أجمع المشاركون في يوم دراسي، جرى الأربعاء بالمحكمة الابتدائية لسبت أولاد النمة، بمناسبة الأيام الدولية لمناهضة العنف ضد المرأة، على أن القضاء على العنف يستلزم مقاربة شمولية، وتضافر جهود كافة المتدخلين. كما خلص المشاركون إلى أن الإجراءات الجزرية، وخاصة الواردة في قانون مناهضة العنف ضد النساء 13/103، لا تكفي لوحدها للحد من ظاهرة العنف ضد النساء على الرغم من المستجدات التي جاء بها هذا القانون. وبالمناسبة، أكد فتاح امصبري، رئيس خلية التكفل بالنساء والأطفال، نائب وكيل الملك بالمحكمة المذكورة، أن حماية المرأة من جميع أشكال العنف تعد أولوية في السياسة الجنائية التي تضطلع النيابة العامة بتنفيذها، انسجاما مع المعايير الدولية ذات الصلة بالمقتضيات القانونية الوطنية. وأضاف امصبري أن النيابة العامة تسهر على حماية المرأة من كل أشكال العنف، كما تولي اهتماما خاصا لموضوع مكافحة العنف ضد النساء وتعتبره من أولويات تنفيذ السياسة الجنائية. وتحدث رئيس خلية التكفل بالنساء والأطفال، نائب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية لسبت أولاد النمة عن دور النيابة العامة في التدخل الإيجابي في قضايا العنف ضد النساء من خلال ثلاث مراحل؛ وهي مرحلة ما قبل المحاكمة، متمثلة في استقبال الحالة المعنّفة بحضور مساعدة اجتماعية والاستماع لها بشكل لائق وأجرأة الشكايات واتخاذ التدابير اللازمة بشأنها، ومرحلة لحظة المحاكمة حيث تتدخل النيابة العامة لإبراز الأدلة من معاينات الضابطة القضائية، ثم مرحلة التنفيذ من خلال السهر على منح المرأة المُعنفة كامل تعويضاتها. وبدوره، وقف عزيز شخمان، قاض بالمحكمة الابتدائية بسوق السبت، عند أنواع الجرائم التي من الممكن أن ترتكب ضد المرأة بسبب جنسها (العنف ضد المرأة بجميع أشكاله)، مشيرا إلى أن المشرع المغربي اعتمد على سياسة التشديد في تلك الجرائم كلما كان موضوعها امرأة بسبب جنسها. كما تحدث عن دور قضاء الحكم في حماية المرأة المعنفة مسطريا من خلال أولا المرونة في اعتماد وسائل الإثبات بخصوص العنف الأسري، (اعتماد قرينة اتهام الزوجة لزوجها بالعنف المقرونة بالشهادة الطبية، والاستماع إلى الأبناء..)، وثانيا عن إمكانية عقد جلسة سرية بطلب من المرأة ضحية العنف أو الاعتداء الجنسي، وعبر اتخاذ تدابير حمائية فورية في قضايا العنف ضد النساء (إرجاع المحضون مع حاضنته إلى السكن المعين له من قبل المحكمة، إنذار المعتدي بعدم الاعتداء..)، وأبرز قاضي التحقيق دور قضاء الحكم في حماية المرأة المعنفة موضوعا من خلال تحقيق الردع العام والخاص؛ وذلك بتشديد العقوبة وعبر إمكانية الحكم بالإضافة إلى العقوبة الأصلية بأحد التدابير منها سقوط الحق في الولاية الشرعية على الأبناء، ومنع المحكوم عليه من الاتصال بالضحية أو الاقتراب من مكان وجودها، أو التواصل معها بأي وسيلة، لمدة لا تتجاوز خمس سنوات ابتداء من تاريخ انتهاء العقوبة المحكوم بها عليه أو من تاريخ صدور المقرر القضائي، إذا كانت العقوبة السالبة للحرية المحكوم بها موقوفة التنفيذ أو غرامة فقط أو عقوبة بديلة؛ مع إخضاع المحكوم عليه لعلاج نفسي ملائم. وأشار شخمان، في هذا اللقاء الذي نظمته خلية التكفل بالنساء والأطفال تحت شعار "يجب أن نكسر حاجز الصمت"، إلى أنه يتم غالبا الحكم بعقوبة موقوفة التنفيذ عمليا لوقوع الصلح والتنازل حفاظا على كيان الأسرة. كما خلص إلى أن المقاربة الزجرية تعتبر غير