كثيرا ما يطلق " عاطل" على كل من ليس له عمل يقوم به بصيغة حرة أو في إطار تعاقد أو وظيفة ، وكلمة " عاطل " هذه توحي وكأن الشخص هو في عطالة من ذات نفسه .أي أنه يرفض العمل تحت مبررات موضوعية أو ذاتية . بينما الحقيقة هي أن كل من لا يمارس عملا يمكن وصفه " بالمعطل" بضم الميم وفتح الطاء ،عطله غيره.وهو فعلا معطل –كالآلة الصالحة للاستعمال- لأنه لا يوجد إنسان سليم يرفض العمل إلا إذ كان يعاني من مرض في الغالب نفسيا أو عضويا. "" معظم شباب الدول الفقيرة معطلون ، وليس عاطلون ، لأنهم لا يجدون حاضنا يستفيد من قدراتهم ويستفيدون هم من إمكاناته المالية. معظم الشركات في الدول الفقيرة لا تشغل على أساس الاستحقاق وإنما على أساس الزبونية والتبعية الأسروية والاجتماعية .حتى التوظيف لا يسلم من تدخلات الوسطاء . نظرية – الشخص المناسب في المكان المناسب – أمل لا يزال الكثيرون يحلمون بتحقيقه يوما داخل مجتمعاتهم . ماهو مسجل اليوم ، هو أن طلبات العمل لا تعالج بالشفافية والمصداقية والأمانة الممكنة ، ولكن اتباعا لحسابات وتصورات ورغبات القائمين على مجال العمل . هم وحدهم القادرون على خلق فرص الشغل لمن يريدون ، وحسب المعايير التي تمكن الشرائح المقصودة من زبائنهم من إحراز فرصة عمل . كم من مستحق هو خلف الأبواب الموصدة ، وكم من هو لا يستحق يقرر ويدبر في ملفات سميكة بلا كفايات مطلوبة . وهو الشيء الذي يفسر أحيانا هذا التخبط والعشوائية والفساد والانحراف وسوء المردودية ، وغياب الجودة الذي يطبع منتجات وأعمال ومشاريع لم يكتب لها النجاح التام على غرار ما يجري في الدول الصناعية التي تحترم نفسها . لا يمكن بأية حال مقارنة منتوج ألماني أويباني بمنتوج من منتجات العالم المتخلف –بغياب سياسات وطنية صارمة -الذي يدور في فلك الدول المتقدمة . إن الدول المتقدمة تعطي القيمة اللازمة للإنسان ،الذي بدوره يتفانى في عمله ليعطي منتوجا ذا قيمة في السوق .وبهذه الدول دائما ، من الصعوبة لقاء فرد معطل ، أي متروك بلا عناية وبلا تتبع اجتماعيين . فالعامل الذي لم يجد عملا ، او الذي استغني عن خذماته تحت طائل أو حجة ما ، هو " معطل" ومن تم يصرف له تعويضا إلى أن تتاح له فرصة العمل عن طريق مكتب التشغيل أين يجب تسجيل اسمه بعد فقدان فرصة العمل .وإلا لن تصرف له الإعانة الإجتماعية . والمتتبع الملاحظ للذين يتمتعون " بتعويضات العطالة" –الشوماج- لو رأيتهم لحسبتهم موظفين ساميين خاصة النساء . ولم لا ، الراحة والتعويض عن الراحة ،إضافة لظروف عمل واقعية لن يزيد المرء إلا جمالا وبهاء . من أجل ذلك وجوه الغربيين تختلف اختلافا كثيرا عن وجوه أصحاب الضفة الجنوبية ، اقريقيا كمثال ، حيث الوجوه الشاحبة ،فقليلا جدا ما تصادف من خذه مورد من الرجال والنساء " قلة الشي ترشي وتقصر من العمر" والغريب هو أن تقرأ أو تسمع عن معطلين جدد في هذا البلد أو ذاك، في صحيفة الاوبزفيفر ، يتكلمون عن مليوني معطل بانجلترا ، وعن مايقارب 40000 معطل جديد بفرنسا ، مرورا بالمانيا وغيرها من الدول الغربية خصوصا بعد الأزمة المالية العالمية. رغم هذه الأعداد الكبيرة والتي ستضاف طبعا لأعداد المعطلين الآخرين ، فإن الدولة تسهر على صرف " تعويضات " شهرية لكل من فقد عمله دون رغبته وحتى لا يعد من العاطلين بعد رفضه عملا يجده له مكتب التشغيل بعد تسجيل الاسم طبعا. في دول الجنوب لا يمكننا الحديث عن عاطلين ، أي أناس يرفضون العمل المقدم لهم ، ولكن كذلك عن معطلين بسبب خارج عن إرادتهم ، فدول الجنوب لا تتوفر على مكاتب تشغيل مستقلة أو تابعة للدولة حتى، هي في علاقة وثيقة بالمؤسسات الصناعية الخاصة والعمومية ، لها جردها وإحصائياتها لكل مناصب الشغل القارة والممكنة ، وفي علاقة وتواصل مع المعطلين كي تزودهم بكل