*برد : هأنذا أواجهك أيها البرد، لأنني لا أرغب في المزيد من الكدمات الروحية والخسائر الوجدانية. أجلس بمفردي، كأنني أحرسك، لأنني فشلت في كبح عواطف أناملي، علما أن لا أحد يحبك أيها البرد! منذ ثلاثة أيام، لم تفكر – أيها الشرگي- في أن تحزم حقيبتك، وترحل أيها الضيف الثقيل. أنا لا أحبك، لأنني جئت إلى هذه الحياة في مثل هذا التوقيت، ولم تنتبه أمي إلى أنك تسللت إلى قلبي، واستوطنته... من قبل، حين كان يستبد بي الحزن، كنت أتوجه إلى الشاطئ، في مرابع الصبا، أخبئ وحشة الليل في قلبي، أعود إلى البيت القريب من البحر، أندس في فراشي، وأنام بعمق.. بعمق رضيع لا يشغل باله سوى أن يستعيد مؤانسة الملائكة له في نومه، لكن البحر صار – الآن- بعيدا جدا، حتى في الصيف لا أراه. البحر الوحيد القريب مني الآن: دموعي! أنا رجل فقير، ثروته الوحيدة قلبه، وقد حرمتني الحياة من رفاهية دفن أحزاني في غفوة. ربما، أشفقت علي من غيبوبات ستتكاثر! أحد أخوالي، كان يروي، دوما، حدث ابتلاعي لألسنة كل أضاحي العيد في القرية ضاحكا، لأنني تأخرت في النطق. لا أتذكر ذلك حقا، لكنني لا أستطيع أن أنسى أنني مازلت أغرق في ارتباكي في الحديث، أرتكب الكثير من الهفوات، ولا أجيد تركيب جملة واحدة من عبارات المجاملات، وأعتذر بدموعي دائما. لا أعرف ماذا يقول الناس لبعضهم في مناسبات الفرح أو الحزن وكأن القدر أخفى كل تلك القدرات في أناملي، لكي أبذرها كتابة ومحبة، نكاية في ذلك البرد المقيم. أعتذر لكم عن صداقتي الفجة، أعتذر لأنني صديق غير جاد نهائيا، صديق لا يقدر حتى وجع البعض، أعتذر لأنني أكتب دوما (ههههههه)، ولا أجيد إلا رشق تدويناتكم بالأيقونات الضاحكة.. أعتذر لأن الحياة نسيت الكثير من أعطابها في داخلي.. أعتذر، حتى لو قال محمود درويش : لا تعتذر عما فعلت. *عقاب : لأن لليد بصمات تدينها، بدل الصفع صارت المعلمة ترفس التلاميذ الصغار. *معطف : لم أرتده أمس، وهذا الصباح غمرني شذى عطر نسائي مسكر. أم العيال تنظر إلي بريبة.. أمس، لم يعانقني سوى البرد، ولم أكن أرتدي هذا المعطف. لم أشغل بالي بالبحث عن كذبة تليق برجل جلف، قلت لها ضاحكا إنني ولي صالح، ولكن قلبي يشبه مزارا، حقا.. تلجه نسوة خفية، دون أن يلمحهن أي أحد، تتبركن بغربة الدمع في عيني... لم أهتم ببقية التهمة، كنت فقط أريد معرفة صاحبة العطر، التي ضمتني إلى صدرها بكل قسوة، ونسيت بعض الشذى جهة القلب... في ذلك الصباح الماطر تشاجرنا، وذهبت أم العيال إلى بيت والديها، جلست في المطبخ وحيدا. لم أهتم بعقابها؛ ألا تطبخ الغداء. كنت أنظر إلى كرسي في دهشة، إلى معطفي المبلل، وهو يحتضن فستانها فوق الكرسي، ويتبادلان الهمس واللمس..