تحوّل المهرجان التضامني مع الصحافي علي أنوزلا، والذي احتضنته قاعة المهدي بنبركة بالرباط، مساء الاثنين، إلى ما يشبه "ديوانا للمظالم"، بثّ من خلال منصّته المتدخّلون شكاوى من الاعتقالات التي تطال الصحافيين والمعتقلين السياسيين والإسلاميين وشباب حركة 20 فبراير. منصّة المهرجان، التي أضاءت جنباتها أربع شمعات، ترمز إلى "الحداد" على حريّة التعبير والرأي في المغرب، تناوب على إلقاء الكلمات ممثلو المنظمات والهيئات الحقوقية، وممثلان عن حزبين سياسيين هما النهج الديمقراطي وحزب الأمة المنحلّ، وممثل جماعة العدل والإحسان؛ وكانت أولى الكلمات، كلمة علي أنوزلا، التي ألقتها نيابة عنه، أخته ليلى. المهرجان عرف أيضا حضور زوجة القيادي في حزب الأصالة والمعاصرة، إلياس العماري، والذي أثيرت أخبار في الساحة الإعلامية حول تدخّله في ملف أنوزلا، بعد تولّي المحامي حسن السملالي لملفه، وانسحاب هيأة الدفاع التي كانت مشكّلة من أربعة محامين، على إثر ذلك، "تفاديا للتشويش على الملف"، حسب البيان الصادر عنهم، ولا يُعرف ما إن كان حضور زوجة العماري (يمين الصورة) تأكيدا ل"تدخّل" نائب الأمين العام لل"PAM" في قضية أنوزلا، أم بصفتها نائبة أولى لرئيس منظمة العفو الدولية "أمنستي"، فرع المغرب. أنوزلا: أنا صحافي ولست إرهابيا علي أنوزلا، الذي لم يحضر إلى قاعة المهدي بنبركة، وأنابَ عنه أخته لإلقاء كلمته الموجّهة إلى الحاضرين، بدأ كلمته بتحيّة حملت نسمات الحريّة والكرامة، إلى كل الذين ساندوه في محنته –التي لم تنته بعدُ- من هيئات ومنظمات حقوقية، وأبناء "المهنة الشرفاء"، وشباب حركة 20 فبراير التي وصفها ب"المجيدة"، إذ خاطب الجميع قائلا "كنتم الصوت القوي والهادر الذي حال دون أن تتمّ المتابعة في صمت". علي قال في رسالته إنه كان يتمنّى أن يحضر المهرجان التضامني الذي أقيم على شرف قضيّته، لكنني، يضيف، ما زلت في سراح مؤقت، "لذا أرجو أن تتفهّموا امتناعي عن الإدلاء بأي تصريح لأي جهة إعلامية أو مدنية أو سياسية، أثناء سريان التحقيق التفصيلي". أنوزلا، وعد من جاؤوا إلى المهرجان التضامنيّ معه بأنه سيظل صحافيا يدافع عن الحريات، وعن قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، مضيفا "أنا صحافي في الخط الأول للدفاع عن الحريّة وقضايا الديمقراطية، وأنا ضدّ الإرهاب ومشروع الإرهاب، لأنّ الصحافي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون جزءا من الإرهاب". وبعد أن أبدى تشبثه ببراءته من التهم المنسوبة إليه، تمنّى في ختام كلمته التي حظيت بتصفيق حار من لدن الجمهور الحاضر في القاعة، أن يغلب صوت الحكمة والعقل في التعامل مع قضيّته ويُغلق الملف". الرياضي: حققنا انتصارا على الاستبداد والظلم الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، خديجة الرياضي، اعتبرت تمتيع الصحافي علي أنوزلا بالسراح المؤقت "انتصارا على الاستبداد والظلم الذي يطال الصحافيين"، مستدركة أنّ "النصر الذي تحقق انتصارٌ ناقص، طالما لم تسقط التهم كلها بعدُ عن علي، وتتوقّف المتابعة". الرياضي قالت إنّ تمتيع علي بالسراح المؤقت لا يعني نهاية المعركة، "بل يجب أن تستمرّ اليقظة والتعبئة في المراحل القادمة