جديد وبكامل الشفافية والصراحة والأمانة . وحتى إن كانت مثل هذه المكاتب موجدودة فلن تخرج عن المتعارف عليه من الزبونية والرشوة والمحسوبية ، لكي تتاح فرصة العمل كدائما لغير مستحقيها . والحالة هذه ، فمن الصعب الكلام عن صرف تعويضات للمعطلين وكما هو الشأن في الدول الصناعية الديموقراطية ، مع العلم أن كل عامل يعمل في أي قطاع ،هناك نسبة مالية تخصم من أجرته قد تصل إلى 40في المائة . والسؤال لماذا لا تصرف هذه الأموال للمعطلين كإعانات لهم ، تفتح باب الأمل أمامهم ، وكنوع من التكافل بين من يشتغل وبين من ليس له عمل . لو خصمنا 10في المئة من أجرة كل عامل أو موظف عادي او سامي لتمكننا من إنقاذ ماء وجه العديد من المعطلين والذين هم محتاجون لدرهم واحد . بطبيعة الحال هذه الإعانات لن تصرف لأي كان، ولمدة أطول بطبيعة الحال، وإنما لمن هو مؤهل لها، أي الذي له مؤهلات العمل والذي من الممكن جدا أم ينخرط في سلك العمل قريبا. وحتى ينقد ولا يترك ، بل على الدولة ان تشعره بأنها مهتمة به ، وحتى لا يصاب بأمراض ، التحايل ، والرشوة، والزبونية انتقاما لنفسه من المؤسسة التي شغلته بعد عطالة أو من الدولة نفسها. وإذا كان الغرب يتكلم عن 9 في المائة من المعطلين ، فإن الغريب هو أن تسمع أو تقرأ بأن في الدول الفقيرة تبلغ نسبة المعطلين بين 9 و14في المائة،وهي مغالطة كبيرة ، إذ لا يعرف بالضبط على من يطلق " معطل " او نشيط " والتفسير الوحيد هو أن في الدول الفقيرة كل من يقوم بعمل يسمى نشيطا وإن كان يبيع النعنع ، أو الحلزون ، أو البقدونس ، أو يسوق عربة قمامة ، هو عند الاحصائيين "نشيطا" أي يشتغل ، من أجل ذلك تقارب نسبة العطالة 10 في المئة في دول متخلفة وكما هو الشأن بدول متقدمة ، عجبا!. ولو قمنا بإحصاء فعلي لمن لا يتوفر على قوت أسبوع لوجدنا 80 في المائة من مجموع الساكنة في الدول المتخلفة.ففي الأمر بعض العجب ولكنها الحقيقة ، وإن الذي يمكن الناس من العيش هو التراكمات والتجارب عبر الأجيال . هناك من يصرف 100 درهم يوميا في الأقصى ويوفر لأسرته طعاما متكاملا ، قليل من هنا وقليل من هناك . مع شيء من توابل الصبر. إلى يوم قريب كان الناس يتظاهرون من أجل فرصة عمل ، واليوم هاهم يسمعون ويتابعون مشكلة الأزمة المالية العالمية والتي سيكون من مخلفاتها فقدان العديد ممن هم يعملون عملهم . الأمر الذي سيضاعف من الأزمات والإحباطات في صفوف الشباب بوجه خاص . وهم الذين كانوا ينتظرون و يأملون في مخرج من أزمة ، فإذا بأزمة أخرى تنضاف لتزيد الطين بلة . والمأمول في الدول الاجتماعية أن تضاعف من مجهوداتها الذاتية لتنقد ما يمكن إنقاده ، بخلق فرص التعاون والتكافل داخل المجتمع .درءا لكل الانحرافات والتي بدأت تطفو على الساحة في الأيام القليلة الماضية . فهناك من الشباب من يسرق " هواتف محمولة بسكاكين داخل حافلات النقل العمومي ، وهناك من يسرق متاع الناس بالمنازل وهناك قطاع الطرق، ومروجو المخدرات ، ووسطاء الرذائل وهلم جرا...عندما تنتشر في مجتمعات مثل تلك الرذائل وكل أنواع الجرائم فالنتيجة الحتمية هي ضعف الدولة وخراب الديار. لأن ليس هناك نظاما قويا يسطر ولا يسيطر عليه ، يخطط للناس ، ولا يترك الناس تفعل ما تشاء بنوع من العشوائية والتسيب . وعندما يقضي الطالب أو التقني جزءا من حياته في التعلم كي يكافأ يوما بعمل يحفظ كرامته ، وإلا تعويضا عن العطالة يحفظ ماء وجهه ، فهل من الانصاف اتهامه بأخذ الرشوة ، أو انعدام الضمير ، وهو الذي ترك لحاله في فترة العطالة يحرقه العوز ؟. ألم يكن ممكنا الأخذ بيد العديد من حاملي الكفايات ، ومساعدتهم ، إلى أن يحصلوا على عمل ، وبذلك يتم إعطاؤهم جرعة كبيرة في حب الوطن لخدمته بعيدا عن قبول الرشاوي أو العمل بلا ضمير يوم يتسلمون المسؤولية ؟