أصدرت محكمة سلا المختصة في قضايا الإرهاب بالمغرب أحكاما تراوحت بين البراءة والسجن لمدة 30 عاما في حق عناصر خلية عبد الفتاح الرايدي. "" وتتهم الخلية -التي تضم 52 عضوا ضمنهم امرأة- بالوقوف وراء تفجيرات الدارالبيضاء ربيع العام 2007. أحكام غير معهودة وكانت العقوبة الأكبر والتي بلغت ثلاثين عاما سجنا من نصيب عبد الكريم آيت أوكرض زعيم الخلية التي توصف بالإرهابية، فيما برئت ساحة أربعة أشخاص وحُكم بالغرامة على آخر، وشفع للمرأة الوحيدة ضمن الخلية رضيعُها الذي اصطحبته إلى قاعة المحكمة، وهو ما متعها بظروف التخفيف والحكم عليها بسنتين سجنا مع وقف التنفيذ. وجاءت الأحكام على غير رغبة الإدعاء العام الذي طالب بالعقوبة مدى الحياة للمتهمين الرئيسيين بحكم طبيعة التهم وضمنها تنفيذ عمليات انتحارية وحيازة متفجرات ومواد كيماوية لضرب مواقع استراتيجية. وقد وصف الدفاع الأحكام الصادرة بالعادلة بالنسبة للمتهمين الرئيسيين لكن محمد بنصحراوي عن هيئة الدفاع قال للبي بي سي إنه كان يتمنى أن تراعي هيئة الحكم غياب أدلة الإثبات وعدم اقتراف أي جرم بالنسبة لكثير من المتهمين وبالتالي الحكم ببرائتهم. وتعود القضية إلى ربيع سنة 2007 حين فجر عبد الفتاح الرايدي نفسه بحزام ناسف داخل مقهى للإنترنيت. واثمرت الملاحقات الأمنية لأفراد الخلية اعتقال عناصر كانت تتجول بأحزمة ناسفة ومداهمة منازل مشتبهين آخرين استخدمت كمخازن لمواد كيماوية متفجرة وأخرى سامة كانت على وشك الإستعمال لضرب ميناء الدارالبيضاء ومقرات أمنية. القضاء والتعاطي الجديد وتعطي الأحكام الصادرة في حق خلية عبد الفتاح الرايدي، الإنطباع بتحول على مستوى تعاطي القضاء المغربي مع قضايا الإرهاب. وقال عبد الرحيم منار السليمي الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية للبي بي سي: إن هذه المحاكمة تكشف عن تحول في تعامل القضاء مع ملفات الإرهاب، تحول على مستوى درجة العقوبة المساوية لدرجة الفعل داخل التنظيم وتحول ثاني يتمثل في تفادي عقوبة السجن مدى الحياة اعتبارا للمشاكل التي طرحتها داخل السجون من احتجاجات ومحاولات انتحار وعمليات فرار. ويبدو أن انتقادات الحقوقيين المغاربة التي دعت مرارا إلى تمتيع المتهمين في قضايا الإرهاب بضمانات المحاكمة العادلة قد أدت بالقضاء إلى الدراسة المستفيضة لملف كل متهم في قضايا الإرهاب قبل إصدار الأحكام، خصوصا وأن أصواتا ارتفعت من داخل السجون ترجمت بإضرابات عن الطعام واحتجاجات داخل السجون وأخرى لعائلات المعتقلين خارج السجون مطالبة بالإفراج عن ذويها. وقد أطلق المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان في المغرب مؤخرا مبادرة لإستفادة مئات المعتقلين على خلفية قضايا الإرهاب من عفو ملكي شريطة تعهدهم كتابيا بنبذ كل أشكال العنف والتطرف وإعلان برائتهم من تكفير المجتمع والنظام وتأكيد مظلوميتهم. وتهدف المبادرة إلى إيجاد وسيلة لطي ملفات من يدفعون ببرائتهم من التهم التي أدينوا من أجلها، وتصحيح بعض الأخطاء القضائية بشكل يحفظ هيبة الدولة التي اعترف هرم السلطة فيها بوجود خروقات قانونية اعترت بعض المحاكمات في قضايا الإرهاب، محاكمات أدانت أكثر من ألف وخمسمائة متهم وخلايا أخرى رهن الإعتقال في انتظار المحاكمة. طي ملف وفتح آخر وما أن انتهى القضاء المغربي من خلية عبد الفتاح الرايدي حتى استهل في نفس اليوم النظر في خلية عبد القادر بلعيرج التي توصف بالإرهابية، خلية يتابع فيها 33 متهما قيد الإعتقال بتهم خطيرة بدءا بتكوين خلية وصفت بالإرهابية ومرورا بتهريب السلاح ووصولا إلى إغتيال شخصيات يهودية بلجيكية، وهي التهم التي شكك فيها الدفاع وقال إن الأسلحة المصادرة من المجموعة في المغرب كانت في طريقها إلى جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر. لكن مسلسل الوئام والمصالحة - الذي اقترحه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والذي تخلت الجبهة بموجبه عن الخيار المسلح- اضطر مهربيها إلى الإحتفاظ بها في المغرب وطمرها في ضيعة شمال البلاد منذ بداية تسعينيات القرن الماضي وأكد الدفاع أن الأسلحة لم تكن موجهة لزعزعة استقرار المغرب. لكن التحقيقات الأمنية خلصت إلى أن الزعيم المفترض للخلية كان على علاقة بتنظيم القاعدة وتنظيمات اسلامية متطرفة وأنه أدخل اسلحة للمغرب لتنفيذ عمليات وصفت بالإرهابية تستهدف ضرب مواقع استراتيجية واغتيال شخصيات سياسية والسعي لزعزعة الإستقرار مع اعتماد أسلوب التمويه السياسي كتكتيك للتغطية على العمل المسلح، وذلك ما يفسر -حسب الرواية الرسمية- تورط زعيمي حزبين إسلاميين وناشط يساري وعضو في حزب العدالة والتنمية ومراسل قناة المنار في المغرب ضمن خلية عبد القادر بلعيرج. "ملف مطبوخ" وأمام محكمة سلا التي تنظر في قضية خلية بلعيرج نظمت لجنة التضامن مع المعتقلين السياسيين مظاهرة طالبت بتوفير شروط المحاكمة العادلة، وقالت عائلات المعتقلين الستة الذين شاركوا في المظاهرة إن الغرض من إقحام ذويهم في قضية بلعيرج هو تصفية حسابات سياسية وضرب رموز سياسية إسلامية مشهود لها بالاعتدال. وقال أحمد ويحمان عن لجنة دعم المعتقلين السياسيين الستة إن الملف مطبوخ وانتقذ تدخل الحكومة لتوجيه القضاء من خلال حكمها المسبق بتورط المعتقلين السياسيين، وأكد ويحمان للبي بي سي أن كل الجمعيات الحقوقية مقتنعة ببرائتهم.