كان يا مكان في قديم الزمان، في الجزيرة العجيبة الغريبة الأعجوبة المعزولة، شعب عجيب ينتج نخبا من صميمه، و ما إن يوصلها إلى القيادة و السلطة، حتى تغّير فتدبر، و تتحول إلى "عفريتة تمساحة"، ثم تكشّر على أنيابها ليصبح الشعب منتجها، ضحيتها و فريستها المفضلة. مرت العقود تلوى العقود على الشعب المظلوم منتج النخب العاقّة للمجتمع و الشعب، و تناوب الوزراء الأولون على السلطة دون جديد يذكر. نفس الوعود الكاذبة، و نفس الوجوه غير الصادقة، و نفس "العفاريت"...، و نفس "التماسيح"...، و لم تنفع مقاطعة الشعب للصناديق التي كانت تملأ في كل الأحوال عن آخرها، و ذلك لأن المطابع كانت تنتج الأوراق الملونة بغزارة و تطلقها في الهواء، فتذهب بها الرياح العجيبة الغريبة الساحرة لتسقطها مباشرة في الصناديق الزجاجية الشفافة لتنتصر "الديمقراطية" في كل مناسبة انتخابية... و في يوم من الأيام، بلغت الأزمة السياسية أوجها، و تلتها أزمة اقتصادية خانقة، فدعي الشعب لزيارة الصناديق مجددا بعد مقاطعة طال أمدها، و لم تستدع الرياح العجيبة الغريبة المتلاعبة بالأوراق الانتخابية هذه المرة. ففرح الشعب و عبّر، فانتخب بطله الشهم المقدام رئيسا حكوميا. لم يخطئ الشعب الاختيار، فلقد كان الرئيس الحكومي الجديد يتمتع بأخلاق طيبة و بسمعة جيدة، كما أنه كان لا يملك من متاع الدنيا إلا القليل، و يحرص على اقتناء الطماطم من الأسواق الشعبية، و لا يصاحب سوى أكلة الإسفنج و شاربي شربة الفول البلدي. فاطمأن الشعب و ارتاح، ثم انصرف جالسا قابعا متفرجا منتظرا ترجمة الوعود على أرض الواقع. كان الشعب يعلم أن المهمة التي أوكلها لبطله الشهم المقدام لن تكون سهلة، و لذلك ظل الشعب يساند رئيسه الحكومي الجديد رغم إخفاقاته الأولى. وأما الريع، فلا يمكن اجتثاثه لأنه بنيوي و قديم و متجذر... هكذا قال الرئيس الحكومي، فتفهم الشعب. وأما الرشوة، فلا يمكن استئصالها لأنها باتت تجري في المجتمع مجرى الدم في الشرايين... هكذا قال الرئيس الحكومي، فتفهم الشعب. وأما نهب المال العام، فلا يمكن إيقافه لأننا مضطرين للتحالف مع "الأحزاب الأخرى التي تمتهن نهب مال الشعب"، و ما استفادة "التمساح زعيم الحزب المعروف بالاستفادة من علاوات غير مستحقة" لدليل ساطع على ذلك... هكذا قال الرئيس الحكومي، فتفهم الشعب. وأما الإعلام العمومي، فلا يمكن إصلاحه لأن "عفريتة كبيرة" تعارض إصلاح الإعلام...هكذا قال الرئيس الحكومي، فتفهم الشعب. وأما "العفاريت و التماسيح"، فهي التي تمنعنا من محاربة الرشوة و نهب مال الشعب و اقتصاد الريع... هكذا قال الرئيس الحكومي، فتفهم الشعب. فهم الشعب الذي كان يصدق الرئيس الحكومي أن من المستحيل مقاومة الرشوة و نهب المال العام و اقتصاد الريع في البلد الحبيب، و لكن الشعب أصرّ على تعكير فرحة "العفاريت و التماسيح" و ذلك بالإبقاء على الرئيس الحكومي على رأس الحكومة، حتى يظل "العفاريت و التماسيح" منزعجين و متوترين و خائفين على الدوام، و حتى يظل الرئيس الحكومي يثأر للشعب المظلوم المنكوب المقهور المغبون، بحضوره و بتصريحاته القوية ضد "العفاريت و التماسيح". فلقد