كان يا مكان في قديم الزمان، في الجزيرة العجيبة الغريبة الأعجوبة، شعب في مجمله رائع مسالم طيب، و حزب شجاع يعد بالعدالة و التنمية، و معارضة برلمانية منبوذة مهزومة، انتهى بها الانهزام في يوم من الأيام إلى تقديم استقالتها من داخل قبة البرلمان، و كان يوما مشهودا...، فقام رجل بسيط متواضع صادق و خطب في القوم كله بصوت عذب مسموع : " أيها الناس، هنيئا لكل الشرفاء، فلقد اعترفت أخيرا المعارضة البرلمانية بأنها لا تصلح لأي شيء و قدمت استقالتها. حسنا فعلت. لا أحد من الأحزاب الرسمية يستطيع معارضة الحزب الرسمي الذي يعد بالعدالة و التنمية الممنوع من الوفاء بوعديه من طرف العفاريت و التماسيح. بالطبع، لا يمكن لأحزاب قديمة..، أو لحزب جديد بوجوه جد قديمة..، معارضة فخامة السيد الرئيس الحكومي النظيف اليدين و صحبه النزهاء الأتقياء ذوو التربية الحسنة و الأخلاق الرفيعة، إنهم من المصلين، لا يدخنون و لا يشربون سوى من ما أحلّ الله، من ماء طهور و حليب طاهر و شاي نافع و لبن طيب و عصائر الفاكهة الطرية التي لا تحوم حولها الشكوك أبدا. خصال فخامة السيد الرئيس الحكومي و صحبه كانت قد ألجمت الأحزاب المعارضة منذ أول وهلة و هذا مفهوم..، أما الذي قسم ظهر كذلك أحزاب معارضة فهو، -بالإضافة إلى هذه الأخلاق الرفيعة التي يتمتع بها فخامة السيد الرئيس الحكومي و صحبه و التي يا ما استفزت الكثير من خصومهم...-، كون الرشوة لا تعرف طريقا إلى جيوب فخامة السيد الرئيس الحكومي و صحبه، و أما المال العام فهم يقدسونه و لا يقربونه أبدا إلا لخدمة الصالح العام فعلا و حقيقة، فكيف للشعب أن لا يرتاح للسيد الرئيس الحكومي و صحبه في الحزب الذي يعد بالعدالة و التنمية رغم تحامل، لأتفه الأسباب، صانعي بعض الأخبار التافهة، و كيف لا تكون تافهة و هي تغير لونها كحرباء لا مبادئ لها...؟ الشعب يرى، يتابع و يعلم أن أية حكومة لا يمكنها سوى أن تساير و تنفذ مخططات المخططين أصحاب البنوك العالمية لأن البلد الحبيب في ورطة مالية منذ الأزل، منذ أن كانت الحكومات المتعاقبة السابقة تقترض للتغطية على نهب مال الشعب بلا حسيب و لا رقيب. و الذي يثير الإعجاب هو أن الشعب يعلم أيضا أن حكومة فخامة السيد الرئيس الحكومي لا يمكنها إلا أن تلجأ للاقتراض بدورها هي أيضا لأنها ممنوعة من قبل العفاريت و التماسيح من استرجاع أموال الشعب المنهوبة... الشعب يعلم أن فخامة السيد الرئيس الحكومي يضع مصلحة البلد فوق كل اعتبار...الشعب يعلم أن فخامة السيد الرئيس الحكومي لن يستطيع تغير شيء يذكر حتى تغير العفاريت و التماسيح ما بأنفسها، فتتركه يعمل لينفذ ما وعد هو و صحبه من عدالة و تنمية مع القضاء على الرشوة و نهب مال الشعب." سمع الجمع كلام الرجل المتواضع الصادق، و ساد لوهلة سكوت رهيب وسط الجماهير الشعبية و الناس البسطاء عربونا على عمق خطاب الرجل المتواضع الصادق، ثم قاموا يكبرون و للسبابة يرفعون... و من جديد، سكتت الجماهير الشعبية لعل الرجل المتواضع الصادق يكمل الكلام. عمّ الصمت. صمت جماهير شعبية تعد بالملايين، صمت الشعب، و كأنه صمت احترام اللحظة التاريخية... ثم فجأة و دون سابق إنذار، انقسم الشعب إلى فريقين: الفريق الأول على اليمين يضم نصف الشعب