من التحقيق، إلى أن يسترجع حرّيته كاملة"، مندّدة بتصريحات بعض المسؤولين الحكوميين، والتي وصفتها ب"التصريحات اللا مسؤولة"، وكذا بعض المنابر الإعلامية "التي أدانت أنوزلا قبل أن تدينه المحكمة". الحمداوي: الاستبداد بدأ ينكسر جماعة العدل والإحسان، كانت حاضرة في المهرجان التضامني مع أنوزلا، من خلال عضو مكتب دائرتها السياسية، محمد الحمداوي؛ الأخير دعا إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين والإسلاميين القابعين في سجون المملكة، وذهب أبعد من ذلك حينما طالب بفتح "ملف شهداء ما بعد الاستقلال". الحمداوي قال إنّ هناك شهداء سقطوا إبّان مرحلة الاستعمار، "وهؤلاء سقطوا في مواجهة المستعمِر، أثناء معركة تحرير الوطن، وهناك شهداء ما بعد الاستقلال لم يتحدّث عنهم أحد"، وأعطى مثالا بالمهدي بنبركة، "الذي لا يزال ملفه غامضا، لأنّ الاستبداد ما يزال قائما"، على حدّ تعبيره. غير أنّ عضو الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان استدرك أنّ "الاستبداد القائم انكسر أمام صمود الهيئات الوطنية والقوى المناهضة للاستبداد"، وأضاف "الاستبداد يستمدّ قوته من ضعف المجتمع، وضعف التنسيق بين قواه الحيّة، وإذا تعاضدت هذه القوى فسوف تأتي على هذا الاستبداد". وقسّم الحمداوي الأبعاد التي من شأنها أن تؤدّي إلى "كسر طوق الاستبداد" إلى أربع، وتتجلى، بحسبه، في قوّة الهيئات الوطنية، وقوّة الشخصيات الحرة التي لها كلمة مسموعة، وقوة التحام المطالبين بالحرية وإسقاط الاستبداد، وإبراز الحقيقة للرأي العامّ الوطني والدولي، قائلا "إذا اجتمعت هذه الأبعاد الأربعة سنتمكن من كسر هذا القمع والاستبداد". بزيز: كلنا في سراح مؤقت وعلى الرغم من أنّ منصة مهرجان التضامن مع أنوزلا، اتّشحت بحزن شمعات أربع، إلا أن السخرية من الواقع كانت حاضرة، على لسان الفنان الساخر أحمد السنوسي، المعروف ب"بزيز"؛ هذا الأخير قال إنّ المغاربة أجمعين يوجدون في حالة سراح مؤقت، "طالما أنّ كل من يناضل ضدّ السلطة لديه تهمة يحتفظون له بها في الثلاجة، وعندما يحين دوره كايسخّنوها وكايلصّقوها ليه". بزيز قال إنّ محنة الصحافة في المغرب ليست بالشيء الجديد، ولا حادثة سير، بل هي القاعدة الأصلية، مضيفا "نحن في بلد المنع والقمع، وما حدث لأنوزلا هو رسالة إلى كل الصحافيين مفادها أننا غير ضحكنا معاكم فهاداك الدستور المعدّل". وسخر بزيز من تسمية وزارة العدل والحريات قائلا "إنّ صفة وزير العدل والحريات يعتبر انتحالا خطيرا للصفة يجب أن يحاسب عليه الوزير، ما دام أنه لا توجد لدينا عدالة ولا حريات، وهذا يشبه تنصيب وزارة نفط في دولة لا نفط فيها"، وأضاف "عجبوني عندما سحبوا كلمة الحريات من اسم الوزارة، وكان ذلك تصحيحا لخطأ فادح، لكن للأسف صحّحوا الخطأ مرة أخرى بخطأ آخر عندما أعادوا كلمة "الحريات" إلى اسم الوزارة". بزيز الذي شارك في مهرجان التضامن مع أنوزلا، رفقة فنان "الرّاب" معاد الحاقد، قال في ختام كلمته إنّه قرّر، رفقة بعض الفنانين المدافعين عن الديمقراطية، الذهاب إلى النهاية، "ضدّ هذه السلطة، لمؤازرة شعبنا"، مضيفا "أنّ الذين يمارسون الإرهاب الفكريّ هم الذين يمارسون الإرهاب الحقيقي، وليس الصحافيين".