوضعية الإدارية، ينقسم المهاجرون في المغرب الى فئتين فئة نظامية وفئة غير نظامية. ويبلغ عدد المهاجرين النظاميين في المغرب حاليا حوالي 78 ألف مهاجر يشكل الفرنسيون أكثر من ربعهم ويتمركزون أساسا بالدار البيضاء بمعدل (21 ألفا ) والرباط ب (10آلاف) ومراكش (7آلاف)، في حين تبقى أعداد المهاجرين غير النظاميين غير قابلة للحصر بشكل دقيق. وقد قدرت وزارة الداخلية عددهم حاليا بحوالي 25 ألف مهاجر كحد أدنى و40 ألف كحد أقصى ويتشكلون في غالبيتهم من جنسيات إفريقية مع تزايد ملحوظ للجنسيات الأوربية والأسيوية. واذا كانت الوضعية الاجتماعية لغالبية المهاجرين النظاميين مستقرة، فإن وضعية المهاجرين غير النظاميين تمتاز في الغالب بعدم الاستقرار والهشاشة. – ما هي الإشكالات التي يطرحها ملف الهجرة على الصعيد الحقوقي؟ ترتبط أهم الإشكالات الحقوقية بتحيين الترسانة الحقوقية المغربية المنظمة لولوج الأجانب وتمتعهم بمختلف الحقوق. وكما تتبعتم لقد عرف مجال التشريع الوطني المتعلق بالهجرة في الآونة الأخيرة تطورا نوعيا، الشيء الذي يترجم إرادة الدولة المغربية، وقد شكل دستور 2011 قفزة نوعية في هذا المجال، حيث تؤكد ديباجته على ما يلي: التزام المملكة ببناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تضمن وتصون الحقوق للجميع، وينعم فيها بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة. الانخراط في المنظمات الدولية، والالتزام باحترام المبادئ الكونية لحقوق الإنسان، وتنفيذ تعهداتها والتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان وفق ما تنص عليه المواثيق والعهود الدولية (الاتفاقية الخاصة بحقوق العمال المهاجرين وأسرهم والاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين الخ ). تعهد المغرب على أساس القيم والمبادئ الثابتة لحقوق الإنسان لتعزيز علاقات التعاون والتضامن مع الشعوب والبلدان من أفريقيا، وخاصة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والساحل وتوسيع وتنويع علاقات الصداقة والروابط الإنسانية والاقتصادية والعلمية والتقنية والثقافية مع كل بلدان العالم. الالتزام بحظر ومناهضة كل أشكال التمييز ضد أي شخص على أساس الجنس أو اللون أو العقيدة أو الثقافة أو الأصل الاجتماعي أو الإقليمي أو اللغة أو الإعاقة أو بعض الظروف الشخصية على الإطلاق. كما تنص المادة ال 30 من الدستور على تمتيع الأجانب بالحريات الأساسية المعترف بها للمواطنات والمواطنين المغاربة، وفق القانون. ويمكن للأجانب المقيمين بالمغرب المشاركة في الانتخابات المحلية، بمقتضى القانون أو تطبيقا لاتفاقيات دولية أو ممارسات المعاملة بالمثل. وانطلاقا من مواد وروح الدستور، فإن المشرع مطالب بتحيين الترسانة القانونية المنظمة للهجرة مع مراعاة التزامات المملكة باحترام المبادئ والقوانين الدولية ذات الصلة وتنزيل قوانين تنظيمية تكفل حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء بحيث تمكن من: مراجعة شروط دخول الأجانب (الشروط المتعلقة بالأجنبي، صلاحيات السلطات المختصة، حقوق الأجنبي في حالة رفض الدخول، ترحيل الأجنبي الذي صدر في حقه قرار رفض الدخول). مراجعة شروط الإقامة بالتراب المغربي(مساطر الحصول على بطاقة الإقامة وبطاقة التسجيل). حماية الأجانب والمهاجرين من التجاوزات الممكنة والتعسف من جانب الإدارة. مراجعة القوانين القطاعية بكيفية تيسير ولوج