وفق وثائق تعود إلى زمن الحرب الباردة، كتبت جريدة "غارديان" البريطانية أن القيادي اليساري المعارض المهدي بنبركة، الذي اغتيل في سنة 1965، "كان جاسوسا". وذكرت "غارديان" أن وثائق تشيكوسلوفاكية من فترة الحرب الباردة تسائل "استقلالية" بنبركة، وكونه كان جاسوسا، ولم يكن قريبا فقط من الأجهزة السرية التشيكوسلوفاكية، بل حصل على تمويلات معتبرة منها، ماديا ونوعيا. وتعود الوسيلة الإعلامية في فقرات لاحقة لتسجل على يد الباحث الذي درس هذه الوثائق أن "بنبركة لم يقر يوما بأنه كان يتعاون مع المخابرات التشيكوسلوفاكية، وهذا الجهاز لم يضع اسمه يوما كعميل، بل فقط كمصدر سري، ولكنه كان يوفر معلومات، وكان يتقاضى مقابلا". ووفق جان كورا، أستاذ مساعد بجامعة "شارلز" ببراغ، فإن "بنبركة الذي يقدم عادة بوصفه مناهضا للمصالح الاستعمارية لصالح العالم الثالث، تظهر الوثائق صورة مختلفة كثيرا عنه: رجل يلعب مع أطراف متعددة، ويعرف الكثير، ويعرف أيضا أن المعلومات ثمينة جدا خلال الحرب الباردة، وباحث عن الفرص كان يلعب لعبة خطيرة جدا". وذكرت "غارديان" أن هذه الاكتشافات ستكون مثيرة للجدل؛ لأن بنبركة "لا يزال بطلا في أعين الكثيرين في اليسار، وتنفي عائلته أي اتهامات بكونه كان ضالعا في التجسس أو كانت لديه أي ارتباطات قريبة بأي دولة". ووفق الأستاذ نفسه فإن علاقة بنبركة ب"الأمن القومي التشيكوسلوفاكي"، المعروف اختصارا بتسمية "StB، بدأت في الستينيات من القرن العشرين عندما التقى أعلى جواسيسهم مرتبة في باريس، بعدما فرّ من المغرب في نهاية حكم الملك محمد الخامس. وأضاف الأستاذ الجامعي أن جواسيس براغ كانوا يأملون أن يستقوا من هذا القيادي اليساري البارز معلومات ليس فقط عن التطورات السياسية بالمغرب، بل أيضا عن طريقة تفكير القادة العرب مثل الرئيس المصري جمال عبد الناصر. وسجلت الوثائق ذاتها أن بنبركة كان بارزا في "الحركة المناهضة للإمبريالية بإفريقيا والدول الآسيوية"، وهي لائحة تضم أيضا "مالكوم إكس وتشي غيفارا ونيلسون مانديلا". وسجلت الوثائق أن المناضل المغربي المهدي بنبركة كان "مصدرا فائق الأهمية فيما يتعلق بنوعية معلوماته"، وأُعطِي له لقب خاص في الأرشيفات هو "الشيخ". كما ذكرت "غارديان" أنه بحلول شتنبر 1961 كان بنبركة قد حصل على 1000 فرنك فرنسي من المخابرات التشيكوسلوفاكية مقابل تقارير عن المغرب، ثم وفرت له رحلة مدفوعة التكاليف إلى جنوب إفريقيا لجمع معلومات حول الأنشطة الأمريكية بغينيا الاستوائية، وهي عملية "اعتبرت ناجحة". وبعد فترة قليلة، بدأ شك التشيكوسلوفاكيين، وفق المصدر نفسه، بأن لبنبركة علاقات مع فاعلين آخرين في الحرب الباردة، حيث سجلت إحدى الوثائق أنه التقى في فبراير 1962 بنقابي أمريكي في باريس، وحصل على شيك بالدولار الأمريكي، كما استقبل الجهاز المخابراتي تقارير تدعي وجود اتصال لبنبركة مع أمريكا، لكن العلاقة استمرت رغم ذلك، ودعي بنبركة إلى براغ، حيث اتفق على التأثير في السياسة وفي قياديين أفارقة مقابل ما قيمته الآن 1500 باوند سنويا. ويواصل المقال أن بنبركة أرسل إلى العراق لاستقاء معلومات عن انقلاب فبراير 1963، وحصل مقابل ذلك على ما قيمته 250 باوندا، وفق الوثائق. وفي الجزائر التقى مرارا بأحمد بنبلة، الرئيس الجزائري، ونقل معلومات عن الوضع في الدولة حديثة العهد بالاستقلال. وفي القاهرة طلب من بنبركة، وفق المصدر، جمع معلومات عن مسؤولين مصريين رفيعي المستوى لمساعدة المفاوضات السوفييتية خلال زيارة حاكم الاتحاد السوفييتي نيكيتا خروتشوف، وهي معلومات وصفت ب"ذات الأهمية العالية"، وكمكافأة لخدماته تلقى دعوة لقضاء عطلة بتشيكوسلوفاكيا مع أطفاله الأربعة. ويورد المقال اقتباسا للبشير بنبركة، نجل القيادي اليساري الراحل، يقول فيه إن علاقات أبيه مع دول اشتراكية ودول أخرى كانت منتظرة من أي شخص كان مرتبطا بعمق مع النضال العالمي ضد الإمبريالية والاستغلال الاستعماري آنذاك، مضيفا أن الوثائق التي درست من طرف الباحث كورا "أنتجت من طرف مخابرات، وقد تكون معدلة أو غير مكتملة".