كان الشعب قد اقتنع بأن لا سبيل لمقاومة الرشوة و نهب المال العام و اقتصاد الريع، و لكنه ظل متشبثا بمقاومة الملل و الإحباط التام و ذلك بتتبع خرجات الرئيس الحكومي الذي كان يتجنّب الكذب و يقول كلمة حق كلما سنحت له الفرصة مما كان يرضي الشعب و يبقي على باب الأمل مفتوحا... و مرت الأيام، و مرت الشهور أيضا، فجاء يوم مشؤوم انسحب فيه حزب من حكومة الرئيس الحكومي الذي اضطر لتغييره بحزب آخر حتى لا تسقط حكومته. فكر الرئيس الحكومي مليا و طلب النجدة من أحزاب و أحزاب و لكنها كلها رفضت إنقاذ الحكومة من السقوط، و لم يبق سوى حزب "التمساح زعيم الحزب المعروف بالاستفادة من علاوات غير مستحقة" لم يطلب الرئيس الحكومي منه النجدة و ذلك لأنه كان قد أفرط في سبّه و شتمه و قدحه و فضحه. و لكن حبّ الكرسي الحكومي كان قد فعل فعلته في وجدان الرئيس الحكومي الذي أضحى بدوره لا يتخيل الحياة بدون أبّهة و سلطة خيالية. نسي الرئيس الحكومي المجتمع الذي أنتجه و الشعب الذي أوصله إلى كرسي الرئاسة الحكومية، و ترك كرامته وراءه و ذهب لملاقاة ذلك "الزعيم الحزبي صاحب العلاوات غير المستحقة" الذي قال فيه الرئيس الحكومي ما لم يقله مالك في الخمر. تودّد الرئيس الحكومي إلى عدوّ الأمس و تذلل أمامه وقال له: "أنقذني يا رجل و أعدك بإلغاء "العفاريت و التماسيح" من قاموسي اللغوي، أنقذني و اطلب ما شئت. أنقذني، إني لا أطيق مغادرة الكرسي الحكومي الخيالي الدافئ المريح، أرجوك، أرجوك، و أعدك بأن أكون لك عبدا خدوما في الخفاء. نظر "الزعيم الحزبي صاحب العلاوات غير المستحقة" إلى الرئيس الحكومي الذي بدا له صغيرا جدا بنظرة متعالية، و قال له: " الشرط أولا هو أن أكون الرئيس الفعلي لحكومتك في الخفاء. ثانيا، عليك، يا عبد، أن تبدع في المديح في شخصي الموقر على الملأ، و أن تبادر لإنكار كل ما قلته في حقي و أن تنسي الشعب في قضية العلاوات التي أخذتها بلا حق و لا قانون و كذلك في كل الأشياء الأخرى، و عليك أيضا أن تصرح أنني سياسي متحزب أشرف من كل السياسيين في البلد". و كذلك كان، و قد حدث... حيث انطلق الرئيس الحكومي في حملة لتبييض سمعة "الزعيم الحزبي صاحب العلاوات غير المستحقة"، كما أنكر بالمناسبة كل ما قاله من كلمة حق في ما مضى، ثم شكّل حكومة خيالية جديدة عرفت بحكومة "الأربعين ناقص واحد" تفاديا لتطابق شخصياتها الخيالية مع شخصيات رواية أدبية إبداعية خيالية محضة قديمة أسطورية كان عنوانها "علي بابا و الأربعون كذابا"، و باتت السبحة لا تفارق يده اليسرى، يلوّح بها كلما أطلق كذبة عظمى، حتى يمتنع النقاد الصادقون الطيبون عن انتقاد سياسته الكاذبة خوفا من إلحاق الضرر بما يقرّه الدستور في مقدمته كاتجاه نظري جميل للدولة. كان البلد الحبيب يستمد شرعية دولته من الإسلام منذ قرون عدة كثيرة، و كان النقاد الصادقون الطيبون قد وضعوا خطا أحمرا من تلقاء أنفسهم لانتقاداتهم الحكومية، بحيث كانوا يناصرون الرئيس الحكومي كيفما كان الحال حتى لا تتضرر سمعة البلد ذو التوجه الإسلامي بحكم مقدمة دستور محترم. فحضي الرئيس الحكومي بمساندة لم يسبق لها مثيلا في التاريخ من طرف النقاد الصادقين الطيبين بحكم إسلامية حزبه تفعيلا لواجب نصرة الأخوّة حسب توصيات الآباء و الأمهات، الأمهات، و الجنة تحت أقدامهن... ولكن جاء يوم قبيح صرّح فيه الرئيس الحكومي بأن لا علاقة له بتاتا، و لا لحزبه، بإسلامية الدولة إرضاء "للزعيم الحزبي صاحب العلاوات غير المستحقة" منقذ التجمع الحكومي في إطار حكومة "الأربعين ناقص واحد". تصريح تجاوز به الرئيس الحكومي الخط الأحمر متجاوزا حدوده و ملحقا الضرر بالبلد الحبيب و بدستوره الذي ارتضى للشعب الشرعية الإسلامية. تنكّر إذا الرئيس الحكومي لأخوّة النقاد الصادقين الطيبين الذين كانوا يحسبونه أخا لهم، فأعلنوا تحررهم من واجب نصرة من لا يرتضيهم إخوة له، فانطلقت سلسلة أدبية إبداعية مباركة بمشيئة الله من أجل تصحيح الأخطاء الأدبية الإبداعية الماضية في ما يشبه اعتذارا للشعب على كل ما صدر و نشر نصرة للرئيس الحكومي الذي تجاوز حدوده و بات يصرح بأنه ضد الشرعية الإسلامية، ملحقا ضررا خطيرا بالبلد الحبيب الذي يقرّ دستوره المحترم بإسلامية دولته. إنها السياسة. هكذا كان يقول الرئيس الحكومي كلما اقترف فظاعة من فظاعاته. فباسم السياسة تنكّر الرئيس الحكومي للشرفاء من كل الأطياف، كما سمح بالزج بمن استنكر و فضح "تبادل العلاوات غير المستحقة"، على حساب الشعب المسكين المغبون الضعيف الأعزل المنكوب المقهور، في غياهب متابعات قضائية عجيبة غريبة أعجوبة خطيرة. وباسم السياسة رفع شارة الأربعة أصابع و تنكّر لشريف، لم ير التاريخ مثيلا له في النزاهة، اختطف و زجّ به في سجن لا عنوان له معروف، و لم يسانده رغم الفرصة السانحة، بل لم يحاول حتى تلطيف الأجواء حتى لا يقتل الشريف الطاهر من جراء التهم الغليظة الظالمة... و باسم حب الشعب عفا الرئيس الحكومي على كبار المرتشين و الفاسدين، و كل "العفاريت و التماسيح"، و ضاعف سعر البنزين و ثمن علب السردين، و الأرز، و البطيخ الأسود، و الملح الأبيض، و السكر الأزرق و الأصفر، ثم نقض عهد توظيف معطلين و هو عهد مكتوب، على كل حال، لا يمكن نقضه. و باسم حب الوطن، الوطن...، جمّد الأجور و وضع حدا لترقية الموظفين، و كأن الموظفين لا يحبون الوطن، فوجبت معاقبتهم. فيا سلام على حب الوطن و على معايير حب الوطن... هكذا كان يا مكان في قديم الزمان، في الجزيرة العجيبة الغريبة الأعجوبة، التاريخ يكتب و يوثق في الرواية الأدبية الإبداعية الخيالية المحضة، و يحكى للصغار ليلا حتى يراودهم النوم، و كان دائما و في كل ليلة حكي له بقية في حلقة مقبلة صافية صادقة. و في يوم من الأيام، تذكر الناس الرئيس الحكومي و هو يلقي خطابا أمام الجماهير... يتبع لاحقا... فلقد نام الصبيان الصغار. و أما أنتم أيها القراء الشرفاء الأعزاء اليقظين المستيقظين، فلتعلموا، نصركم الله و حفظكم و رعاكم، أن الرواية الأدبية الإبداعية الخيالية المحضة مستمرة ما شاء لها الله أن تستمر، بحكاياتها، و خرافاتها، و منعرجاتها، و تحليلاتها حسب الوقائع المفترضة و الخيالية، كمساهمة ثقافية متواضعة أدبية إبداعية تنتقل بالذهن من الواقع الخيالي المر إلى الواقع الخيالي المحض. و شكرا لكم.