الأجنبي لسوق الشغل وممارسته المهن الحرة والاستفادة من حقه في الصحة والتعليم والسكن. وضع إطار قانوني ومؤسساتي وطني منظم للجوء، يرتكز من جهة على المبادئ الواردة في تصدير الدستور المغربي لسنة 2011 وينظم من جهة أخرى وضع اللاجئ بالمغرب وشروط ممارسة حق اللجوء المعترف به في الفصل 30 من الدستور. وضع إطار قانوني خاص بمحاربة الاتجار في البشر يرتكز على حماية الضحايا والقاصرين والشهود والمبلغين ومعاقبة المتاجرين في البشر اعتمادا على تعريف دقيق وتحديد موسع للمشاركين في العملية. مراجعة الظهير الشريف رقم 1-58-376 الصادر في 3 جمادى الأولى 1378 (15 نونبر 1958) المتعلق بتنظيم حق تأسيس الجمعيات بما يضمن مطابقة الوضع القانوني للجمعيات الأجنبية مع نظيرتها الوطنية. مراجعة مدونة الانتخابات بما يضمن منح الأجانب المقيمين بالمغرب إمكانية المشاركة في الانتخابات المحلية إما بمقتضى القانون أو تطبيقا لاتفاقيات دولية أو ممارسات المعاملة بالمثل، وفقا لمقتضيات الفصل 30 (§4) من الدستور. -كيف ترى تدبير المغرب لعلاقته مع الاتحاد الأوربي بشأن ملف الهجرة السرية؟ كما تعلمون يدبر المغرب علاقته مع الاتحاد الأوربي فيما يخص الهجرة عموما في إطار مجموعة من الاتفاقيات وعلى رأسها الشراكة من أجل الحركية، إضافة الى مجموعة أخرى من الاتفاقيات الثنائية التي تربطه بالأساس مع دول جنوب غرب أوربا والتي تحدد طبيعة التعاون ومحتواه. وبانخراط المغرب حاليا في بناء سياسة جديدة في مجال الهجرة واللجوء أصبح بإمكانه أن يدير بكيفية أحسن علاقته بالاتحاد الأوربي ويفرض خياراته الخاصة الداعية إلى الربط بين الهجرة والتنمية والمسؤولية المشتركة ورفض أي مقترح من شأنه أن يجعل من المغرب منفذا للسياسة الأمنية الوقائية الأوربية. – يرى البعض أن المغرب يدفع تكلفة باهظة، بعد أن تحول إلى مجرد دركي لأوربا؟ أظن أن القول بأن المغرب قد تحول الى دركي لأوربا فيه إجحاف كبير. فأوربا وظفت مواردها وإمكانياتها لتقليص فرص الوصول إليها أمام غالبية المتنقلين وعملت على تحويل نفسها إلى قلعة حصينة من الصعب الوصول اليها. لقد وضعت أنظمة معقدة للحصول على التأشيرة وأنشأت أجهزة متطورة مكلفة لمراقبة حدودها البرية والبحرية ومراقبة تحركات المهاجرين، كما وقعت مجموعة من اتفاقيات إعادة الاستقبال مع مجموعة من الدول الأفريقية المصدرة للهجرة السرية. – ما الذي يميز المقاربة المغربية في تدبير ملف الهجرة؟ يمكن القول إن التجربة المغربية تتميز بكونها أول تجربة انطلقت من الجنوب لتقارب مسألة الهجرة بروح تضامنية وبدون حسابات اقتصادية أو ديموغرافية على عكس الدول الغربية التي تعاطت دوما مع مسألة الهجرة بهاجس أمني مفرط ولتعويض الخصاص المسجل لديها خصوصا في مجال اليد العاملة. وتميزت المقاربة المغربية كذلك لكونها بنيت انطلاقا من توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان على قاعدة تشاورية موسعة ساهمت فيها ولو بنسب متفاوتة مختلف مكونات المجتمع المغربي. – على ضوء المستجدات المتعلقة بالهجرة السرية، ما هي التحديات المطروحة على الدولة المغربية؟ ملف الهجرة ملف معقد ويطرح في نظري ستة تحديات كبرى: القدرة على مقاربة ملف الهجرة في أبعاده الحقوقية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية دون اختزال أو تغليب بعد على آخر. قدرة الحكومة على بناء وتقاسم سياسة جديدة في مجال الهجرة مع مختلف الفعاليات غير الحكومية وفي مقدمتها القطاع الخاص والجمعيات المدنية والنقابات وأحزاب المعارضة. إن نجاح أي سياسة جديدة في مجال الهجرة في نظري رهين بدعم مجتمعي عريض ومستمر يتجاوز التحالفات الظرفية والمواعيد الانتخابية. القدرة من جهة على تعبئة الموارد المالية الضرورية سواء الوطنية أو الدولية الكفيلة بضمان ولوج الأجانب لمختلف الحقوق وفي مقدمتها العمل والصحة والسكن والتعليم، ومن جهة أخرى على تأهيل مختلف المرافق والإدارات لتستقبل وتعالج الإشكالات الجديدة المرتبطة بالأجانب. القدرة على تدبير الرهانات الداخليةالمرتبطة بالهجرة من جهة والرهانات الإقليمية في بعديها الافريقي والأوربي من جهة أخرى؛ القدرة على ضمان احتضان المجتمع المغربي بمختلف شرائحه لأي سياسة نوعية جديدة في مجال الهجرة بكيفية تجعله محصنا من بروز وتطور العنصرية. لذلك فدور المؤسسة التعليمية والهيئات المكلفة بالتأطير في مقدمتها الأحزاب والنقابات ووسائل الإعلام أساسي في هذا المجال. فالبرامج التعليمية يجب أن تبنى وفق منطق حقوقي وبشكل يبتعد عن النمطية، كما أن تأطير الأحزاب والنقابات لمنخرطيها يجب أن يساهم في الاندماج المجتمعي للأجانب وعدم استغلال وضعيتهم في مزايدات سياسوية وتغذية الفكر الشوفيني الضيق. وبالنسبة لوسائل الاعلام فدورها مركزي في نجاح العملية حيث يجب عليها أن تمتنع عن نشر أي خطاب يحث على عدم التسامح والعنف والعنصرية إزاء الأجانب، وأن تعتمد تحليلات صحفية متوازنة لظاهرة الهجرة مع التركيز على جوانبها الإيجابية، وأن تتجنب الصور النمطية حول الهجرة، وأن تساهم بشكل فعال في تحسيس السكان حول العنصرية وكراهية الأجانب. القدرة على تطوير شراكة حقيقية مع المجتمع المدني في بلورة وتنفيذ سياسة عمومية جديدة فعلية في مجال الهجرة. ويمكن أن تتم هذه المشاركة في مختلف المستويات، سواء المتعلقة بالتشخيص والدراسة أو المرافعة أو التوجيه والتكوين أو تقديم الخدمات أو غيرها. ومن البديهي أن تختار الجمعيات مستويات ومجالات تدخلها حسب أهدافها وإمكانياتها. ولتيسير العملية وجب إنشاء أرضية دائمة للتشاور بين السلطات العمومية والمجتمع المدني على المستويين الوطني والجهوي.
بلكندوز: نتائج التسوية ضعيفة لأن هدف المهاجرين هو أوربا المهدي السجاري فرضت التغيرات التي تعرفها موجات الهجرة في العالم أن يتحول المغرب من بوابة لعبور مواطني بلدان إفريقيا جنوب الصحراء نحو القارة العجوز إلى بلد إقامة، سواء من طرف المهاجرين غير الشرعيين أو حتى بعض المهاجرين الأجانب القادمين من دول متقدمة، خاصة العمال الإسبان والمتقاعدين الفرنسيين. هذه التحديات، خاصة المرتبطة بالمهاجرين غير القانونيين المنحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، دفعت المغرب إلى العمل على رفع تحدي تحقيق العيش الكريم للأشخاص الموجودين فوق التراب الوطني، في ارتباط مع الرهانات المتعلقة بالتعددية الثقافية والاندماج داخل المجتمع. في التاسع من شتنبر سنة 2013، أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقريره الذي يحمل عنوان «الأجانب وحقوق الإنسان بالمغرب.. من أجل سياسة جديدة في مجال اللجوء والهجرة»، والذي شدد على أن الوقت قد حان لتباشر الحكومة بشكل رسمي إعداد وتنفيذ عملية للتسوية الاستثنائية لوضعية بعض الفئات من المهاجرين في وضعية إدارية غير نظامية. ومباشرة بعد صدور هذا التقرير، ترأس الملك محمد السادس في العاشر من شتنبر 2013، جلسة عمل، بحضور رئيس الحكومة وعدد من الوزراء وكبار المسؤولين، خصصت لتدارس مختلف الجوانب المرتبطة بإشكالية الهجرة، في أفق بلورة سياسة شاملة جديدة لقضايا الهجرة ببلادنا. وإلى جانب عملية التسوية التي تم الإعلان عنها في نونبر من نفس السنة، اشتغلت الحكومة على بلورة استراتيجية وطنية للهجرة واللجوء التي تم اعتمادها في دجنبر 2014، والتي ارتكزت على أهداف كبرى، تتجلى في تدبير تدفق المهاجرين في إطار احترام حقوق الإنسان، وإقامة إطار مؤسساتي ملائم، وتسهيل اندماج المهاجرين الشرعيين، وتأهيل الإطار القانوني. هذه الاستراتيجية تضمنت 11 برنامجا تشمل مجالات أساسية كالتربية والثقافة على مستوى الإدماج في النظام التعليمي والتكوين في اللغات والثقافة المغربية، والشبيبة والرياضة فيما يتعلق بالبرامج الرياضية والترفيهية، وعلى مستوى الصحة لضمان الولوج إلى العلاج، وعلى مستوى السكن لتشجيع الحق في السكن في إطار الشروط القانونية، وعلى مستوى المساعدات الاجتماعية والإنسانية فيما يتعلق بالمساعدة القانونية وتمكينهم من الاستفادة من برامج التضامن والتنمية الاجتماعية. ومن بين الإجراءات التي تم اتخاذها في مجال السكن، على سبيل الذكر، إدماج المهاجرين واللاجئين في البرامج الخاصة بالسكن الاجتماعي المدعم من طرف الدولة، والذي يستهدف الفئات ذات الدخل المحدود، إلى جانب إدماجهم في الفئات المستفيدة من الضمان الخاص بالقروض الممنوحة من طرف مؤسسات التمويل للفئات ذات الدخل المحدود وغير المنتظم. وفي مجال التشغيل، تمت بلورة عدد من الإجراءات التي تشمل إدماج المهاجرين واللاجئين في برامج وخدمات البحث عن العمل، وتحسيس المقاولات في مجال تشغيل المهاجرين، وأيضا تسهيل استفادتهم من برامج التشغيل الذاتي، إلى جانب عدد من الإجراءات في مجال التكوين المهني والتعليم والولوج إلى الخدمات الصحية والترفيه ومختلف الحاجيات التي تمكن من ضمان أساسيات العيش الكريم على غرار المواطنين المغاربة. عبد الكريم بلكندوز، الأستاذ الجامعي والباحث في قضايا الهجرة، اعتبر في حديث ل«المساء» أن «السياسة الجديدة للمغرب في مجال الهجرة مبادرة ملكية محمودة، حيث تقررت عملية استثنائية بين يناير 2014 و31 دجنبر 2014 لتسوية الأوضاع القانونية للمهاجرين الذين لا يتوفرون على وثائق الإقامة». وأوضح أنه استنادا للأرقام الصادرة عن وزارة الداخلية، فعدد الطلبات بلغ 27 ألفا و322 طلبا، فيما تمت الموافقة على 17 ألفا و916، منها 9200 امرأة. ويضيف أن من بين أبرز الجنسيات يوجد السينغاليون بحوالي 27 في المائة، والسوريون ب18.4 في المائة، والنيجيريون ب8 في المائة. ويرى بلكندوز أن نتائج التسوية تبقى ضعيفة نسبيا لاعتبارات ربما ترتبط بالتواصل، أو لكون الكثير منهم كان هدفهم هو الوصول إلى أوربا، بغض النظر عن التسهيلات التي قدمها المغرب، إضافة إلى احتمال آخر يهم تشدد المعايير المعتمدة في عملية التسوية. وسجل أن ما هو مطلوب أيضا هو تأهيل الترسانة القانونية لمواكبة السياسة الجديدة في مجال الهجرة، ومنها إعادة النظر في القانون المتعلق بدخول وإقامة الأجانب، ووضع قانون يحدد مسطرة وطنية فيما يخص طالبي اللجوء، وأيضا قانون محاربة الاتجار في البشر، حيث أكد أن هذه القوانين تعرف تأخرا ولم تصل إلى البرلمان. وفي المقابل، أكد على أهمية وضع الحكومة لاستراتيجية وطنية لإدماج الأجانب. بيد أن تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين غير النظاميين ليست، حسب بلكندوز، هدفا في حدث ذاتها، بل وسيلة لتحقيق الاندماج. هذا الاندماج الذي يجب أن يتبلور على عدة مستويات، منها الجانب الاقتصادي، وتوفير العمل اللائق، والاجتماعي، من خلال السكن والصحة، وأيضا الجانب التربوي الذي يهم تمدرس الأطفال، وأيضا على الصعيد الثقافي. ومن جهتها، أكدت أمينة بوعياش، الكاتبة العامة للفيدرالية العامة لحقوق الإنسان، أن عمليات التسوية تشكل قرار سياسيا مهما، إضافة إلى أن البرنامج الذي أعدته الوزارة يهم جميع المهاجرين، سواء الذين تمت تسوية وضعيتهم أو الذين لم تتم تسويتها أو الذين رفضت طلباتهم، حيث سجلت أن الهدف الاستراتيجي هو منح الأشخاص الموجودين فوق التراب الوطني فرصة لتكوين حياة كريمة. وأوضحت الناشطة الحقوقية أن «هؤلاء المهاجرين لا يستفيدون من كل الحقوق، مادام أن المغاربة أيضا لازالوا يناضلون من أجلها، لكن خطوة التسوية القانونية تبقى أساسية للمطالبة والتمتع بهذه الحقوق». وأضافت أن «ما جرى أخيرا في البحر المتوسط يطرح السؤال حول التعاقد السياسي الإقليمي بين الاتحاد الأوربي والبلدان المجاورة بما فيها المغرب كبوابة على البحر الأبيض المتوسط، إذ أن الاتحاد الأوربي يحضر عددا من القرارات بخصوص المراقبة». وأشارت إلى أن هذه القرارات تطرح السؤال حول تداعياته من حيث ضمان حقوق المهاجرين في الضفة الشمالية، وأيضا في جنوب المتوسط. وأضافت «أن هناك مخاوف من الإجراءات التي سيتم تفعيلها، خاصة أن الاتحاد الأوربي سيقوم بتشديد المراقبة». عوض أن يلقي المغرب بالمهاجرين غير النظاميين على الحدود، فقد اختار أن يمنح الأمل لعشرات الآلاف من الأشخاص الفارين من جحيم أوضاع اقتصادية وسياسية قاسية. وضع استوجب وضع استراتيجية لتيسير وإنجاح الاندماج الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والتربوي للمهاجرين وأسرهم، الذين قرروا الاستقرار فوق التراب المغربي.
لطفي: «المغرب يدفع كلفة مادية واجتماعية باهظة في ملف الهجرة» مصطفى الحجري حكمت لعنة الجغرافيا على المغرب بأن يغرق في قلب دوامة الهجرة، ليتحول في ظرف عقد من الزمن من بلد مصدر إلى بلد مستقبل، يعاني من تدفق آلاف المهاجرين ممن كانوا يحلمون بالعبور نحو الضفة الأخرى، قبل أن يتخلى عدد مهم منهم عن هذا الحلم، ويحاولوا التأسيس لحياة جديدة بالمغرب. هذا التحول تم بشكل سريع تزامنا مع شروع أوروبا في إغلاق أبوابها بإحكام أمام تدفق المهاجرين غير الشرعيين، في إطار مهمة أوكلت لإسبانيا التي عرفت كيف تفرض شروطها على الاتحاد الأوروبي، لتنهل من مساعدات سخية، قبل أن يجد المغرب نفسه مجبرا على تولي هذه المهمة، لكن وفق واقع مغاير جعله يتحمل فاتورة ثقيلة، سواء من الناحية الحقوقية أو الأمنية أو الاجتماعية. علي لطفي رئيس المنظمة الديمقراطية للشغل التي أحدث نقابة للمهاجرين، قال إن أوروبا أوصدت أبوابها في وجه المهاجرين بضغط من المد اليميني لتعمد إلى تشديد الإجراءات، بما فيها المتعلقة بطلب اللجوء، ما جعل المغرب يواجه لوحده هذا الوضع المقلق، ويتحمل جزءا من تبعات الأوضاع التي تعيشها عدد من الدول الإفريقية، خاصة منها دول الساحل، من حروب وهشاشة أمنية مع ما رافق ذلك من تزايد مهول في عدد النازحين والمهاجرين. وأشار لطفي إلى أن المنفذ الرئيسي للمهاجرين من هذه الدول يتمثل في موريتانيا وبالأخص