عندما سمع صديق عزيز علي أن والدي حسن الطريبق -حفظه الله- سبق له وأن اعتقل وسجن خلال سنة 1971، في أعقاب انقلاب الصخيرات لبضعة أشهر ذاق في بعض من أيامها من التعذيب ألوانا وآثارا نفسية جسيمة في "كوميسارية" العرائش بالتحديد، قبل أن يتم ترحيله لسجن طنجة بتهمة "التآمر على أمن الدولة والمس بالمقدسات وخيانة الوطن وو..."، لا بسبب مشاركته في الانقلاب بطبيعة الحال، فالوالد كان أستاذا وصحفيا بعيدا كل البعد عن نشاط العسكر وأخبارهم، وإنما اتضح في ما بعد أن السبب كان على الأرجح هو رغبة بعض رجال السلطة والقمع المحليين -الذين كانوا حينها متجبّرين في السيطرة على إقليمالعرائش الغني واستغلال خيراته- في الانتقام منه أو إسكاته بالأحرى جوابا منهم على مقالاته الفاضحة للفساد آنذاك، والتي كان يكتبها وينشرها في جريدة العلم الغراء بصفته مراسلا لها في الإقليم. الحمد لله أن الحسن الثاني رحمه الله عمل بنصيحة أهل السياسة الحكماء، من أمثال علال الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد عندما استجاب لطلبهم بالعفو عن المدنيين ممن اعتقلوا ظلما أو بالخطأ في خضم اللخبطة والجعجعة التي كانت تحدث حينها، وإلا كان مصير والدي والكثير من السجناء الإعدام ظلما وعدوانا، فالحكاية طويلة تحتاج إلى سرد وقراءة موسعة في تلك الأحداث (انتظروا صدور كتاب مذكرات حسن الطريبق في السجن قيد الطبع قريبا إن شاء الله)... عودة إلى الموضوع، عندما سمع صديقي العزيز يساري الميول أو قاعدي سابق -بالعربية دتاعرابت- هذه الحكاية استغرب كثيرا قبل أن يسألني بعفوية: هل كان والدك يساريا أو كانت تربطه علاقة بمنظمة إلى الأمام أو 23 مارس؟ فأجبته: لا بطبيعة الحال أبدا. والدي لم يكن يساريا وإنما كان ناشطا ونشيطا في حزب الاستقلال، وكان في الوقت نفسه مستقلا ومتحررا في أفكاره حتى النخاع، واعلم أن المناضلين الحقيقيين في حزب الاستقلال -شأنهم شأن كل المغاربة الأحرار الذين ساهموا في الدفاع عن العدالة والكرامة والحرية في مراحل تاريخية عابرة- كان من بينهم هم كذلك ضحايا كثر تعرضوا للاعتقال ولمحاولات الاغتيال، بل هناك منهم من اغتيل في صمت من أمثال عبد العزيز بن ادريس وغيره رحمهم الله جميعا!