الذي لا يدخن و لا يشرب الخمر، و الفريق الثاني على الشمال يضم نصف الشعب الذي يدخن و يشرب الخمر. اصطف الفريقان في صفوف متراصة و جها لوجه، و ضن البعض أنها لحظة المواجهة، و لكن عرف أنها لحظة المصارحة، و لم تكن استعدادا للمصارعة... فالبلد الحبيب بلد السلم و السلام و الحضارة و التحضر، كما أن شعب البلد الحبيب شعب الحوار و التعقل و حسن الجوار... قال الفريق الأول، فريق اليمين: " إننا لا نأبه للازمة الاقتصادية لأنها أزمة عالمية، كما أننا لا نأبه لحسابات الميزانية لأنها حسابات جانبية، لن تزيد و لن تنقص أبدا بالفعل الحكومي، بل بإرادة العفاريت و التماسيح المتحكمين في كل الدواليب، العفاريت و التماسيح الذين عفونا عنهم لعلهم يكفوا أياديهم على أموال الشعب المقهور و يعيدوا للشعب ما نهبوه، فنحن نساند فخامة السيد الرئيس الحكومي و صحبه في الحزب الذي يعد بالعدالة و التنمية. إنه رئيس حكومي منا و إلينا، يشبهنا و نشبهه، يتكلم لغتنا و يعرف أذواقنا، يعلم ما نعانيه و نعلم ما يعانيه، إنه يمثلنا أحسن تمثيل في الشكل و المضمون، فهو محطّ افتخارنا و اعتزازنا، كما أنه و صحبه لا يدخنون و لا يشربون الخمر و هذا يجلب لنا السعادة و الاطمئنان." و ردّ الفريق الثاني، فريق الشمال: " الرئيس الحكومي و أصحابه في الحزب الذي يعد بالعدالة و التنمية لا يدخنون و لا يشربون الخمر و لكنهم يعاملوننا برفق، فهم لا يجلدوننا و لا يحاصروننا و لا يضطهدوننا إلا من نصائح و دعاء صالح لنا بالهداية و العفو و المغفرة، كما أن الرئيس الحكومي و أصحابه لا يقربون الرشوة و المال العام و يحاولون جاهدين إيقاف نزيف التهريب و نهب خيرات البلد الحبيب، و لكن العفاريت و التماسيح الماسكين بكل الخيوط لا زالوا صامدين... الرئيس الحكومي و أصحابه لا يشبهوننا و لا نشبههم و لكنهم أفضل منا لأنهم لا يقربون الدخان و الخمر، فهم إذا قدوتنا و أبطالنا الذين لا يدخنون و لا يشربون الخمر، أملنا أن نشبههم يوما فنكف عن التدخين و شرب الخمر. الرئيس الحكومي و أصحابه في الحزب الذي يعد بالعدالة و التنمية أفضل منا و بالتالي فهم أهل لرئاسة الحكومة و لتدبير أمورنا، كما أننا نتقاسم معهم إرادة وضع حد للرشوة و المحسوبية و نهب المال العام حقا و حقيقة و ليس على طريقة المشوشين...، فالمساندة المساندة للرئيس الحكومي و أصحابه في الحزب الذي يعد بالعدالة و التنمية. اللهم ارحمنا و اغفر لنا و أعفو عنا و بلغنا رمضان و أجرنا عذاب القبر و أدخلنا الجنة بلا حساب و لا سابق عذاب." في هذه اللحظة الحاسمة بالذات، قام مجددا الرجل البسيط المتواضع الصادق فقال بصوت قوي مسموع لا مزعج : " أيها الناس، لا أنتم في اليمين، و لا أنتم في الشمال، أنتم كثلة واحدة قوية صادقة مطمئنة إن شاء الله، فلتكونوا عونا للإصلاح و الصلاح كل من موقعه في عمله و في مجال اختصاصه، و ليكن هدف جميعكم إنقاذ البلد الحبيب من التخلف و التدهور و التقهقر و التقعقع. أيها الناس، هذا وطنكم فارحموه." و كان للحديث بقية في الرواية الأدبية الإبداعية الخيالية المحضة، في الجزيرة العجيبة... يتبع إن شاء الله، و النصيحة أيها القراء الشرفاء الأعزاء أن لا تستعجلوا النهاية السعيدة، فكل شيء بأوانه...