الجزائر حيث يقطعون آلاف الكيلومترات، ومن أصل 100 مهاجر يتعرض 40 منهم لحوادث بعضها يكون مميتا، وبعد وصولهم تقوم الجزائر في إطار صراعها مع المغرب بنقلهم إلى الحدود تمهيدا لولوجهم للتراب المغربي. وقال لطفي إن المغرب وفي ظل هذا الوضع، يتحمل كلفة مادية باهظة بحكم ضرورة توفير الخدمات الاجتماعية، ولو في حدها الأدنى لآلاف المهاجرين، علما أنه يعاني أصلا من هشاشة اقتصادية واجتماعية ليصبح ملزما بتوفير الشغل والسكن والتطبيب وعدد من المستلزمات للمهاجرين، بعد أن أخذ على عاتقه تسوية الوضعية لكل الموجودين بالمغرب وفق شروط معينة. لطفي اعتبر أن المغرب وفي ظل الظروف الاقتصادية الحالية لن تكون له القدرة على مواجهة هذه الوضعية، خاصة فيما يتعلق بالمراقبة التي تتطلب جهدا أمنيا وكلفة باهظة، بعد أن أصبح المجهود الأمني موجها نحو الحدود للتصدي لظاهرة الهجرة، خاصة على مستوى سبتة ومليلية المحتلتين. وعلاقة بما أورده عدد من المتتبعين من كون أوروبا تخلت عن المغرب في مواجهة الظاهرة، قال لطفي إن الاتحاد الأوربي تعامل مع المغرب بأنانية، وانتهازية مفضوحة، بعد أن اكتفت الدول الأوربية بتقديم مبلغ هزيل لتدبير الهجرة بشكل يمنع تدفق النازحين والمهاجرين نحوها، وتعامت عن الأعراض الجانبية التي سيتحملها المغرب، والتي قد يكون بعضها مكلفا، سواء من الناحية المادية أو الاجتماعية والحقوقية. وقال لطفي إن هذه المبالغ لا تكفي حتى لسداد أجور المكلفين بالحراسة، وبالتالي فإن المغرب لا يجب أن يركن لدور الدركي لحدود القارة العجوز، وهو الدور الذي تحاول أوروبا إلصاقه به، دون أن تكلف نفسها عناء المساعدة في تدبير ملف الهجرة بشكل اجتماعي وإنساني يمكن من إدماج المهاجرين. ورغم أن موضوع الهجرة أصبح ورقة في يد عدد من الأحزاب والسياسيين في أوروبا وهو ما يفسر استعماله في الحملات الانتخابية بشكل قد يرجح الكفة بين اليسار واليمين، فان هذا الموقف يتناقض مع الطريقة غير الموضوعية التي يتعامل بها الاتحاد الأوربي وعدد من الدول الأوربية مع مشاكل دول الجنوب مع الهجرة وخاصة منها المغرب. هذا الإشكال تم طرحه في اجتماع عقد بجنيف بحضور الوزارة المكلفة بالهجرة والمنظمة الديمقراطية للشغل بعد التشديد على ضرورة أن تقوم أوروبا بمساعدة المغرب، من أجل تدبير إنساني واجتماعي للهجرة وفق ما جاء في التعليمات الملكية، ليتخلص المغرب من ثقل الهاجس الأمني الذي جعله في وقت معين يكتفي بدور الدركي الذي يقوم فقط بترحيل المهاجرين نحو الحدود. إلى ذلك، فان سؤال الكلفة المادية لا يجب أن يغيب تحديا آخر أكثر أهمية وحساسية ويتعلق بغياب الأرضية المجتمعية التي من شأنها المساعدة في تنزيل السياسة الجديدة التي أعلنها المغرب في مجال الهجرة، وهي المسؤولية التي قال علي لطفي إن الحكومة المغربية تتحمل وزرها بحكم أنها لا تملك نظرة بعيدة المدى في هذا المجال. وأشار لطفي إلى وجود تعامل موسمي مع ملف الهجرة مرتبط بتعليمات ملكية، في استمرار لسياسة «الحيحة» التي يقوم بها المسؤولون المغاربة عقب كل تعليمات قبل أن يتم تجميد الموضوع لاحقا، وقال «إلى حدود الآن، لازلنا على مستوى الشعارات والاستراتيجيات، ومحصورين في الجانب النظري، لكن على المستوى العملي المرتبط بكيفية التدبير الإداري والاجتماعي والسياسين الذي من شأنه أن يؤدي لإدماج المهاجرين بشكل تام، فلا زلنا بعيدين كل البعد عن سياسة حقيقية لتدبير ملف الهجرة».