كافية، وينبغي تضافر الجهود للقضاء على ظاهرة العنف ضد النساء. وفي مداخلة تحت عنوان "دور النيابة العامة في حماية المرأة المعنفة"، قال عزوز عيسى، نائب وكيل الملك بالمحكمة سالفة الذكر، إن المتأمل في اهتمامات السياسة الجنائية المغربية، لاسيما في العقد الأخير، لن يجد بدا من الاعتراف بالأهمية البالغة التي تتميز بها قضية "مكافحة العنف ضد المرأة" ضمن محاورها الكبرى. ولعل ما يوضح ذلك أكثر هو الزخم الكبير من الدوريات والمناشير والرسائل التي تستهدف هذه الغاية، سواء الصادرة عن وزارة العدل أو عن رئاسة النيابة العامة. وأوضح نائب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية لسبت أولاد النمة أن النيابة العامة تمتاز بدور الفاعل الأساسي والمدافع الرئيسي عن قضية المرأة المعنفة، من خلال الأدوار التي تؤديها في سبيل تفعيل وتنفيذ القانون رقم 13.103 والنصوص القانونية الأخرى الموضوعية والمسطرية، سواء على مستوى خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف من خلال استقبال النساء المعنفات والاستماع إليهن ودعمهن وتوجيههن ومرافقتهن أو على مستوى اللجان الجهوية والمحلية للتكفل بالنساء ضحايا العنف التي يترأسها ممثل عن النيابة العامة. من جهتها، قالت صفاء الغناوي، مساعدة اجتماعية وعضو بخلية التكفل بالنساء والأطفال بالمحكمة الابتدائية بسوق السبت، إن اللقاء شكل فرصة لتقديم حصيلة عمل امتدت ثلاث سنوات، مبرزة أن "الخلية على المستوى المحلي تقوم بدور مهم في استقبال أولي للطفل والمرأة ضحايا العنف وتقوم بتقديم مختلف الإرشادات والدعم النفسي للنساء في جميع المراحل، سواء قبل أو أثناء التقاضي أو بعده. كما أن الخلية هي صلة وصل بين مختلف الفاعلين المتدخلين في موضوع حماية الطفل والمرأة من العنف المبني على النوع الاجتماعي". وكشفت المتحدثة ذاتها أن خلية التكفل بالنساء والأطفال بالمحكمة الابتدائية بسوق السبت توصلت، خلال الفترة الممتدة ما بين فاتح دجنبر 2019 و31 دجنبر سنة 2020، بحوالي 841 شكاية؛ منها 380 شكاية تتعلق بالعنف الزوجي، و74 شكاية تتعلق بالطرد من بيت الزوجية، و365 تتعلق بإهمال الأسرة، فضلا عن 850 شكاية تتعلق بالعنف ضد الطفل. وأضافت المساعدة الاجتماعية والعضو بخلية التكفل بالنساء والأطفال بالمحكمة الابتدائية بسوق السبت أن محاضر العنف ضد المرأة المنجزة في الفترة نفسها بلغت ما مجموعه 1171 محضرا؛ فيما بلغت محاضر العنف ضد الطفل 308 ليصل مجموع الشكايات والمحاضر التي تخص العنف ضد المرأة والطفل حوالي 3986. ووفق إحصائيات الخلية سالفة الذكر، فإن شكايات العنف ضد المرأة وصلت، خلال هذه السنة وإلى غاية متم شهر نونبر الماضي، ما مجموعه 428 شكاية؛ بينما بلغت الشكايات العنف الزوجي ما مجموعه 204، وشكايات الطرد من بيت الزوجية 108 شكايات، وشكايات إهمال الأسرة 326 شكاية، فيما بلغت شكايات العنف ضد الطفل 201 شكاية. وعرف اليوم الدراسي تدخلات لمشاركين آخرين؛ من ضمنهم لطيفة مشروحي، محامية بهيئة بني ملال، ونبيل حبيبو، مكلف بملف المرأة في مندوبية التعاون الوطني بالفقيه بن صالح، ونورة المنعم، عضو فيدرالية رابطة حقوق النساء، وعبد اللطيف الحامضي، مسؤول بالقطاع الصحي بمشفى القرب بسبت أولاد النمة. كما تميز بتقديم عرض مسرحي لنادي المسرح بدار الشباب علال بن عبد الله يجسد بالكلمة والصوت ظاهرة العنف الممارس على المرأة بصيغة إبداعية محكمة استأثرت باهتمام الحاضرين.